احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

21‏/03‏/2019

الإسلام والجنس، مقاربات في فهم العلاقة بينهما


الكاتب: كاظم عبد الله




"الإسلام والجنس، مقاربات في فهم العلاقة بينهما"

     الدين بالرغم من كونه ذا منشأ إلهي سماوي إلّا أنه يرتبط في أكثره بمفاهيم أرضية إنسانية عديدة جاء ليحاكيها أو يقننها تقنيناً يتناسب مع إرادة الرب وتطلعاته، ينشأ مع بعض تلك المفاهيم نوع علاقة جدلية تأثيرية وتأثرية تنعكس نتائجها على مسرح النص الذي يحتوي ذلك المعنى السماوي والواقع الإنساني المعاش؛ ومن أهم تلك المفاهيم وأكثرها فاعلية في تأريخ الإنسان هو الجنس وما يحكيه عن أبعاد تكوينية مغروسة فينا تشكل جزءاً من ذواتنا وطيفاً من الأطر الاجتماعية التي نعيشها.
فلو اقتفينا دلالات بعض النصوص القرآنية في ما يخص مفهوم الجنس وتمظهراته العديدة، كالعلاقات العاطفية أو الزوجية وغيرها فإنا سنظفر بالآتي:
- اصطباغ بعض النصوص الدينية بصبغة تجريدية تهدف لتجريد مفهوم الزوجية من كونه مفهوماً يحكم العلاقات الإنسانية الخاصة إلى كونه قانوناً عاماً يحكم الكون على نحو من الزوجية الإثنينية التي تشكل ترابطاً وجودياً دائماً، وهذا نوع من بيان الأبعاد التكوينية لهذا العالم وشرح لأهم قوانينه وسننه. فإنَّ في عبارة (من كل شيء) في قوله تعالى }وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ (الذاريات/ 49)، يسترعي تأملاً وإنعام نظر... فالوجود والعدم والخير والشر والموت والحياة ثنائيات تكون العالم وتسري في جميع أثاره وتجلياته.
- تمحور النص القرآني في أجماليات نصوصه على إبراز الأبعاد الإنسانية في الإنسان، وتعهده أيّها بالإنماء والتكميل، ومن بين أهم تلك الأبعاد الإنسانية التي أضائها النص بالخصوص وعالجها بالتشريع والتقنين هو البعد الجنسي في الإنسان، فقد أعلى النص من دوره إلهام في أصل تكاثر الخلقة وتناسلها وكذلك ما له من دور أصيل في حياة الاجتماع بما يفرزه من مفردات أخلاقية كالعرض والشرف والعفة وغيرها، بعيداً عن مواقف الإفراط أو التفريط، من ديانات تمارس فيها الآلهة الجنس مع البشر إلى ديانات تعتبره دنساً يحد من سير الإنسان إلى الله، لذلك كان قابلاً لأن يوصف بالقداسة تارة أو الدناسة أخرى بحسب ما يتلائم مع ما رسمه له الشرع من أهداف.
- إحلال اللذائذ الجنسية في الجزاء الأخروي للإنسان، فإن كثيراً من ظواهر النصوص مشحونة في ذكر الحور، والتطويل في سرد خصالها وما لها من صفات، لتكون باعثاً ومرغباً للطالبين في طي الكمالات والظفر بالجنة التي وعد الله، وبالإمكان إرجاع ذلك إلى سببين رئيسيين:
1- لزوم تناسب الجزاء مع تطلعات الإنسان وما تمليه عليه طبيعته من أهداف وآمال، وإلّا فلو جوزي الإنسان بغير ما يتطلع لأنقلب الثواب عقوبة، فإن للإنسان طبيعة هي غير كل الطبائع، لذلك فإن إحلال تلك اللذائذ في الجزاء الأخروي ما هو إلّا تماشياً مع هذه الطبيعة وإشباعاً لها.
2- إنَّ لأبدية انسياق النص الديني مع الفضاءات العقلية التي تحكم الجزيرة، وكذلك تلبسه بلغة بشرية مع ما لها حمولة ثقافية لا يمكن الفكاك من أصرها، قد ألجأت النص على أنتهاج أساليب خطابية تتناسب مع ثقافة البادية والعقل العربي البدائي، لذلك كثرت استعارات النص في الترغيب باللذائذ الحسية كالحور والحدائق والأنهار في بيئة صحراوية تفتقد لأبسط تلك المقومات، وإلّا لو كان القرآن قد نزل في بيئة وزمان مختلف لاختلفت مع ذلك أساليب التعبير وآليات الخطاب، وما ذلك التغيير سار إلى جوهر الدين ولبّه، بل ما هو إلّا تكثر وسائلي بحسب ما تفرضه تغيرات الزمان والمكان. ورغم هذا كله هذا لا يعني البتة أغفال النص لضروب الجزاء الأخرى، فقد أشار النص كذلك إلى أنواع من اللذائذ المعنوية التي تليق بالإنسان الكامل المتجرد من عوالق المادة والحس بما تتناسب مع تطلعات ذلك الإنسان التي هي وليدة الفهم العميق للنظم العقدية مع عمل صادق يؤكد هذا الفهم ويسنده، فإنك لو تأمل النصين المباركين }وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ{ (الأعلى/ 17)، وفي نص آخر }وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ{ (طه/ 73)، ليكفيك ذلك على تعدد الخطاب شاهداً ودليلاً.
ومما يمكن استخلاصه، أنَّ الإنسان بجميع أبعاده الحياتية، الفطرية منها والمكتسبة، يمثل بُنىً فوقية ويكوّن الدين -بما يرفدها من تشريعات وقوانين ويرسم لها من أهداف- بناها التحتية. وإن التغيير في أساليب التعبير، لا يعني ذلك تغييراً في جوهر الخطاب، فإن عقل المخاطَب ومستوى تفكيره يوجب على المُخاطِب مستوى من الخطاب، وإلّا لما عُدَّ المخاطِب مخاطِباً، مع بقاء الخطاب محتفظاً بغزارته وعمقه وإن بدا سطحياً وساذجاً.

#كاظم_عبدالله
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

إقرأ أيضا

الإسلام والجنس، مقاربات في فهم العلاقة بينهما
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة