احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

21‏/03‏/2019

هيمنة الدولار


الكاتب: عبد الله ناهض
             



"هيمنة الدولار"

       منذ الأزل غالبًا ما تنشغل البشرية، بالبحث عن أسرار قوة وهيمنة الدولة، أو الإمبراطورية المهيمنة في عصرها، إذ وفي الماضي البعيد، والأزمان السحيقة، وحتى ربما منذ قرن أو قرنين، كانت قوة الدولة المهيمنة، تقاس بمدى ما تمتلكه من جيوش جرارة، وأسلحة تقليدية، ربما كانت قبل اختراع السلاح الناري، أسلحة مثل السيف، والرمح، والمنجنيق، والسهام، وعدد الخيول فضلًا عن قوة أفراد الجيش القتالية، وما يتمتعون به من مهارات، هي من تحسم المعارك، وتكون لها اليد الطولى في مد سيطرة الدولة التي يقاتلون من أجلها إلى أبعد حد ممكن، فنشأت لدينا الدولة البابلية، والفارسية، والرومانية قبل الميلاد، ومن بعدها الدولة الإسلامية، كلها دول هيمنت في عصرها بناءً على هذا الأساس، فضلًا عن عوامل أخرى قد تكون دينية كما في الإسلام بالنسبة للحضارة الإسلامية، ومع تطور الزمن ووصول العالم إلى التأريخ الحديث، بدأت تتغير أساليب السيطرة، والهيمنة، وأخذت تلج إلى سوح المعارك أسلحة جديدة، وخطط، واستراتيجيات، وتكتيكات مختلفة قضت على ما كان سائدًا قبلها، وأهمها كما أشرنا سالفًا "السلاح الناري"، مع اكتشاف البارود في القرن التاسع في الصين تحديدًا، وكان أهم سلاح في بداياته المدافع، وهكذا توالت الاختراعات ليُكتشف المسدس، والبندقية...، حتى وصلنا إلى اكتشاف أخطر سلاح عرفه التاريخ وهو السلاح الذري ذلك في سنة (1945م)، وصولًا إلى اختراع الأسلحة الموجهة عن بعد، فضلًا عن اختراع الطائرات التي أصبحت لها اليد الطولى في حسم المعارك على الأرض في العصر الحديث، وغيرها كثير من الأسلحة التي تم اختراعها.
لكن!؛ ومع تطور وتعقد الحياة البشرية، ومع قيام الثورة الصناعية الأوربية في القرن السابع عشر الميلادي، بدأت متغيرات أخرى أخذت تقاس بها مدى قوة الدولة المسيطرة، كالمتغيرات الاقتصادية، والتكنولوجية...، فلم يعد يكفي أن تمتلك أسلحة فتاكة، وجيوش كبيرة، إذ لا بد من وجود بنية اقتصادية متينة، ومتطورة تستطيع عبرها دعم نفوذها، وهيمنتها، ولربما الحرب الباردة كانت خير دليل على ذلك، فالقوة الاقتصادية التي كان يتمتع بها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تضاهي ما كان يحوزه معسكر الشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي، على الرغم من أنَّ الأخير كان يمتلك قوة عسكرية تقليدية ضخمة، وترسانة نووية جبارة، إلّا أنّها لم تسعفه ولم تمنع تفككه وانهياره، بالتالي عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز هيمنة الغرب عبر الوسائل الاقتصادية، وبأدوات ومؤسسات دولية ساعدتها في هذه المهمة كصندوق النقد الدولي، فضلًا عن العديد من الحزم، والمساعدات، والبرامج الاقتصادية التي هدفت عبرها إلى مساعدة حلفائها وشركائها خشية عدم وقوعهم في شراك السوفييت وشيوعيتهم، لعلّ أهم هذه البرامج "خطة مارشال"، التي هدفت إلى مساعدة الدول الأوربية التي دمرت من جراء الحرب العالمية الثانية، وقد وصلت قيمة هذه المساعدات إلى(15) مليار دولارًا، وهذا الرقم كبير للغاية قياسًا بقيمة الدولار في تلك المدة، أي ما بعد انتهاء هذه الحرب في سنة(1945م)، وانتصار الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على دول المحور، والذي قد تصل قيمته في زمننا هذا إلى(50) مليار دولار.

      هذه السياسات التي اتبعها الأمريكان، عززت من انتشار وسيادة الدولار على المستوى العالمي، لا سيما بعد أفول نجم المملكة التي لا تغيب عنها الشمس(بريطانيا)، إثر تضررها بشكل كبير من جراء الحرب العالمية الثانية على الرغم من انتصارها إلى جانب الحلفاء، لذلك أخذت الولايات المتحدة الأمريكية تملأ الفراغات والانسحابات الجيوسياسية، والجيواقتصادية التي خلفتها بريطانيا، فمن ناحية مناطق النفوذ هيمنة على المناطق التي كان البريطانيون يهيمنون عليها، ولا سيما في منطقتنا العربية، فضلًا عن بسط نفوذها على القارة الأوربية، وأجزاء واسعة من قارة آسيا، أما على المستوى الاقتصادي فقد كانت "قاعدة الذهب" هي السائدة قبل الحرب العالمية الثانية، والعملة البريطانية الجنيه الإسترليني، التي أيضًا انهارت مع انهيار النفوذ البريطاني، وقد أخذ مكانها الدولار بعد ما تحققت لها من قوة عظيمة أهلتها لقيادة العالم الغربي، ففي ذلك الوقت كانت تهيمن على نصف الإنتاج العالمي تقريبًا، وبقية العالم أجمع بالنصف الآخر.

      هيمنة الدولار هذه؛ لم تحقق من فراغ، فبالإضافة إلى حزم المساعدات المالية التي ذكرناها آنفًا، تم الاتفاق قبل ذلك في مؤتمر "بريتون وودز"، الذي عقد في سنة(1944م) بمشاركة(44) دولة، على أن يكون الدولار هو القاعدة البديلة للذهب، كعملة عالمية وقد قبل المشاركون في هذا المؤتمر، مقابل ذلك تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية للجميع، بأن لديها ما يكفي من الذهب الذي يغطي حجم ما تمتلكه الدول من عملتها الصعبة-الدولار-، وهذا ما يسمى بالدولار المغطى بالذهب، أي أنَّ قيمته تقاس بقوة هذا المعدن، وكتوضيح أكثر أتُفق في هذا المؤتمر على أن سعر الأونصة الواحدة من الذهب يبلغ(37) دولارًا تقريبًا، بالتالي تستطيع أيّة دولة متى ما شاءت أبدال ما لديها من عملة صعبة بالذهب، مثلًا لنفترض أن دولة ما لديها مليون دولار، تستطيع متى ما أرادت الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأبدال قيمته بالذهب، بالتالي أخذت الدول تتعامل به في تبادلاتها الاقتصادية، وكان يُفرض وما زال على الدول النفطية شرط بيع نفطها مقابل الدولار دون العملات الأخرى، وهو ما ساهم بشكل كبير في ازدياد احتياطيات الدول من الدولار، وهو ما يعني زيادة القوة الاقتصادية الأمريكية، فضلًا عن وثوق الدول به كعملة قوية ومعادلة بالذهب.
إلا أن في سنة(1971م)، حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ ودون سابق إنذار أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق(ريتشارد نيكسون)، إلغاء عملية معادلة الدولار بالذهب، والعمل على تعويمه، مما يمثل نسفًا عمليًا لما تم الاتفاق عليه في "بريتون وودز"، وقد كان هذا القرار بمثابة الصدمة بالنسبة للدول حتى أنها أصبحت تسمى بـ(صدمة نيكسون)، وكانت الغاية من ذلك العمل على انعاش الاقتصاد الأمريكي، الذي كان يعاني من بعض المشكلات، وعلى رأسها البطالة التي وصلت نسبتها في حينها إلى(6%)، وكذلك بسبب ما كانت تعانيه من جراء الحرب الفيتنامية، بالتالي أصبحت الدول أمام الأمر الواقع، ولم تستطع أن تحرك ساكنًا، إذ ماذا عساها فاعلة!؟، وقد غزا الدولار بنوكها، وسيطر على كل تعاملاتها، وهنا يمكن القول إنها كانت أكبر خديعة تاريخية مارسها الأمريكان على بقية الدول، وفي المقابل خرجت أسعار الأونصة عما أتُفق عليه، وقد وصلت إلى أسعار خيالية قياسًا بالسعر السابق، إذ في وقتنا الحاضر يبلغ سعر الواحدة منها(1300) دولارًا تقريبًا!، بينما كانت بـ(37) دولارًا في حينها.
ومن ثم، أصبح الدولار يقاس بمدى قوة الولايات المتحدة الأمريكية من كل النواحي السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، وأن أيّة أزمة قد تلم بها ستؤثر مباشرةً على الاقتصاد العالمي، وقيمة الدولار، وكانت أزمة سنة(2008م) خير دليل على ذلك، لذلك الدول معنية بشكل كبير في مسألة الحفاظ على قوة أمريكا، حتى لا تفقد قيمة ما تمتلكه من أرصدة، ولا سيما الدول الكبرى كألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة(بريطانيا)، والصين، واليابان، وروسيا الاتحادية...، وهي مجبرة على شراء الدولار بشكل مستمر حتى لا تفقد أرصدتها قيمتها!، وهذا ينسحب على بقية الدول الأخرى، فضلًا عن الأرصدة التي تمتلكها الدول في البنوك الأمريكية ذاتها، وهنا تحضر الدول العربية النفطية كأبرز مثال على ذلك، إذ ما هو البديل؟، ولنفترض توفره ماذا سيحصل بالنسبة لما تمتلكه الدول من أرصدة كبيرة من الدولار؟، البديل يعني أنها ستحرق رمزيًا احتياطياتها، وهذه خسارة اقتصادية كبيرة لها، لذلك تمسك الولايات المتحدة الأمريكية الغالبية العظمى من الدول من يدها التي تؤلِمها، وهذا ما حقق لها هيمنة كبرى، لذلك نراها تفرض العقوبات الاقتصادية على هذه الدولة أو تلك، ولعل أبرز مثال على ذلك في الوقت الحاضر، العقوبات التي تفرضها على إيران، وفنزويلا، والتي أدت إلى انهيار عملة كليهما!، حتى أن الصين التي تعد اليوم أهم منافس لها على المستوى العالمي، مجبرة على الشراء الدائم للدولار حتى يظل رصيدها منه محافظًا على قيمته، والذي يصل حجمه إلى أكثر من(3) ترليون دولار، مما يعني أن الدولار من أهم الوسائل التي حققت الهيمنة للأمريكان على المستوى العالمي، وهذا ما قد يغفله الكثير من الباحثين والمختصون في الشأن السياسي، فالكثير يتحدث عن القوة الأمريكية السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، إلّا أن الدولار نادرًا ما يتم تناوله كمتغير مهم ضمن أساسات هذه القوة.

#عبد_الله_ناهض
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

إقرأ أيضا

هيمنة الدولار
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة