احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

02‏/02‏/2019

أستهجان الخطاب الديني

الكاتب: حسين خليل



"أستهجان الخطاب الديني"

      لعل الطبيعة الفطرية لكل دين أو معتقد، هي من تجعل شخوص الصف الأول من حملة الدين ومنظريه في كل حقبة ما، في صراعٍ دائمٍ مع العامة، سواءً من هم تحت عباءة ذلك الدين أو لا، من خلال الاستمرار في إعادة إنتاج ثوابت الدين ومسلماته وتصديرها بخطاب ممنهج للحفاظ على الوجود أو حتى في بعض الأحيان يتعدى الأمر إلى السيطرة المطلقة على أكبر عدد من المجتمعات وضمها إلى اعتناق الدين أو ذلك الفكر، هذا الخطاب غالباً ما يكون على شكل رسائل تصدر إلى الجماهير بغية إقناعهم أو زيادة إيمانهم, أما الرسائل الدينية، أي نواة الخطاب الديني الإسلامي على الرغم من تعدد المذاهب والتيارات الإسلامية، فهو لا يعدو كونه مجموعة تعاليم مستمدة من القرآن والسنة النبوية والتشريع، وتختلف المذاهب في تفاصيل تطبيقها مما يجعل الخلاف واضحاً وعميقاً في بعض الأحيان، ولا أريد الخوض في الخلافات المذهبية والعقائدية بقدر تبيان أسباب الاستهجان الجماهيري للخطاب الديني بكل أنواعه، خاصة بعد عام (2003) في العراق وذهاب الشباب الذي يطلق عليه تسمية الواعي إلى العلمانية أو المدنية أو حتى الإلحاد.

       بالعودة إلى الخطاب الديني بالمجمل فهو بدأ منذ بعثة الرسول وإلى يومنا هذا ومر بمراحل عديدة واستفحل بتعدد أدواته وإدخال التكنولوجيا المعلوماتية في تصديره للجماهير وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الخطاب قبل سقوط النظام كان يركز على مفاهيم بنيوية وتعبويه للفرد والمجتمع، وبالتالي الجماهير خاصة الشيعية تجعل من الدين ومن يحملونه على أكتافهم المخلص الأوحد لما يمرون به من ظلم واضطهاد متجذر منذ مئات السنين، ويعد الخطاب الديني الشيعي في العراق طوال هذه السنين خطاب اجتماعي ضد السلطة، يأخذ من القضايا التاريخية منطلقات لترسيخ مفهوم الثورة ورفض الظلم وبالتحديد القضية الحسينية، وما تلاها من ثورات على عكس الخطاب الديني في إيران بعد نشأة الدولة الصفوية والتحولات التاريخية, إذ يُقسم الدكتور علي شريعتي في كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي التشيع بشكل عام إلى ما قبل قيام الدولة وهو الإسلام الحركي ضد الإسلام الرسمي أو الحكومي، وهنا فإن الأمر يكون تعبوي استثنائي، أما بعد قيام الدولة ضمن الرقعة الجغرافية التي سيطر عليها الصفويين إلى تشيع حكومة ونظام وأصبح الخطاب الديني بعد الثورة الإسلامية نهج أكاديمي كذلك الأمر ينطبق علينا في العراق فإن الخطاب الديني مر بمرحلتين وأقصد في التاريخ الحديث أي منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية الوقت الحاضر إلى الخطاب الناتج عن التشيع الحركي ضد الدولة وتوجهاتها القمعية، وأيضاً الخطاب الناتج عن تشيع حكومة ولا أقول نظام فخصائص النظام الإيراني يختلف جذرياً عن النظام العراقي، فالشيعة هنا في العراق غير منفردين باتخاذ القرار وهم مجبرين لأخذ رأي الطوائف الأخرى, وذلك وفق تنظيرات الدول المحررة للعراق والأمم المتحدة، وخاصة السلطة المدنية التي شرعت للقوانين في البلاد, فأصبح الأمر مختلفاً تماماً. وبالعودة إلى طبيعة الخطاب فإن المواطن الشيعي العراقي كان يرى في الحركات السياسية الشيعية خلاصه، فلجأ إلى متابعة الخطاب السياسي الذي تصدره بشغف، وفي تلك الفترة لم يكن هناك تفكير مجتمعي شيعي (في التفرقة بين خطاب المؤسسات الإسلامية السياسي الديني وبين الخطاب الديني الفقهي)، قد يكون موضوع ضعف وسائل الاتصال والقدرة المعلوماتية في ذلك الوقت عاملاً في عدم وجود تصنيف لأي خطاب لهذه المؤسسات على الرغم من معرفة المواطن بوجود أحزاب إسلامية ومرجعيات شيعية، إلّا أن نظرة العقل الجمعي الشيعي لا تفرق بين الطرفين لإيمانها بأن هؤلاء هم من طينة واحدة، ولا يمكن أن يكون هناك فارق، وهنا تتضح حالة الركود المعرفي أو التوقف البحثي عن المعرفة أو غياب عامل التشكيك والتدقيق على كل ما يُقال، وإن كان من رجال الدين، فالحوادث التاريخية حبلى بالشخصيات الإسلامية (رجال الدين) المنافقين منذ زمن النبي محمد (ص) ولغاية وقتنا الحالي، والشواهد كثيرة، هنا من الطبيعي يتخلل الخطاب الديني شوائب تنمو ضمن إطار مسار عملية توصيل المعلومة إلى العامة وبالتالي الفرد.

       وبالعودة إلى موضوع الاستهجان للخطاب فنجد أنّ الخط البياني تصاعد ليس بشكل تدريجي وإنما قفز بطريقة ملفتة من مرحلة إيمان الفرد المطلق بما يقوله رجل الدين أو السياسي المعمم، إلى رفض وممانعة رهيبة في تحليل أو حتى استقبال مضمون كل خطاب ديني، وأصبح الشارع العراقي بشكل عام؛ الشيعي والسني على حدٍ سواء يتجه إلى المدنية أو العلمانية بسبب الزيف الممنهج الذي تضخه حزم الخطابات الدينية والسياسية للشارع، والممارسات المجحفة بحق الإسلام نفسه أو المعتقد، كون الأمر استفحل ليكون رجل الدين ضمن المؤسسة الدينية ورجل الدين ضمن المؤسسة الحزبية تحت نظرة واحدة ألّا وهي الاستهجان المركب.

       من الممكن أن نضع التجربة موضع تقييم أو تحليل أو تساءل، لمّا يحدث كل ذلك؟ وهنا تبرز عدة إجابات منها؛ تلك النفس المريضة الأمارة بالسوء التي تباغت سلوكيات رجل الدين حاله حال الآخرين، وبالتالي الانحراف وارد، وهنا يجب ألّا نأخذ هذا الانحراف على الدين نفسه، وقد يذهب البعض الآخر، إلى نظرية المؤامرة ووضع الفرضيات التي منها؛ أنني قلتُ في أحد الأيام: "يُراد للدين أنْ يكون مستهجناً من خلال زرع شخصيات تأتي بما لا أصله له في الدين لزعزعة إيمان العامة في مفهوم الدين بشكل عام". إلّا أنّ هذه الفكرة تجابه بعدة أسئلة، من يلجأ إلى المؤامرة؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وإلى آخره، قد يكون لعديد من الأسباب؛ منها قوة تأثير الدين باعتبار أن الجهاد وما يتعلق به من رفض للظلم، وضرورة استرجاع الحقوق، والكثير من القضايا التي يتبناها الخطاب الديني في مواجهة الكثير من المعتقدات التي يمكن أن نقول عنها أجنبية أو دخيلة إلى الأوساط الاجتماعية العربية أو الإسلامية أو القضية الفلسطينية أو مشروع الشرق الأوسط أو التدخل الأجنبي وما إلى ذلك، وهنا من الضروري التفريق بين ما ينتجه التحرر الذي تفرزه المدنية المجتمعية المعتدلة بين أفراد المجتمع، والتحلل الذي يمارس أيضاً بصورة ملفتة مؤخراً وأيضاً الاستهجان المنظم للخطاب الديني بأنواعه، سواء كان سياسياً أو فقهياً، فالدعوة لممارسة المدنية أمراً طبيعياً بعد كل ما أفرزته المؤسسات الإسلامية، من فشل ذريع في إدارة ملفات السلطة والمجتمع، فالأمر أصبح و كأنّ المواطن يرى أن الدين كذبة من خلالها تتم السيطرة المطلقة على أفراد المجتمع وإدارة الرأي العام من خلال الإباحة والتحريم، والتدخل في كل التفاصيل المجتمعية، فهذا الأمر أصبح عبئاً على جوهر الدين الإسلامي الذي وضع نظاماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً لإدارة الدولة، على الرغم من وجود الاعتراضات هنا وهناك عن كون هذه الأنظمة لا تصلح للمجتمعات الحديثة، وهذا الأمر كان يجب أن يُدار بطريقة صحيحة من قبل مجتمع رجالات الدين، ليتم تحديث الخطاب وتوجيهه إلى ضرورة تطوير الذات المسلمة بما يخدم الحاجة إلى التطوير التكنولوجي الحاصل في العالم الغربي، فموضوعة التطور الصناعي غير مرتبط بدين معين بقدر ما هو نتاج فكري قوامه الأختراع.

       الكثير يذهب إلى أن الخطاب الديني لم يعد له حاجة، والمؤسسة الإسلامية الفقهية أصبحت حلقة زائدة في المجتمعات ويجب القضاء عليها، كون الدين حملت بياناته على الإنترنيت وباب البحث موجود، و أيضاً حتى لا تفرز مجدداً مؤسسات إسلامية سياسية تمارس السلطة بطريقة دنيئة، كما يحدث الآن من قبل الأحزاب الدينية في العراق، وهذا المفهوم خاطئ، فإنه ليس من ذنب جوهر الدين أن يمارس رجاله السياسة ضمن أنظمة سياسية مفصلة لفكر إداري مختلف تماماً، وهذا هو الانتحار بعينه فعلى الشخصيات السياسية أما نزع عباءة الدين والانخراط ضمن الأنظمة الوضعية، وممارسة السياسة بشكل طبيعي، وأيضاً عدم وضع الأيادي في أموال الشعب أو التنظير لنظام سياسي إسلامي، وممارسة خطاب ديني حقيقي بمعزل عن الشركاء، وإقناع الشارع بأنه لا يدير شؤونه سوى النظام الإسلامي بمفهومه الدقيق، وهذا الأمر أصبحت ممارسته في الوقت الحالي ضرباً من الخيال، بسبب تهجين العقلية العربية الإسلامية، وتطلعها إلى الغرب لأن تحكم كما يحكمون مجتمعاتهم، وتحقيق نسبة من الرفاهية المجتمعية، وهذا أيضاً يرجع إلى سبب جوهري نتيجته استهتار رجل الدين في اختيار طريقه السياسي، وإدارة السلطة، وتحكمه بصورة سيئة بما أعطاه الدين الحقيقي من خصائص، تجعله يحرك المواطن كيف ما يريد.
موضوع الاستهجان للخطاب شائك ويحتاج للكثير من الحديث ويجب وضع تسلسل منطقي للأحداث المتعلقة بالدين، بشكل خاص ابتداءً من سيطرة الخلافة الأموية والعباسية وما تلاها من دول إسلامية إلى الحركات الإسلامية المشبوهة التي برزت على الساحة الإسلامية وممارساتها الإرهابية، بغض النظر عن الأسئلة المطروحة عن الجهة الخالقة لهذه الحركات؟ وأخيراً إلى الإسلام السياسي الذي فشل في الاشتراك ضمن الحكومات العربية وخاصة العراقية في إدارة البلاد، وأنتهى بتستر رجالات الدين وممارسة الرذيلة بطرق مختلفة، على الرغم من أني أعطيهم تصنيفاً مختلفاً عن رجالات الدين الخلصاء، وهنا لا بد من المرجعيات الدينية وضع برامج تأهيل شاملة لتهيئة المجتمع من جديد إلى تقبل الخطاب الديني، الذي لا يتعارض مع المدنية والديمقراطية باعتبارها واقع حال وذلك بالاستعانة بالخبرات الأكاديمية من جهة، والشخصيات الدينية المعتبرة، وإشراك السلطة في برنامج اجتماعي متكامل، كون الواعز الديني والأخلاقي في ممارسة الحياة اليومية للفرد يجب أن يكون أمضى من غيره كون الواعز القانوني ذا تأثير وقتي في بناء المجتمع، وبالتالي أستهجان الخطاب الديني يكون صحياً بكونه استنفاراً مجتمعياً لرفض الظلم بكل أشكاله حتى وإن كان من المؤسسة الدينية.

#الحسين_بن_خليل
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

إقرأ أيضا

أستهجان الخطاب الديني
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة