الكاتب: عمر سلمان
"الحروب المختلطة أو الفوضوية"
يعد هذا النوع من
الحروب، في رأي الدكتور سرمد أمين؛ أحد النتائج المترتبة على حملة عاصفة
الصحراء عام (1991م)، وتحديداً بعد احتلال العراق عام(2003م). حيث يعرفها بأنها: "صراع
مسلح تغيب فيه هوية الأطراف المشتبكة في الميدان، وكذلك الروادع، القانونية، والأخلاقية
المتعارف عليها في قواعد الاشتباك التقليدية، إلى جانب انقطاع صلة هذا النوع
بالهدف السياسي للحرب". أي وجود القوات النظامية لدولة أو أكثر، إلى جانب
وجود مجموعات مسلحة متنوعة الخلفية والانتماء، حيث تختلط قوة الدولة بقوات لا
علاقة لها بالدولة نفسها، ولا تؤمن أصلاً بهدف الدولة من الحرب، ولا تخضع في قواعد
الاشتباك لآمرة القوات المسلحة للدولة المهدَدَة (بفتح الدال)، وتفرض
لنفسها مراكز سيطرة وتحكم مستقلة عن تلك التي تعتمدها الدولة التي يجري القتال على
أرضها، يُقابلها المعارضة، أو الطرف الآخر يعمل بنفس المنطق في إدارة الصراع
المسلح؛ وبهذه الصورة تختلط الصور، وتتداخل المواقع، ويصعب تحديد الهدف السياسي من
الحرب؛ لغياب مركزية الدولة وتتشتت، الغايات، والأهداف، والمصالح من الحرب، ويحدد
الدكتور سرمد أمين، عدة خصائص لهذا النوع من الحروب وهي كالتالي:
- الدولة المهدَدَة(بفتح الدال) وقواتها، تعد طرفاً في الحرب
وربما الأضعف فيها حتى في مواجهة حلفائها.
- لكل طرف في هذه الحرب، أهدافه التي تتمايز عن أهداف الخصوم والحلفاء
معاً.
- غياب الهدف السياسي، الذي يفترضه "كلاوزفيتز" لأكتمال
عناصر الحرب؛ لضعف دور الدولة، وهذا ما يضفي صفة الفوضوية على هذا النوع من
الحروب، فكل حرب لا تقترن بهدف سياسي هي فوضى وعبث دموي لا نتيجة تُجنى منها إلّا الدمار.
- عدم خضوع هذا النوع من الحرب، لقيادة عسكرية موحدة بين أطرافها
"يوجد تنسيق فقط حسب متطلبات وضرورات كل معركة على حدة".
- تتنازع التكتيكات في هذه الحرب، حسب رؤية كل طرف وحساباته وأهدافه منها.
- اختلاف أدوات وسلاح كل طرف؛ بحسب درجة تقدم، وتطور الدولة المشتركة
بهذه الحرب.
- لا توجد مدة زمنية تلتزم بها الأطراف بإنهاء إلتزامهم العسكري في
مواجهة الخصوم، إذ يحق لكل طرف تحديد الوقت المناسب له؛ وهذا ما يتنافى مع
الالتزام الواجب توفره في الحروب التقليدية.
- لا تعبأ هذه الحروب بقوانين الاشتباك في الحروب المألوفة، ولا تعير أهمية
للقانون الدولي والتزاماته التي يفرضها بالنسبة للمدنيين، ونوعية الأسلحة المحرمة
وحقوق الإنسان، والحيوان.
ربما يذهب بعض المختصين، إلى تصنيف هذا النوع من الحرب، على إنها حرب أهلية،
وبالرغم من تشابه الظروف بينها وبين الحرب الأهلية؛ إلّا إنها تتميز عن ذلك النوع
بأن المقاتلين ليسوا من جنسية واحدة، وكما أسلفنا فإن الجيش النظامي يعد طرفاً في
الحرب، بمعية أطراف من خارج الدولة، وتحتفظ الدولة في الحروب الأهلية بشخصيتها
القانونية وحقوقها؛ في حين يقرر الحلفاء نيابة عن الدولة المهددة في الحرب
الفوضوية، ويصبح الوطن عبارة عن مناطق أو مربعات أمنية موزعة بين الأطراف المتحاربة.
وإذا ما أسقطنا هذا النوع من الحروب على الواقع السوري، بعد عام
(2011م)، سوف لن نجد أفضل من هذا التصنيف يتوافق أو ينطبق على ما يحدث هناك حيث
المنطق البائس في إدارة الصراع، فإلى جانب الجيش السوري النظامي، توجد جيوش نظامية
لدول أخرى كالحرس الثوري الإيراني، ومجاميع إيرانية مسلحة كالباسيج، وقطعات
من الجيش وسلاح الجو الروسي، ومجاميع مسلحة تشترك إلى جانب الجيوش النظامية للدول
آنفة الذكر، على الأرض السورية كحزب الله اللبناني، وبعض الفصائل المسلحة العراقية
كتشكيلات أبي الفضل العباس، ولواء السيدة زينب...إلخ، فلكل طرف من هذه الأطراف
هدفه وغاياته، رغم أن الهدف ظاهرياً هو محاربة الجماعات الإرهابية، إلّا أن الأهداف
والغايات الحقيقة من وراء هذا الصراع تتمايز بين الحلفاء فالهدف الروسي يختلف عن
الهدف الإيراني أو التركي، وهذا ما أكده (سيرغي لافروف)، وزير خارجية روسيا
قبيل انعقاد مؤتمر (إستانا) من أن أهداف روسيا في سوريا لا تتطابق جميعها
مع إيران وتركيا؛ فروسيا ترى في سوريا بعداً استراتيجيا يحقق لها مصالح كبرى،
ويعطي لها تواجداً في منطقة الشرق الأوسط؛ خاصة وإن سوريا هي الوحيدة التي تربطها
بها هذه العلاقة القوية، ومكنتها من إيجاد قاعدة بحرية في البحر المتوسط تتزود
منها السفن الروسية الحربية؛ ولذلك نجد الدعم الروسي لبشار لا يقف عند حد معين بل
إلى أبعد حد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؛ لأن البعد الذي تنظر له روسيا في سوريا
يتعدى شخصية بشار إلى أمن قومي روسي بالمنطقة، وترى في الثورة السورية التي تحولت
إلى أزمة لمحاولة تغير النظام هي تهديداً لتواجدها بدعم أمريكي يسعى إلى إخراجها
من سوريا بإيجاد حكومة معادية لها وموالية لأمريكا والغرب، فروسيا لا تضمن حكومة
مستقبلية تحافظ على مصالحها في سوريا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، فضلاً عن إن
الحرب في سوريا، هي جزءاً من محاولة روسية تهدف إلى إعادة صفة الدولية إلى النظام
العالمي، هذا بالإضافة إلى أهداف أخرى كالتنافس على الطاقة، ومنع مد أي أنابيب
للطاقة إلى أوربا لا تمر عبر الأراضي الروسية أو لا تكون روسيا شريكاً فيها على الأقل.
كما إن الهدف الإيراني، هو الآخر يختلف عن أهداف بقية الأطراف، حيث يتمثل بالسعي إلى
تحقيق الهيمنة الإقليمية عن طريق التدخل المباشر والمسلح في الأزمات، التي تزخر
بها المنطقة خصوصاً في سوريا، ولبنان، وفلسطين، واليمن وعبر توظيف أدوات محلية ذات
صبغة طائفية لتفعيل هذا الدور، واستخدام مخرجاته كأوراق ضاغطة في معادلة العلاقات
المتشنجة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. ويجب علينا ألّا ننسَ دور العراق
في الأزمة السورية، فقد قدم العراق إبان حكم نوري المالكي التسهيلات الجوية ومرور
الطائرات الإيرانية لسوريا عبر أجواء العراق، والتنسيق مع حليفه إيران عبر إرسال
المقاتلين، للقتال بجانب الحرس الثوري، وحزب الله، فكان الدور العراقي سلبياً، ولم
يقف مع الشعب بل وقف مع حكومة بشار؛ مما زاد الأزمة تعقيداً وأدخلت العراق بعدها
في دوامة الجماعات الإرهابية، بسبب السياسة الطائفية التي تتبعها إيران بالمنطقة،
وأصبح جزءٌ من العراق ملاذاً للجماعات الإرهابية الموجودة بسوريا متنقلة بين
العراق وسوريا، وعلى الجنبة الأخرى تعمل المعارضة بنفس المنطق في إدارة الصراع
المسلح، فهي وإلى جانب وجود المقاتلين الأجانب على الأغلب عبارة عن تشكيلات مسلحة
لدول أخرى، فهناك من هو مدعوم من قبل الولايات المتحدة، ودول الخليج، وتركيا،
وفرنسا...إلخ، وبديهياً إنّ لكل دولة هدفها في هذه الحرب، الذي يتقاطع مع بقية أهداف
الدول الأخرى، فالسعودية مثلاً ترى نفسها دولة عربية وإسلامية ومقصداً للإسلام
والمسلمين، ومن الواجب عليها دعم الثوار ضد آلة القمع الوحشية، فقامت بدعم سياسي
ومالي وعسكري عبر تسليح مجموعات مسلحة شمل الجيش الحر وبعض الفصائل الأخرى، كذلك
ترى السعودية أنه طالما حصلت ثورة ضد نظام الأسد الذي شكل هلالاً وحلقة وصل لإيران
في المنطقة وجسراً لتمويل حزب الله في لبنان، فإن إزالة النظام سوف يغير من
المعادلة والزعامة في المنطقة؛ لأن غض الطرف عنهم وعن المجازر يهز من دور السعودية
الإسلامي بالمنطقة، ويعطي الزعامة الإسلامية لدولة أخرى، فلذلك كان الدعم واجباً
عليها كما تعتقد في كل الأحوال وهدماً للدور الإيراني بسوريا والعراق ولبنان. أما
الدور (التركي-القطري) فكانت الأهداف في سوريا متشابهة بينهما إلى حد كبير،
فالمصالح متقاربة، فهم يبحثون عن مكاسب كانت الثورة هي السبيل لتحقيقها عبر تغير
النظام السوري وإيجاد نظام مُوالٍ لهم يحقق ما يصبون إليه من أهداف سياسية
واقتصادية تعود عليهم بالنفع، مع توافق أوروبي كذلك يدعم التوجه القطري حيال الوضع
السوري ومستقبله المنشود، حيث تقف تركيا كطرف أساسي في الأزمة السورية بسبب أربعة
ملفات ضاغطة: مشكلة اللاجئين والنازحين السوريين، مشكلة الأكراد والخشية من دعم
أكراد سوريا لحزبPKK، لذلك نجد أن تركيا قامت بفتح الحدود لوصول
المقاتلين الأجانب مع تقديم تسهيلات لهم مع خروج قادة الثورة مراراً وتكراراً
مطالبين بوقف تدفق المقاتلين، وإن سوريا ليست بحاجة إلى مقاتلين بل إلى سلاح،
لكنهم لم يلقوا آذاناً صاغية لمطالبهم التي حذروا فيها من دخول المقاتلين لمّا
يشكلونه عليهم من عبء. فتدفق المقاتلون من الدول العربية والإسلامية والأجنبية،
وتكونت جماعات إرهابية مسلحة؛ بسبب الدعم التركي القطري، ونشأ تنظيم القاعدة الذي
تحول فيما بعد إلي تنظيم (داعش).
أن فسح المجال أمام
التدخلات الأجنبية في الشأن السوري الداخلي، أدى إلى ضياع مركـز القوة السيادية
للسلطة، وتشتيتها إقليمياً في شكل أوراق سياسية بيد أنظمة الدول المجاورة، والقوى
الإقليمية والدولية المهيمنة، حتى أصبح الدور الروسي، والإيراني، والتركي، وكيلاً
عن المعارضة السورية والحكومة، ولم يعد ممكناً العودة إلى ما قبل الثورة، مما أدت
هذه الحرب إلى فوضى عارمة؛ نتيجة فشل الدولة، فظهرت مشكلة الإرهاب، ومشكلة النزوح
والهجرة غير الشرعية واللاجئين ومشكلة الإغاثة، وتحولت المشكلة السورية إلى كارثة
إنسانية مريعة ومشكلة عربية.
#عمر_سلمان
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
الحروب المختلطة أو الفوضوية
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار