احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

19‏/07‏/2019

النرجسية وأثرها على التكامل الداخلي للفرد


الكاتب: حسين أكرم غويلي




"النرجسية وأثرها على التكامل الداخلي للفرد"

     النرجسية "Narcissism": هو مصطلح أعتمده الطب النفسي الحديث، لتشخيص واحد من الأمراض النفسية الخطيرة، التي غالباً ما تصيب الرجال والنساء على حدٍ سواء، وإذا ما بقيَّ الأمر عليه بدون توقف أو علاج، ستؤدي النتائج إلى مآسي ذاتية واجتماعية خطيرة جداً.
ولا بدَّ من التعريج على أصل كلمة النرجسية التي تعود إلى الأسطورة اليونانية القديمة لشاب باهر الجمال أسمه "نارسيس" الذي كان معجباً بنفسه بإفراط، وهذا الشاب من كثرة ما كان مغروراً بنفسه، كان يقضي طول يومه ينظر إلى صورته في ماء البحيرة ليتأمل جماله، واستمر على هذا الحال حتى مرض نفسياً بسبب هذا التعلق الذاتي، وبمرور الزمن فقد عقله. وفى أحدى خلواته بتواصل الهيام مع ذاته وعشق صورته المعكوسة من ماء البركة، قفز إلى صورته ليمسكها ولكنه غرق ومات. وظهرت في مكانه زهرة سميت على أسمه وهى زهرة النرجس المشهورة.
من أهم أعراض النرجسية: هو الحبّ المفرط للذات أو ما يسمى بعشق الذات أو تعظيم الذات، والشعور الدائم لدى النرجسي، بشخصيته النادرة الوجود، ومن النوع والمستوى الخاص والفريد بالعالم، وهو غير مفهوم إلّا من خاصة الناس القلائل جداً، ويجب أن يحظى دائماً من الآخرين احتراماً وتبجيلاً خاصاً طول الوقت، و يتصف بطبع الاستغلالية والابتزاز، والوصولية بالاستفادة من مزايا الآخرين، وتمتع بالغيرة المفرطة من الآخرين، والأستماتة بالحصول على المناصب، والانتهازية المتطرفة بتبني الأفكار والمواقف.
تتفاوت طبيعة الإنسان بتبني بذور النرجسية المغروسة في النفوس، باختلاف طبيعة العوامل الذاتية أو الظروف المحيطة المشجعة. ومن الطبيعي جداً أن يولد الإنسان ولديه بعض بذور الأنانية والنرجسية كما يبدو في كل رضيع جديد وهو يتمسك بثدي أمه عندما تقوم بإرضاعه، وهو يحاول التشبث أكثر كلما حاولت بانتزاعه من فمه، مع أطلاق صرخاته المستنكرة التي تشق عنان السماء، ولكن المسألة ستكون في غاية التعقيد، عندما تنذر عن نتائج غير محمودة بالمستقبل، بتثبيت هذه الحالة الأنانية الطفولية وانتقالها إلى مراحل عمرية متقدمة.
كما تجدر له الإشارة، فمن حق الإنسان أن يمتلك حداً معقولاً من هذه الأنانية أو النرجسية التي تعبر عن حب الذات، ما دامت محدودة ومحكومة من العقل بحدود التنافس المشروع لأيّ نجاح مؤطر بالأخلاق والمثل الاجتماعية.
ولا نبرئ بأنفسنا عن الأعراض النرجسية أو الجنون الوقتي، خصوصاً ونحن نعيش إرهاصاتنا اليومية وراء الكواليس وأمام المرآة، ولو أعيدت لقطات مشاهدنا علينا أو على غيرنا بواسطة الحقيقة الخفية. لوجدنا أنفسنا لا تنأى عن الجنون، إلّا بفاصل شعرة، ومتى أزيلت هذه الشعرة لأي طارئ، فإننا سنجد مصيرنا محتم في مستشفى المجانين، والأمثلة كثيرة:
كالوقوف أمام المرآة في خلواتنا مع أنفسنا المبتهجة، وتوزيع كل أشكال وألوان الابتسامات المتصنعة التي لا يفعلها إلّا المجانين أو تجربة أشكال التعبيسات أثناء الحزن، وأشكال التكشيرات المتوعدة بالتمزيق والويل والثبور أثناء الحنق مع النفس، أو أمام المرآة، والتي لا يصنعها إلا المخبولين. أو التباهي بالتسريحة الجديدة، وتشميرة "كذلة الشعر" من جانب إلى آخر أمام المرآة، مع الابتسامة الظريفة للإغراء، المقرونة عادة بـ "صدقة ال الله"، وأحياناً أطلاق القهقهة للشماتة بالآخرين الغير موجودين والتي لا يقوم بهذه الحركات إلا المعتوهين. أو قيام بعضهن باستعراض أزياءهن الجديدة، بلفات راقصة حول أنفسهن، أمام المرآة، أو القيام باستعراض مفاتنهن الجمالية بالهز والوز ورقصات الهجع، مع خصب خيالهن بانتظار دوي تصفيق آلاف المشجعين من وراء الأبواب أو الشبابيك، وكأنهن ماسكات بأقلام كحلهن للتوقيع على طلبات الطوابير الطويلة من المعجبات والمعجبين. وبمجرد ابتداء البعض من الشباب بإجراء التمارين الخاصة بجمال وكمال أجسامهم يقومون بالاستعراض مع أنفسهم وأمام المرآة وبترجيف العضلات بشكل مثير للسخرية والضحك.
ويبقى السؤال المهم يطرح نفسه بيننا، كم وكم من أمثال هؤلاء يعيشون بيننا، ويتربعون على أهم مفاصل حياتنا ومجتمعاتنا، وخصوصاً من فنانين وسياسيين وكُتّاب ومفكرين ومحللين إلخ.
وهم يتمثلون بأغلب هذه الصفات النرجسية المجنونة؟ وهم مغمورون بدعمنا المباشر وبمديحنا المغال والمنافق في أكثر الأحيان، وبمناسبة أو بدون مناسبة، لحد ما وجدوا من أنفسهم، منفوخين كالضفادع، والبعض الآخر الأوفر حظاً ووصفاً بالمثالية والعبقرية والهمشرية، صاروا مزهويين بريشهم المنفوش كالطواويس. وحتى من دون أن يتجرأ عليهم أحد بتوجيه النقد الحقيقي، وسط هذا العالم المجنون.
إذاً نحن جميعاً في أتون الواقع، محتضنين لفايروس النرجسية ومصابين بمس وقتي من جنون العظمة، الذي سيقودنا حتماً إلى مستشفى الشماعية آجلاً أم عاجلاً!، في حالة عدم تمسكنا بحدودنا الأخلاقية، بالتعامل مع الذات ومع كل الناس، ووضع كل الوصايا الأدبية والقيمية نصب أعيننا دائماً فهي الواقي المحصن من الانحراف أو الشذوذ النفسي قبل الوقوع ببراثن جنون العظمة، ويجب أن نتذكر دائماً وصايا الله علينا، فهو المهدي وهو المعين: كما في قوله تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان/18
وأيضاً قوله تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) الإسراء/ (37-38).

وعليه معرفة الإنسان بذاته هي صيرورة بناءه، وبالثقة بالنفس يزدد حباً بذاته لا بنفسه، وكلما زاد وعي الفرد بنفسه يصبح أكثر قدرة على التحكم في سلوكه وأفعاله وفهم دوافعه، بل إنه يصبح أكثر قدرة على الإنتاج وإفادة غيره ممن يشاركه نفس التجربة.
والمضطرب المستبصر بحالته أفضل من السوي غير المستبصر لِما يدور من حوله، وهذا لن يحدث إلّا إذا أدرك كل فرد نقاط القوة والضعف التي تكمن داخله وتحركه وتفهمها. وفي هذا السياق يمكن أن نطبق مقولة خودوروفسكي: "داخلك وخارجك هناك ملائكة وشياطين، قوى إيجابية وسلبية، هذه القوى ليست طيبة أو شريرة، إنها ضرورية للتوازن الحيوي للعالم".

#حسين_أكرم_غويلي

#كُتّاب_سومريون

إقرأ أيضا

النرجسية وأثرها على التكامل الداخلي للفرد
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة