الكاتب: أحمد فائق السالم
"الاختلاف"
الاختلاف، كلمة لطالما
أصبحت وباءً لمجتمعات عِدة، أبرزها العربية، وعلى وجه الخصوص المجتمع العراقي، في
تركيبة الأمر نجد حلاً بسيطاً، لو كنا متشابهين في كل شيء كيف ستكون الحياة؟ هنا
السؤال ربّما سيحتاج منا ألف تفسير مختلف، الاختلاف سنة كونية في الحياة بكل
تعقيداتها، وهي سبب في ديمومة هذا الكون سواء على مستوى الإنسان، الجماد، الحيوان،
الأديان، القوميات، القوانين، الأنظمة... باختلافنا سنرتقي بدون تعصب.
إن ثقافة الاختلاف
تعني احترام وجهات نظر الآخرين دون تقييد، وأن اختلاف الآراء درجة من درجات العقل
والحكمة شريطة ألّا تكون تسفيه لآراء الآخرين، عدم تقبل الرأي الآخر على أساس(إن
لم تكن معي فأنتَ ضدي)، نحتاج كثيراً إلى هذهِ الثقافة فما بال المجتمعات
خصوصاً العربية، اليوم تراها تتنازع فيما بينها بسب هذا الاختلاف سواء الدين أو
القومية أو حتى العنصري وما شابه ذلك، مبدأ التعايش هو أحد أسس تطور الكثير من
البلدان الأوربية كونه يساهم وبقوة في ترسيخ العدل دون انحياز لقومية أو دين أو
عرق، وهذا ربما نجح كثيراً في أوربا بعد عصور مظلمة كانت نتيجة تنازعهم بسبب غياب
التفكّر والتعقّل حول اختلاف عنصري بين السود والبيض حتى سادَ بينهم هذا التعايش.
عدم تقبّل الرأي
الآخر يؤدي إلى زرع الضغينة والحقد بين الناس؛ حتى تسود بينهم لغة الكراهية، وربما
فرض الرأي بالقوة يزيد من هذا، والبعض يرى أن رأيه هو الصواب ولا يجب الاعتراض
عليه بأية وسيلة، ويبقى متمسكاً بهذا حتى يصل بهم الحال إلى طريق مسدود لم يُرى
آخره، وكثيراً ما ينم هذا في المجتمعات التي يسيطر عليها الجهل والتخلف وبذلك
يتجرد عن سمة من سمات الحضارة والثقافة، إننا لم نستوعب ما قالهُ الفيلسوف(فولتير):
"إنني أختلف معك في الرأي ولكنّي أقاتل لكي تملك حريتك في القول"، علينا
فعلاً أن نتعلم فنّ الاختلاف وأننا خلقنا الله سبحانه وتعالى مختلفين ولو شاء
لخلقنا غير هذا متشابهين في كل شيء، العديد من الثورات العالمية التي نتجت كانت
غالبها لعدم تقبل الاختلاف.
مشكلة أخرى تواجه الكثير
من المجتمعات أيضاً وربما تكون الأخطر الانقسامات والانحرافات السياسية التي ربما
تأخذ منحى آخر قد تحول الاختلاف الطبيعي إلى حالة مرضية مميتة بسبب رفض هذا
المبدأ، ومن ثم يقودهم نحو حروباً أهلية وقبلية طاحنة، فقد شهدت الكثير من
المجتمعات الأفريقية -ولا تزال- حروباً طائفية وقبلية طاحنة، وقد مرت القارة
الأوربية أيضاً بهذهِ المرحلة في القرون الوسطى، وكذلك شهد عقد التسعينات من حرب
الصرب في يوغسلافيا ومن الأزمة الإيرلندية آخر الصراعات، وربما الصراع الدائم في
العراق بعد الاحتلال الأمريكي أيضاً في عام(٢٠٠٣)، هو بمثابة دليل قاطع على غياب
تام لثقافة الاختلاف وعدم تقبل الآخر مهما كانَ دينه أو عرقه. انتشر النزاع
الطائفي والقبلي بصورة خطيرة وراح ضحية هذا النزاع الآلاف دون ذنب، وقد يسأل سائل
هل التخلف ينتج هذا التنازع؟ بلا شك التخلف والحروب التي عصفت بالعراق أنتجت العديد
من النماذج الخطيرة لمجتمع متهالك في ظل غياب القانون الذي يحكم هذهِ الدولة، أصبح
النزاع الطائفي والقبلي سمة لتفكيك هذا المجتمع وتقطيعه، ولو أردت القضاء على
مجتمع وتمزيقه؟ فقط ما عليك إلا تقسيمه إلى فِرق تتنازع فيما بينها، غياب التعايش
وقبول الآخر يجب أن يبدأ تطبيقه من خلال التعليم وتربية جيل يتعامل على أساس
الإنسان مهما كان، وكذلك قيام قانون صارم بعيداً عن الولاءات للحد من هذهِ الظاهرة
والأهم التعليم والانفتاح الفكري الثقافي.
المجتمعات
الديمقراطية قد توصلت إلى خلاص من هذهِ الآفة، عندما عرفت التعددية شيء حتمي وسُنّة
كونية، وأبرز هذهِ الخلاصات هو: التمكين الدستوري السليم لنظام الحكم وتركيبة
المجتمع بما يتلاءم ويصون جميع حقوق المواطنين على هذهِ الأرض، بغض النظر عن
اختلاف عقائدهم وأصولهم وعرقهم، وهذا تجاوزته أوربا بعد العصور المظلمة التي عصفت
بها، فعدم الالتزام بأساليب التغيير الديمقراطية يعني تحويراً خطيراً للانقسامات
السلمية وقتل للتنوع البشري بشتى أنواعه، وهناك عوامل فكرية كثيرة تدفع جحافل من
الناس للانحباس داخل خنادق فكرية متعصبة يعتقدون أنهم هم الصواب ولا حق سواه كما
ذكر الدكتور العراقي(علي الوردي) في كتابه (مهزلة العقل البشري): "يهربون
من جحافل الفكر الآخر ولكن هم في الواقع يسجنون فكرهم داخل زنزانة يصعب للطرف
الآخر الوصول إليها وتقبلها"، حيث يكون من الصعب التفاعل معها للوصول لنتيجة
تأخذهم إلى بر الأمان.
#أحمد_السالم
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
الاختلاف
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار