احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

10‏/11‏/2018

لماذا إيران؟

الكاتب: عبد الله ناهض



"لماذا إيران؟"

       كثيرة هي الكتابات التي تكتب سواءً عن إيران، أو عن المنطقة بشكل عام، إلا إن القليل منها ما كتب بشكل عميق، ويبحث في جذر المشكلة، وكما علمتنا السياسة من أن المخفي أكبر بكثير مما هو ظاهراً منها، وهنا أقصد الحقيقة بكل تأكيد، ولا يبتعد غالبية ساسة العالم، -إن لم يكن كلهم- عن هذه القاعدة السياسية، وأنا إذ أهم بكتابة مقالي هذا، إنما لأبحث في جوهر ما يحدث في الحقيقة ما استطعت، وأود التأكيد على أنني أكتب بناءً على منطلقات استراتيجية، وموضوعية متخصصة في الشأن السياسي الدولي، ولا علاقة لي بما تعيشه المنطقة من صراعات قومية، أو أثنية، أو طائفية، إذ في الأخير ما هي إلّا، حلقةً من حلقات التوظيف التي يتم استثمرها من قبل الأطراف المتصارعة لتحقيق مصالحها، وإيران ليست ببعيدة عن ذلك لها أو عليها.

      تعد إيران إحدى الدول المهمة في المنطقة؛ لما تحوزه من عناصر قوة عديدة كالجغرافيا، والموارد الطبيعية، والاقتصادية، والبشرية، والدينية، فضلًا عن عمقها الثقافي متمثلًا في الحضارة الفارسية...، لذلك لم تغب يومًا عن مدرك القوى العظمى، والكبرى، التي دائمًا ما تبحث عن مد قوتها ونفوذها على كل بقاع العالم الممكنة، وهنا سأركز حديثي على أهم إمبراطورية تحكم العالم في الوقت الحاضر، ألّا وهي الأميركية، وكما هو عنوان المقال، لماذا إيران؟، لماذا كل هذه الضجة حولها؟، هل لأنها تدعم القضية الفلسطينية؟، هل لأنها تعادي إسرائيل كما تدعي؟، هل لأن نظامها متشدد كما تصفه الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها؟... فضلًا عن العديد من الأسئلة. ربما تمثل هذه الأسباب جزءاً بسيطًا من المشكلة التي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، إلا أنها تعد أمورًا ثانوية، وقد تكون وسائل يتخذها الأمريكان للضغط على الإيرانيين، من أجل مصالحهم الاستراتيجية، التي لا يعملها إلّا الراسخون في الشأن السياسي، وهي تحديدًا السبب الرئيس وراء العقوبات الأميركية على إيران، إذ لا السبب إسرائيل، ولا لأن نظامها متشددًا، إذ لم تطلق إيران رصاصة واحدة على إسرائيل منذ قيامها، ولم يكن يومًا الأمريكان يعطون أهمية لطبيعة النظام السياسي الذي يتعاملون معه، الأهم هو مصالحهم ودول مجلس التعاون الخليجي خير دليل، فضلًا عن العديد من أنظمة دول عالم الجنوب الاستبدادية، التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، ولا يتوانون عن إسقاط أنظمة ديمقراطية، اذا ما كانت تتعارض مع مصالحهم والشواهد حاضرة: كالانقلاب الذي دعمته في غواتيمالا سنة(1954)، لإسقاط حكم الجنرال(جاكوبو اربينز) الديمقراطي، وكذلك في تشيلي سنة(1973)، والذي أدى إلى إسقاط نظام(سلفادور الليندي) الديمقراطي أيضًا، وهذا يناقض ما يدعيه الأمريكان من أنهم يدعمون الديمقراطية، والعمل على نشرها في العالم أجمع.
إذًا؛ ملخص القضية حول إيران، تدور حول المصالح، والجيوبوليتيك، والتي سأوجزها في نقطتين رئيستين لا أكثر وكما الآتي:
أولًا- السيطرة على الموارد الطبيعية: تضم الجغرافية الإيرانية في باطنها ثروة هائلة من الموارد الطبيعية كـ(النفط، الغاز الطبيعي)، إذ تقدر حجم احتياطاتها المؤكدة من النفط بـ(154,600) مليار برميل، وهي في المركز الرابع عالميًا، أما احتياطاتها من الغاز الطبيعي فتبلغ(29,6) ترليون متر مكعب، وهي الثانية عالميًا بعد روسيا الاتحادية، بالتالي تعد ذات ثقل مهم في ميدان الطاقة، كما هو حال معظم دول منطقة "الشرق الأوسط" وبقية الدول التي تمتلك الثروات الطبيعية، لذلك بذلت وما زالت تبذل الولايات المتحدة الأميركية، الغالِ والنفيس من أجل السيطرة على موارد الطاقة الإيرانية، التي فقدتها عقب سنة(1979)، التي بها سقط نظام الشاه الموالي لها، ولإيران تجربة سابقة عندما أقدمت حكومة مصدق على تأميم النفط الإيراني، مما أدى إلى الإطاحة بها من قبل الاستخبارات الأميركية في سنة(1953)، والإتيان بحليفهم الشاه كضامن لمصالحهم في قطاع الطاقة متمثلة بشركات النفط.
ثانيًا- التنافس الجيوبوليتيكي: فضلًا عما تقدم في النقطة أعلاه، تعد إيران هدف جيوبوليتيكي أميركي، ولا مناص من تحقيقه لا سيما عقب الحرب الباردة، والخطط الأميركية التي وضعت بعدها حول ضرورة السيطرة على "أوراسيا"، والتي تقع روسيا الاتحادية في القلب منها، من أجل إتمام السيطرة الأميركية العالمية، والتي لا يفصلها عن إيران أي روسيا الاتحادية سوى بحر قزوين التي تمتلك جبهة بحرية مطلة عليه تبلغ مساحتها(800) كيلو متر، بينما مساحتها الجغرافية تصل إلى(1,648,000) كيلو متر مربع، وهي تعد إحدى المناطق التي تحد هذه الرقعة الجغرافية، بالتالي إن السيطرة على إيران، يعني التقرب أكثر فأكثر من روسيا، وتطويقها بشكل أكبر، لا سيما وأن أفغانستان قد تم احتلالها في سنة(2001)، وهي دولة مجاورة لإيران، وعلى مرمى حجر من روسيا، فضلًا عن غاية الحد من تنامي الصعود الصيني، الذي يقض مضاجع الأمريكان، ويثير مخاوفهم، لذلك نجد أن الحرب الاقتصادية التي شنها ضدهم(دونالد ترامب)، إنما تهدف للحد من هذا الصعود، وهي كلها تندرج ضمن استراتيجية أوسع، تهدف إلى السيطرة على أوراسيا كما أسلفت، ومنع أية محاولة لصعود قوة من هذه المنطقة، قد تنافس الولايات المتحدة الأميركية على الزعامة مستقبلًا، والتي وتضم(75%) من موارد الطاقة العالمية، وغيرها الكثير من المميزات الاستراتيجية، وهي أكثر ما يسيل لعاب الغرب والأميركيان على وجه التحديد، إذ هم ينطلقون من "مبدأ كارتر"، الذي أصدره الرئيس الأميركي(جيمي كارتر)، الذي يهدف إلى "منع أية قوة تهدف إلى السيطرة على نفط الخليج العربي"، ولن تتوان الولايات المتحدة الأميركية، من استعمال القوة العسكرية لمنع مثل هكذا محاولات وهو ما حصل فعليًا اتجاه العراق حينما أحتل الكويت في سنة(1990)، لتتدخل عسكريًا من أجل إخراجه منها...، وقد بدأ يأخذ هذا المبدأ صفة العالمية تحت مسمى "ميثاق كارتر المعولم"، على الرغم من اقتصاره على منطقة الخليج في بدايته"(1)

      مما تقدم، فإن محاولات السيطرة على إيران من قبل الولايات المتحدة الأميركية، سوف لن تتوقف طالما أنها خارج النفوذ الغربي، لذا كل العقوبات التي أصدرتها ضدها، والتي كان أخرها في(5/11/2018)، ترنو إلى الوصول إلى ما أسدلنا الستار عنه عبر هذا المقال، وهذا الأمر لا علاقة له بشكل نظامها السياسي، ولا حبًا بالشعب الإيراني، الذي يريد الأمريكان تخليصه من الاستبداد كما يدعون، إذ ما هي إلّا تقية يمارسها الثعلب لأكل الدجاجة، فضلًا عن ذلك؛ فهي تقع ضمن قائمة "دول الشر"، حسب التصنيفات الأميركية، التي تعني بشكل أدق الدول التي لا تدور في فلكهم، فقد تم أسقاط العراق في سنة(2003)، وقسمت السودان في سنة(2011)، وأسقطت ليبيا في سنة(2011)، وأدخلت سوريا في أتون حربٍ منذ سنة(2011)، تحت حجة دعم الديمقراطية والحرية فيها!، واليمن تُذبح على مرأى ومسمع العالم الحر!، وروضت كوريا الشمالية تقريبًا، والدور على إيران فإما أن تروض، أو تسقط، لينتهي بذلك "الشر" و"الخير لإدام"، وليعيش الفرد الأميركي بأمن وسلام، وليذهب البقية إلى الهاوية، هذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية باختصار يا سادة، فالكل شرير طالما لا يدور حول كوكبها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) للمزيد ينظر: خديجة بن عرفة، أمن الطاقة وأثاره الاستراتيجية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2014، ص91-92.
#عبدالله_ناهض
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

إقرأ أيضا

لماذا إيران؟
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة