احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

16‏/12‏/2017

"دولة الهوية ونتائج الإستبداد"



   الكاتب: ناظم علي              






            "دولة الهوية ونتائج الإستبداد"

        

         في ظل الانومي (فقدان المعايير/دوركهايم) الذي نعيش فيه منذ سقوط النظام السابق، وتصدع القيم العراقية الأصيلة، التي تؤكد على حسن الجوار، والغيرة، والحس الوطني. طفحت على السطح بدلاً من ذلك قيم سفسطائية - إن جاز التعبير- تشير مرة إلى أن «المال» هو مقياس لكل شيء، ومرة أخرى إلى أن الطائفة أو القومية هما مقياسان للوطنية. ولو أننا استدعينا الحكيم(سقراط) في هذا المشهد الضبابي، لإزالة اللبس والغموض، أكنا نصل الى قواعد سليمة ثابتة يمكننا البناء عليها، وسط فوضى المفاهيم المضللة...؟.


          كيف لنا أن نفهم إحتكار هوية ما وطناً كالعراق !؟. والكثير من الكتابات السياسية تذكّرنا كيف استولى "السُنّة" على الحكم في العراق، وتفردوا به لأكثر من ثلاثين عاماً، وكان "الشيعة والكرد" في مظلومية تحت سلطة هذا النظام، -الذي بدا لهم سنياً وليس علماني-، ثم إنقلاب الأمر بعد ذلك في العام (2003م)، عندما تحول المظلومين الى ظالمين، وقاموا بإقصاء السُنَّة عن المشهد السياسي، أو للدقة أكثر نقول إنَّهم إرتضوا لأنفسهم الإنكفاء وحمل السلاح.

         وربما أستغربنا إنفجار الموقف بين الحليفين(الشيعي والكردي)، وزعم الكرد أنه قد طالهم أيضاً ظلم كبير، بسبب سياسات المركز(بغداد) إتجاه الأقليم(كردستان)!، فكيف لـ (سقراط) أن يوضح لنا مفردتي "المظلومية" و "الفيدرالية" بعراقٍ إتحادي، عاشوه أربعة عشر عاماً، منذ تغيير النظام، وإلى اليوم(2003- 2017م)...؟؟. عقب تجربتهم الرائدة في الحكم الذاتي(1974-2003م)نستميح القارئ عذراً في كتابتنا هذه، ونحن نحاول معرفة وفهم حيثياتها المركبة. فهل تصح نتيجة مفادها: أننا قد وصلنا إلى أنَّ هويتان قد تم إقصاءهما مقابل هيمنة لهوية واحدة. أم نقول مع الأستاذ(حسن العلوي)، أن علينا أن نفرق بين شيعة السلطة وشيعة العراق، وسُنَّة السلطة وسُنَّة العراق...؟. هذا يتطلب التريث قبل إطلاق الأحكام النهائية؛ لأنَّ الأزمة أعمق من ذلك. فقد برزت الخلافات جهاراً هذه المرة أمام الرأي العام، والتخاصم بالدستور العراقي الذي كتب بأيديهم في العام(2005م)، ولكنه لم يجمع الشمل، على مبدأ الديمقراطية التوافقية(المحاصصة)، بل ربما صارت المشكلات أكثر تجذراً من ذي قبل؛ كونها نزلت إلى المستوى الشعبي.

         وبينما يقيء قلمي حبراً على الورقة، مصاباً بالدوار من جراء إشتباك الأزمات، تذكرتُ ما كتبه الأستاذ(رعد أطياف) بتأريخ( 6-10-2017م) من على حسابه الشخصي(الفيسبوك)، من أن بعضنا يتخذ من الكتابة كمتنفس يفرغ من خلالها آلامه الذهنية والنفسية، والبعض الآخر يتخذها لتنوير الرأي العام، والبعض الآخر يعتاش منها كمصدر وحيد لرزقه. وهو بعد ذلك يقلل من شأن الكتابة "كقوة ناعمة" لا تُأثر كثيراً في تغيير الواقع، ويردف القول: إنَّ الأمرَّ بحاجة الى قوة تأثير أكبر، ويعزوها الى القوة الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية {قوى صلبة} والتي تأتي - بحسب إعتقاده - في السلم الأول.

         وعلى ما تم ذكره آنفاً تُساس أمورنا في الغالب إلى نتائج كارثية!، وقد وصلنا الى "الإنسداد التأريخي"(هاشم صالح)، فلا غرو والحالة هذه أن يأتي جمع من الكتاب مختلفي المآرب ليُبرِروا أو يلوموا هذه القوة عقب كل دمار، ليحل السِجال الذي لن يرجع الدماء إلى ضحاياها، ولا الأموال إلى خزائنها، ولن تجد مياهً تعود لمجاريها. وقد حصد بلدنا بعد كل هذا على مؤشرات سلبية بالفساد، وضياع الموارد، وإنحدار التعليم، والتفكك الأسري والإجتماعي... مما أضعف لدينا القوى الثلاث: الاقتصادية، السياسية، والعسكرية. واستنزفت طاقات الشباب بالحروب أو الهجرة. وبحكم هذه العوامل الفاعلة أعلاه، هل بقيت "القوة الصلبة" كما هي في قوتها، كما هو شأن الكتابة في ضعفها...؟.

         إن موضوعاً بهذا الحجم يسير وفق معادلة عكسية، يشير إلى أنَّ الكتابة الناقدة الحرة، لابدَّ أن يرتفع رصيدها بعد فشل القوى الثلاث آنفة الذكر. ولكن هل نحسب أنفسنا ممن يكتب لتنوير الرأي العام مادمنا لسنا ممن يعتاش على الكتابة؟، تبقى الاجابة عند القارئ الحصيف.

          ولنسأل الآتي: هل الشيعي هو مواطن وطني أم مذهبي في الدول التي يعيش فيها؟ وذات السؤال بالنسبة الى السُنّي. وهل الكردي هو مواطن وطني أم قومي في الدول التي يعيش فيها؟. هذه الإشكالية ترينا أن البعد المذهبي والقومي وقت الأزمات يطغيان على البعد الوطني. فمثلاً: هبت بعض دول الخليج لدعم الجيش السوري الحر، وبعض الفصائل من أجل اسقاط النظام السوري(بشار الاسد)، والذي ينتمي إلى الأقلية العلوية، -غاضين الطرف عن علمانية هذا النظام-. وقاموا وقتذاك بإدخال درع الجزيرة إلى البحرين، ليدعموا نظام الأقلية السُنّي، على حساب الشعب البحريني. كما إنَّ التباكي على سُنّة الأحواز، أنساهم ذكر شيعة الإحساء والقطيف في المنطقة الشرقية للسعودية، ثم بدلاً من أن يلبي كل طرف حاجات مواطنيه، صار التنكيل هو سيد الموقف، والمطالبة من الآخر أن يعدل مع شعبه أو أن يتدخل هو كطرف مناصر لمن يعاني الظلم، وهذا ما حدث فعلاً، فلو عاملت هذه الانظمة مواطنيها بطريقة وطنية قانونية تكفل لهم المواطنة، لرأينا نتائج مختلفة، ولمّا وجدنا التدخل الإيراني في الشؤون السورية، و السعودية، والعراقية...، ولا التدخل السعودي في الشؤون الإيرانية، والعراقية...، ولكانت كل من لبنان والكويت في حصانة تامة.

        وقد باتت التداعيات الطائفية معروفة لسكان الشرق الأوسط، فضلاً عن العالم. أما المسألة القومية للكرد فالحديث فيها ربَّما لا ينتهي، ومن أجل إلقاء الضوء قليلاً على كرد العراق، نقول إنَّ الفجوة المجتمعية لا تقف عند حقبة النصف قرن الماضية، بل هي أبعد من ذلك. فقد ذكر الأستاذ(د.عادل البلداوي) في كتابه* إنَّ نسبة المؤلفين للمناهج المدرسية منذ العام(1921م) {تأسيس الدولة العراقية الحديثة} وحتى السنتين الأوليتين من الحرب العالمية الثانية(1941م)، كانت تؤكد إنَّ هؤلاء المؤلفين كانوا يحملون ميولاً قومية عروبية، وإنَّ المناهج الدراسية ولا سيما مناهج المواد التأريخية كانت تسير سيراً قومياً. وأكد على حقيقة تأريخية في موضع آخر، إلّا أنَّ نسبة النخب الكردية في التأليف معدومة تماماً؛ وهذا ما ترك آثاراً خطيرة على تأزم القضية الكردية، أو بالأحرى ترك تراكماً عند الأجيال على مر السنين، من إن الكرد ليس لهم قضية مشروعة، بل أنهم عصابات ولصوص وقطاع طرق. ورغم رصانة المناهج في العهد الجمهوري (1958-1968م)- وذلك بتغير المؤلفين- إلّا أنَّ الطابع السياسي قد طغى نوعاً ما في هذه المرة.

          وفي ما تقدم نجد أن الصفقات السياسية التي أجراها الشيعة، والكرد، والسنة عبر السنين التي خلت، قد أوصلت البلد إلى ما وصلنا إليه؛ وأستعصت القضايا الطائفية والقومية على الحل، فلم تكن هناك مصلحة وطنية بقدر المصالح الحزبية والقومية الضيقة، تخللها عامل الطائفية المقيت.

          إنَّ جيل العقد الثالث ومنتصف الرابع من أبناء كردستان اليوم، لا يفقهون اللغة العربية إلا قلة منهم، وذات الأمر مع العرب في اللغة الكردية، فوصلنا بذلك إلى إنقطاع التواصل الثقافي، والتأريخي، والحياتي، على الرغم من ان اللغة الكردية رسمية، ومنصوص عليها بالدستور العراقي.

        إنَّ تشظي الهويات اليوم، وإنقسامها على نفسها هو مؤشر جديد واضح لفشل الجميع، فليس جميع الكرد "مسعوديين"، ولا جماهير الشيعة "مالكيين"، ولا كل السنة "إرهابيين". كما أن بلدنا فيه أيضاً مسيحيين، وقوميات وأديان أخرى، ينبغي أن يسعهم العراق. لأننا لازلنا ندور في حلقة مفرغة، فتهمة الخيانة التي وصم بها اليوم جناح طالباني؛ لأنه ساند الجيش العراقي في بسط السيطرة على مناطق في كركوك، شبيهة بما نعت به البرزانيين من قبل، وعلى رأسهم (مسعود برزاني) يوم أستعان بـ(صدام حسين) عام( 1996م) وطرد الطلبانيين من عقر داره أربيل. وقد كتبتُ فيما سبق عن: الإغتيالات وتداعيات أخرى، وذكرتُ كثيراً من التحديات الواجب علاجها، وبجملة واحدة نحن بحاجة إلى هوية وطنية للدولة العراقية، تُبني على أساسها إستراتيجية طويلة الأمد للخروج من الدوائر المغلقة، فمن الخطورة بمكان أن نجد إستراتيجيات إقتصادية تتوجه نحو السوق، دون وجود هوية وطنية تحفظ لنا وطننا من التمزيق المستمر. فإن كنا نريد العيش في سلم أهلي، فلابدَّ أن تكون الوطنية قبل المذهبية والقومية، نعم الوطن... الذي قال عنه أحدهم إنه المكان الذي تحفظ فيه كرامتي، ويكون فيه معاشي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تأليف المناهج الدراسية في العراق في فكر النخب المثقفة –(1968-1921م) مادة التأريخ انموذجاً. ص119-127،بغداد،2012م.

#ناظم_العراقي
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات



نبذة بسيطة عن الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإسم الكامل: ناظم علي.

الولادة ومحلها: (1984م)/ بغداد.

التحصيل الدراسي: بكلوريوس قسم التأريخ/ كلية التربية إبن الهيثم/ جامعة بغداد.

الحالة الإجتماعية: متزوج.

السكن الحالي: بغداد.

الموقع الإلكتروني للكاتب: ناظم العراقي.


إقرأ أيضا

"دولة الهوية ونتائج الإستبداد"
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة