الكاتب: حسين خليل
"دعشنة التعليم"
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين (ص9): "الانحراف
الجنسي، يزداد بين الناس كلّما اشتدت عندهم عادة الحجاب، والفصل بين الجنسين".
ولستُ هنا في معرض التأييد أو موافقة على هذا القول، بقدر وضعي لها للمفارقة بين
طبيعة المجتمع في الوقت الذي كُتبتْ بها، ومجتمعنا اليوم من ناحية تطور التفكير
الذي يفترض أن يتطور مع تقدم التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، وكذلك التلاقح
المجتمعي بين قرية العالم الصغيرة، وهنا أنَّ العقلَ الجمعي لكل المجتمع العراقي
كان يفترض به خلال هذه السنوات، وضع معايرة للتوفيق بين مؤيدي هذه المقولة والنهج
العلمي الاجتماعي الذي نتجت عنه، وبين رافضيها والموروث الثقافي والديني والواعز
القبلي، الذي يجعل عقلية الفرد تتجه إلى رفض الخصائص المكتسبة في سلوكيات الفرد،
وهنا لا بدَّ من وضع نظرية تقنع الطرفين في النظرة للانحراف الجنسي وأسبابه في
المجتمعات العربية على وجه البحث.
لعلَّ الرأي المعارض لهذا الرأي ذهب باتجاه: (أنَّ المجتمعات الغربية التي
تشهد انفتاحاً واختلاطاً جنسياً لم تتوقف فيها صبغة الانحراف ولا الاغتصاب الجنسي)،
ويرد الوردي على أنه اعتراض وآهٍ، فكل الدراسات تشير أن نسب الانحراف قلت بإحصائيات
معتمدة، مقارنةً بالمجتمعات العربية. هذا المفهوم يجعلنا أمام حاجة ملحة لتفسير
الهيجان الجنسي والانحراف السلوكي لدى الكثير من المراهقين في المجتمع العراقي،
الذي ينسحب إلى طلاب الجامعات في تفريغ الشحنات الذكورية وإشباع الرغبة لدى الإناث.
منذ أن أطلق الرئيس الأسبق صدام حسين الحملة الإيمانية وما رافقها من شحن
ديني في مجتمعات المدينة وتكريس ديني قبلي في المجتمعات الريفية، أخذ المجتمع
العراقي يدخل صراع سايكولوجي من خلال الانتقالة من المدنية في السبعينات وما قبلها
إلى الأسلمّة، بعد عهد الحملة الإيمانية ليدخل صراع آخر وهو الصراع السني الشيعي
في الخفاء، لمواجهة المد الثقافي لكل جهة.
بعد عام (2003) كانت الصبغة العامة للمجتمع غير واضحة المعالم، ولا يمكن
تحديد ما إذا كانت إسلامية أو مدنية بشكل مطلق؛ وذلك يفسره الوردي في: "أن
العربي يتمنى حكومة علمانية لكنه يختار الإسلامية في وقت لاحق."، وهذا لا
يمكن تسميته إلا سيطرة العقد النفسية في ذات كل ناخب؛ وبالتالي حصوله على الحكومة
التي لا تغطي مقاسات رغابته، كما أن العقل الجمعي طوال فترة الصراعات السياسية
وسيطرة الدولة العثمانية والفارسية وغياب الهوية العربية سواء بإسلامها السياسي أو
إسلامها الفقهي، حتى تأسيس الدولة العراقية وبعدها عند تأسيس الجمهورية لم تتصدر
المنظومة الدينية إلى أي قيادة على مستوى السلطة بشكل رسمي فرأت الجماهير: إنَّ في
المنظومة الدينية والأحزاب الإسلامية خصوصاً، على اعتبار أنهم يمثلون الخط الإلهي
المثالي في إدارة شؤون الدولة.
الخط البياني لأداء الحكومات الإسلامية ومنظريها شهد سقطة على كافة
الأصعدة، ما يهمنا منها هو تفشي الفقر المدقع وشيوع ظاهرة الانحراف الجنسي، والانتحار،
والمخدرات،… إلخ. ما يهم موضوع المقال
التعليم فقد اتجهت كل وزارات التعليم على مر حياة السلطة الإسلامية، في دسِّ أنفها
في محاولة لتمييع السبب الرئيسي لتفشي الظواهر السلبية في المجتمع، ولجوء الشباب
إلى الجنس والمخدرات لتعويض النقص، من خلال محاولة دعشنة التعليم البائس أصلاً
بمحاولات متكررة بفرض الحجاب أو فصل الإناث عن الذكور، وهذا الأمر يحدث فعلاً في
مراحل الدراسة ما قبل الجامعة مما أنتج شباب متعطشة لرائحة الأنثى، فكيف وإذا به
يرى عروساً بجسد ممشوق ووجهها مكسواً بألوان الطيف الشمسي، مؤكد سيجن جنونه ويحاول
في شتى الطرق الإيقاع بالفتيات، وهنا يأتي دور التربية في البيت والشارع في البيئة
المجتمعية الحاضنة للطلبة لتطويق هكذا تصرفات من الممكن أن توقع شريحة واسعة في المحظور.
في محافظة بابل شاع مؤخراً حصول موافقة لاستحداث جامعة خاصة بالبنات في
مدينة المحاويل، هلل له الكثير دون دراية معتبريه خطوة لفسح المجال أمام الفتيات
للتعليم في أجواء نظيفة متناسين أنها سيسيل لعابها على أول مراهق يقف أمام الجامعة
يستطيع ممارسة فن الإيقاع بالفتيات، وهذا الأمر مؤكد لا يمكن تعميمه، لكن هو واقع
بسبب الكبت الممنهج، وقد يبرر أحد المسؤولين هذه الخطوة بقوله: أن لدينا إناث تركت
الدراسة، وهذا يحتاج لمعالجة نفسية، ويبرر آخر: بأن في جامعة بابل توجد كليات خاصة
بالبنات فما الضير في ذلك، بينما الضير هو قيام السلطة بقيادة الجمع بطريقة غير
مباشرة جبراً في جامعة المحاويل المفترضة، كون التفكير القبلي يجعل فكرة تقييد أسم
البنت في الجامعة المختلطة تلتصق بالعائلة وصمة العار، بسبب قيامهم لإرسال أبنتهم
إلى أحضان الذكور في الجامعة. "يابه مو عيب مخلي بنت مع الولد اي مو هاي
جامعة للبنات"! ومن ثم يبدأ الواعز القبلي في توجيه التعليم والخضوع لا
إرادياً للدعشنة الفكرية للتعليم نتيجة تكريس الكبت، وتفعيل العقل الباطن باتجاه
كل (ممنوع مرغوب)، وتحدث حالة الانهيار المجتمعي وستبرز حالات الاغتصاب بعد إن يرى
الشاب الفتاة، عبارة عن جسد حجب عنه لسبب مهم فلا بدَّ للافتراس، خاصة وأن كثير من
الدراسات تشير إلى أن الانحراف يحدث في الأماكن المعزولة والتي لا يوجد فيها
اختلاط بين الجنسين.
هذه الدعشنة تقودها الأحزاب الإسلامية
الفاشلة ورؤوس الأموال في بابل، لمكاسب مالية وسياسية ومغازلة للرأي العام القبلي
في الريف، وبعض عائلات المدينة، ولا سبيل إلا لمواجهتها، فالتعليم لا بدَّ أن يكون
مسلوباً من جوهره كل الأيدولوجيات وعلى الرأي العام المطالبة بإصلاحه، وتطوير
إمكاناته، وجعل الهاجس الأوحد للطالب العلم بدل (شلبستي خليتي حمرة مكياجج طوخ)!
حسين_بن_خليل
اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
دعشنة التعليم
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار