الكاتبة: ريام الربيعي
"النجاح
الذي يُقصينا"
يحدث أنْ نتغير كثيراً، أنْ نُرفض ونَرفُض،
أن نتلقى الصدمات تلو الأخرى، يحدث أيضاً أنْ تتلقفُنا يد الحرب لتصنع منّا أُناساً
آخرين، وأتعس ما يمكن أن يحدث هو أنْ يُقصينا الإنجاز الذي طالما سعينا لأجلهِ بكل
ما أوتينا من قوة وطموح.
"Rebel
in the rye"،"مقاتل في حقل الشوفان"؛ الفيلم
الذي يتحدث عن سيرة حياة الكاتب والروائي الأميركي "جيروم ديفيد سالينجر"،
صاحب رواية "الحارس في حقل الشوفان" الصادرة عام (1951م)، والتي حصدت
شهرةً واسعةً جداً، وبيع منها (65) مليون نسخة.
لُقبت بالرواية التي أقصت صاحبها، إذ جعلت
هذه الرواية الكاتب "جي. دي. سالينجر" يترك المدينة ويعيش منعزلاً في
بيتٍ ريفيٍ في "نيوهامشير" لمدةٍ طويلةٍ جداً، حتى وفاته في يناير (2010م)
عن عمر (91) عام.
الفيلم
جميل وممتع، بتحدثه عن حياة الكاتب والتقلبات الكبيرة التي رافقتها، رغم الطاقة
السلبية التي تبثها حياة الكاتب بشكل عام.
المُشاهد للفيلم سيلاحظ أنه أمام حالة قد تتكرر كثيراً في المجتمع،
وقد تحدث معهُ ومعنا شخصياً، إذ يحدث أنْ نسعَ في مجالٍ معينٍ، فتجدنا نبذل قصارى
جهدنا للوصلِ إلى شيءٍ ما، أو النجاح في مجالٍ ما، أو اكتساب صفةٍ ما، فنجتهد،
ونُخذل، ونتلقى الصفعات تباعاً، ونستقبل أنواع التنمر والازدراء كافة، دون أنْ نكفَّ
عن هدفنا، لكنّنا ما إنْ نصل للنجاح الذي كنا نرجوه أو نرجو حتى الرُبع منه، فإنّنا
نُصاب بردةِ فعلٍ غريبةٍ، فتَرانا ننبذ الشُهرة التي حَلمنا بها ليالٍ طِوال،
ونتوارى عن العيون التي طالما رغِبنا أنْ نسير الخيلاء أمامها، بل إنّنا قد ننفر أشكال
المتعة والرفاهية كافة، التي يُغدقها علينا هذا النجاح، وننزوي بعيداً؛ كما فعل
هذا الكاتب الأمريكي حين هجر المدينة وأعتزل في الريف حتى نهاية حياته، بعد نجاح
روايته الأولى، بل إنَّه أعتزل حتى النشر بعدها.
تُرى ما
الذي يَجعلُنا نُصاب بمثل هذا الأمر؟!
أهو الخوف
من فكرة أننا قد لا نُحقق النجاح الذي حققناه في قادم التجارب، وهو ما ينعكس سلباً
على نجاحنا الأول والمُدوّي، ويفتح الباب واسعاً للانتقاد، بل الأسوأ فأنه قد يفتح
بابَ الشكِ على مِصراعيهِ فيما يَخص قُدراتنا وإمكانياتنا؛ والتي تجلّت في نجاحِنا
الأول، وخاصة إذا ما كان نجاحاً ساحقاً، وهذا ما طال بشكل أو بآخر الكاتب
"جيروم ديفيد سالينجر"، لذا
نعكف على الحِفاظ على ما تحقق؟، أم إنّنا نأخذ السعي لنجاحٍ ما، على إنَّه نزوةٍ
وتحدٍ للذاتِ، ما إنْ نُحققهُ حتى نفقد الشغف فيه تماماً، أو ربما يكون الأمر
مُرتبطاً بما قاسيناه من ألمٍ، وتعبٍ، وانتقاصٍ، خلالَ مسيرتنا لتحقيق هذا النجاح،
الأمر الذي أفقدنا لذته ولذة التمتع بتبعاته، وأيضاً قد يكون الأمر مرتبطاً
بالحالةِ النفسيةِ للشخصِ صاحبَ النجاحِ، فقد يكون قاسى الكثير في حياته، ممّا
جعله لا يُحسن التعاطي مع ما حققه، ويجعله يعزف عن إكمال مسيرته في هذا المجال.
أيَّاً كانت الأسباب، فإنَّ مثل هذه الحالات
ستترك أثراً سلبياً وإحباطاً كبيراً لمتتبعي هؤلاء الأشخاص، أو السامعين بقِصصهم، أو
أولئك الساعين في ذاتِ مجالاتهم، أو حتى كل من يسعى للنجاح في مجالٍ ما، فإنه حين
يقرأ، أو يسمع، أو يشاهد القصص التي تستعرض هكذا حالات، فإنَّه لا بدَّ أنْ يُصاب
بخيبةٍ عميقةٍ قد تحبطه وتحط من عزيمته.
لذا لا بدَّ
أنْ يكون إيماننا بأنفسنا كبيراً، وأنْ نتتبع شخصيات لها مسارات تبعث فينا الأمل
والطموح، وأنْ ننظر لهذه الحالات ذات النجاح المبتور، إنْ صحَّ التعبير، على إنَّها
حالاتٍ فرديةٍ تُمثل أصحابها، وأنْ نلتمس العذر لبعضها لما يكون قد صادفهم من ظروفٍ
وأحداثٍ حينها، كما في مثالنا المذكور عن الكاتب الأمريكي الذي خسر حبيبته
"أونا أونيل"؛ بشكل مفاجئ وقاسي حين علم بخبر زواجها من الممثل الكوميدي
"تشارلي تشابلن"، الذي يكبرها ب (٣٦) عام؛ صدفةً عندما كان في أحد
معسكرات الحرب العالمية الثانية؛ فوقع بصره على صحيفة تحمل الخبر كانت بيد أحد
الجنود، ما أصابه بصدمةٍ كبيرةٍ؛ وجعله محط سخرية من قبل الجنود في المعسكر،
بالإضافة لمشاركته في معارك الحرب العالمية الثانية، وما ترسخ في مخيلته من مشاهد
الموت والرعب، وهو ما كان له بالغ الأثر في نفسه، فبالكاد أستطاع أن يتخلص من طيف
الحرب الذي كان يلاحقه دائماً، وغيرها من الأمور التي قاساها خلال فترة شبابه.
أخيراً يجب أن نصنع لأنفسنا مسارات خاصة
بنا، وأنْ نسعى لتحقيق ذواتنا بطريقة تُليق بنا، وأن نشحذ هممنا بقراءة سِيَر
الشخصيات الناجحة والمؤثرة التي تُرَصع صفحات التاريخ، وأن نجعل منها قدوة لنا في
طريقِنا للنجاح.
#ريام_الربيعي
#كُتّاب_سومريون
النجاح الذي يُقصينا
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار