الكاتبة: شوق الدرويش
«حياة مُشاعَة»
لمن لا يعلم فالمُشاع:
هو شيء مشترك بين عدة أفراد، لهم جميعاً حق التصرف فيه كيفما يشاؤون، وتقرير
مصيره، وكفرد لا يملك وعياً كافياً بالحياة من حوله إلا بمقدار ما تملك نملة من
وعي بالكون خارج بيتها وواجباتها فيه -غير أنك لست نملة ولا دابة، أنت سيد هذه
الأرض وهذه المخلوقات وغيرها، السيد الراضي أبداً بعبوديته العاشق لها المتفاني في
ترسيخها- فإن حياتك مُشاعَة لا تعلم فيها الفرق بين المحبة وصلة الرحم والتواصل
والبر، وبين (الوصاية)، بل إنك غالباً لا تعلم الدوائر الواجب أن تتكون
منها حياتك وعلاقاتك فيها، وأولويات تلك العلاقات وأهميتها من نواحٍ عدة،
واستثمارك في تلك العلاقات، وبذلك تكون علاقات متداخلة خربة بطريقة تخرب حياتك
وتبدد مشاعرك وتستهلكك بلا داعٍ؛ إذ لم يتعب أحد في ترسيخ هذا الوعي، أو خلقه
أساساً في داخلك، لأنه غير مهم على أيَّةِ حال، من وجهة نظر الجهات المسؤولة.
نعم. من الواجب أن
تصل رحمك، وتتعايش مع المجتمع، تندمج وتختلط، لكن ضمن حدود تضعها في علاقاتك، وأنا
هنا لا أقصد بالحدود الحواجز بينك وبين الآخرين، بل الحدود التي تبين طاقاتك
وقدراتك على الأخذ والعطاء على السواء، والتي ستضمن لك تفاهماً مع شركائك في
الحياة تكون قادراً فيه على إدارة حياتك بنفسك، مسؤولاً عنها، وعن مشاكلك وألمك،
مثلما تكون مسؤولاً عن فرحك، ومتعتك، بعيداً عن الاتكال والاعتمادية، كبعدك عن
التذمر الدائم والتشكي لمن هبَّ ودبَّ، دون جدوى.
من أنت وما حياتك؟
هل أنت مسؤول عن خياراتك، تحددها بنفسك؟ هل هي خيارات أصلاً، أم فروض؟ سؤال يقض
مضجعك بين الحين والآخر، وتعود مهزوماً من صراعه غالباً وفي كل مرة، متخاصماً مع
الرب في طريق عودتك الخائب.
والحقيقة أنك طفل، يحاول الجميع أن يدير له حياته بالقول والفعل (وهما
قوتان متساويتان لو تعلم، فيمكن للكلمة أن تهدمك كما الصفعة وأكثر، كل كلمة في
حوار عادي هي عامل مؤثر في حياتك)، فالزوج يمتلك زوجته وأبناءه، يملي عليهم حتى
آخر العمر ما يقولون وما يفعلون، فيما يتوجب عليهم من باب الإحسان السمع والطاعة،
يفرض تجاربه الشخصية حول المبادئ والمفاهيم على حياتهم، مهما كانت خاطئة أو كاذبة
متناقضة أو وهمية، أو غير مناسبة لجيلهم، غير مبصر لحقيقة استغفالهم له وهم تحت
جناحه، وممارستهم لأبشع محرماته، فغروره يعميه ( ماذا سيحصل للعالم لو عشنا في النور!).
الزوجة مسيطرة على أبناءها -وفي بعض الحالات الشاذة زوجها- خوفاً من
أوهام مزروعة في رأسها منذ الولادة، ولأنها فارغة، فهي لا تملك ما تراهن عليه سوى
هذه المؤسسة (الزواج) ناجحاً كان أم فاشلاً، متهالكاً مقنعاً بالنجاح،
لأنها قد فرغت من محتواها الإنساني لصالح هذه المؤسسة، عبدة طائعة منذ زمن، فلا
تلمها إذا قاتلت بشراسة من أجل منصبها وتحكمها، أو عاملت أبناءها الشيب كالولدان!
الأخ الأكبر الذي سيتحول بمرور الزمن إلى عم أو خال، يدير البيت
وساكنيه، وذرياتهم، وشركائهم، وزوجته التي ستصبح الوصية عليهم بالتبعية، يزوج
كيفما يشاء، يمنع ما يريد، ويفرض ما يريد، ويحرم ما يريد، لا مانع ولا رادع، فهو
الأخ الأكبر الواجب الطاعة، الولد الذكر الوصي على أخواته الإناث، مهما صغر عمره
أو شأنه، المتحكم في حياتهن، حلالهن، وحرامهن، عيبهن، وممنوعهن (أليست هذه
جرائم اغتيال للوعي والضمير والإنسانية بحق الله؟!).
وهكذا تتخذ السلطة أشكالاً لا نهائية، دوائر لا أهرام -فللهرم نهاية-
هكذا يستمر طابور الغافلين الطويل، الذي يتعرض أفراده لغسيل مخ من النوع الفاخر
يقوم به أشباح أسلافنا.
هكذا يبدأ الطفل عندنا وعيه، ويتحول شيئاً فشيئاً إلى سيد أو عبد،
هكذا يهدر الوعي الفطري، والحرية الفطرية، والضمير الفطري، والثقة بالنفس، والتقبل
رغم الخطأ، والتعبير عن الذات والمواقف، ... من داخل البيت!
هكذا تنفصل عن ذاتك وفطرتك، وتدخل دوامة من الإحساس بالذنب، والنقص
والحيرة، والسخط على نفسك وما حولك، هكذا نستمر غير آبهين إلى أن من ندس أنوفنا في
حياته، ما هو إلا إنسان مثلنا، مهما كان جنسه أو عمره أو مرتبته، له ما لنا وعليه
ما علينا، ولا فضل لأحدنا على الآخر، وبذا ينتج لنا فرد عاجز عن اتخاذ أبسط قرار
في الحياة، فكيف بأعظمها؟ إذ إنه اعتاد على القالب، وعلى عيشة القالب، وتقاعس
القالب عن الواجب، بل سيكون القرار وتقرير المصير والاختيار أكبر مخاوفه ولعناته.
والحل كالعادة أن تبدأ بنفسك، أن تصارع الإجابة بدلاً من السؤال،
الإجابة القائلة: هذا واقعنا، هذا ما ألفينا عليه آباءنا، استرجع إرادتك ووعيك، انتبه
لما حولك، حكم عقلك وقلبك وضميرك، قل ها أنا هنا موجود، أنا أختار هذا المبدأ
وأنبذ ذاك، أنا أختار هذا السلوك وأنبذ ذاك، أنا أختار ردة الفعل هذه وأنبذ تلك،
أنا أقرر مصيري، وأنا أبدأ من جديد، أنا أنهض بعد كل سقوط، أنا أتقبل نفسي بعد كل
خطأ، أنا أسمح لها بأن تخطئ كل مرة، وما لا أسمح فيه هو تكرار ذات الخطأ، صاحبوا
أبناءكم وشركائكم في الحياة، وكونوا لهم صديقاً حقيقياً ناصحاً، ربوهم على العدل
والمساواة في الوعي والقيمة، شجعوهم في مشاويرهم، وأجعلوا مكانكم في تتمة التجارب،
تهنئون الناجح وتشاركونه الفرح، وتساندون الخائب بالتقبل والتخفيف؛ ليبدأ من جديد،
تخلوا عن تسلطكم قبل أن يُنتزع منكم غصباً، فالعالم في تسارع، والأصنام في تساقط
كل يوم، وعبدك اليوم سيكفر بك غداً، استحقوا الإحسان بالإحسان، قولوا خيراً حين الاستشارة
في أمور الناس أو أصمتوا، وللمرأة، ابحثي عن ذاتك، اجعلي لنفسك أولويات بجانب
أسرتك، فيوماً ما؛ لن يكون أحد متفرغاً تماماً لك، ولن تجدي قطع غيار تعوضك عن ما استهلكت.
------------------------
#شوق_الدرويش
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
#شوق_الدرويش
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
حياة مُشاعَة
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار