احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

13‏/01‏/2018

الرِّقُّ الاجتماعي



الكاتبة: شوق وحيد محمد



              ((الرِّقُّ الاجتماعي))

       يسعى الوسط العابد للجماعة، الكافر بالفرد ككيان مستقل، إلى جَرِكَ نحو حقل اللاأهلية كفرد، إذ تتحول شيئاً فشيئاً، إلى شخص عاجز عن أيِّ فعلٍ يُخالف القواعد الموضوعة كدستور للتصرف؛ ذلك أنك تنشأ عبداً للجماعة بحلقاتها المتتابعة المتداخلة، من دون الله، فتصبح قاصراً عن اتخاذ القرار؛ لأنه يخالف شرع المجتمع، أو الدين، أو المذهب، أو العشيرة، أو الأسرة، ويصبح واجباً عليك إرضاء الجميع في كل خطوة وكل تغيير تودُّ إجراءه، غير قادراً على صنع القرار، أو المجازفة، أو المقامرة بما لديك، وهكذا؛ ولأنه من المعلوم أنهم لن يجتمعوا على رأي، ستبقى عاجزاً وبالتالي مهزوزاً لا تعرف من الحياة سوى قواعد العيش العامة.

      بينما يجعلُ الله داخل الإنسان فطرة التوق المعتدل للجماعة والتجمع والاستئناس بأبناء جنسه، طرداً للوحشة المتولدة من الوحدة، وإيذاناً بضرورة التكامل مع الآخر؛ في سبيل استمرار العيش، يسعى الأرباب المتفرقون إلى الضغط على هذه النقطة، وزيادة حجمها أضعافاً مضاعفة، لتحويل الإنسان عن فرديته، وصقلها صوب معابدهم الجماعية، لإلغاء ومحو أيَّ محاولةٍ للكفرانِ بهم والإيمان بنفسك.

        تصف نظرية "التحيز التأكيدي"*، ظاهرة ميل بعض الأشخاص إلى تفضيل المعلومات التي تؤكد أفكارهم وفرضياتهم المسبقة، بغض النظر عما إذا كانت تلك المعلومات صحيحة أم خاطئة، نتيجة لذلك، يجمع الناس أدلة، ويسترجعون معلومات من ذاكرتهم بشكل انتقائي، ويعمدون إلى تفسيرها بطريقة متميزة متوافقة مع أهواءهم، وتظهر هذه التحيزات تحديداً في القضايا الهامة (عاطفياً) و(عقائدياً)، وما يمس نواحي هذين الاتجاهين، كونهما يرسخان بشكل أعمق، حتى عندما تظهر أدلة دامغة على عكس ما يعتقدون، يبقى هؤلاء الأفراد متمسكين بمعتقداتهم الخاصة، إذ يتصلب لديهم هذا الاعتقاد كحصن منيع يصعب اختراقه، ربَّما يفسر هذا لمن لا ينسحب البعض من العلاقات الفاشلة والمؤذية، وسعيهم لاختلاق أعذار تدعم مواقفهم، والخروج بمبررات لخياراتهم الخاطئة، قد تصل إلى رفض الأدلة التي تثبت العكس.

        في وسط يجرم الفردية، ويعدها كفراً اجتماعياً، وينشئ الفرد على أساس الولاء للجماعة، مهما كانت ومهما كان حجم الضرر الناجم عنها تجاه الفرد، من الطبيعي أن ترى أنَّ معظم الأفراد اليوم مشاريع للانهيار والإحباط، عاجزون عن التقدم في حياتهم، لا على الصعيد الفكري والمادي فحسب، بل على الصعيد العاطفي والنفسي، وترى متلازمة البحث عن الاهتمام، التي تصيب الغالبية بسبب عدم قدرته على الثقة والاكتفاء الذاتي؛ والذي يمكنه من التمييز بين العلاقات الصحيحة وغير الصحيحة، والتي تقوده غالباً للرضى بأيِّ علاقةٍ مهما كانت مضارها، أضف إلى ذلك كونه كثير الشكوى والتظلم، واللهاث وراء كل ما من شأنه أن يكفيه شر الوحدة والعوز، ممّا يزيد الأمر سوءً إذ يلغي شخصية الفرد وكرامته وإحساسه بالتقدير الذاتي والإقبال على حل مشاكله بنفسه واختيار ما يناسبه وما يرغب به دون تدخل كونه عاجزاً عن مواصلة العيش دون الآخرين، مهما كان ممتهنناً ذليلاً في ظلهم.

       لدينا جيلاً كاملاً يمتنع عن إنشاء أسرة خوفاً من تكرار مأساته التي تعرض لها، إذ أنه غير قادر على انتهاج درب آخر غير الذي سلكه سلفه، وآخر لا يفقه من الأبوة سوى جانبها الاقتصادي المادي، بينما يسعى قسم آخر لنقل التعاليم حرفياً، وتسليم مقاليد القواعد المقدسة لمن بعده، فيما لا يعلم ولا يعي ضرورة العلم القسم الرابع بما يتوجب عليه فعله إزاء دستة المظلومين التي كان مسؤولاً عن وجودها، في لحظةِ قرارٍ مهزوزٍ بالارتباط دفعته نحوه شهوة أو نزوة، أو انسياق أعمى لتنفيذ أوامر عليا، أو مواكبة لما هو جار، أو لمجرد ملئ الفراغ!.

       مما يفسر تناقل أساليب الحياة ذاتها وتوارثها عبر الأجيال، رغم كونها غير صحيحة، وغير مناسبة لكلِّ جيلٍ. أنت تتربى على ما لا يجب فعله أمّا ما يجب، فالمربي غير كفيل به غالباً، وبذلك فنحن نعيد حلقة الحياة المفرغة ذاتها جيلاً بعد جيل، دون جرأة على كسرها، إذ "لا يعترف الكثير من الناس بالمسؤولية الفردية وإنّما يتهربون من وجوديتهم إلى أمان الزحام المفتقر للهوية، فلو ألقينا نظرة على مجموع الخصائص الأساسية للفرد المنخرط في الجمهور للاحظنا: تلاشي الشخصية الواعية، هيمنة الشخصية اللاواعية، توجه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف والأفكار، الميل لتحويل الأفكار المحرض عليها إلى فعل وممارسة مباشرة، وهكذا، لا يعود الفرد هو نفسه، وإنَّما يصبح عبارة عن إنسان آلي ما عادت إرادته بقادرة على أن تقوده"**.

        الجماعة مطلوبة، في سبيل الألفة، والمودة، والدفء، والمواقف الإيجابية تجاه الفرد، من مساندة، وتقبل ومساعدة، واحترام وثقة، وتشاور في المشاكل والحلول، لكن، ليس كل الجماعات قادرة على تقديم هكذا دعم للإنسان، وليست كل أسرة تدفع بأفرادها نحو السمو والتقدم والنجاح؛ لذا فالجماعات التي تؤثر سلباً على نفسيتك، نجاحك، تقدمك، فرحك، فخرك واعتزازك بنجاحاتك، الجماعة التي تحاول تأخيرك، أو تلجيمك، أو حرمانك من حق من حقوقك، وأولها أن تكون إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معان، جماعة ومجتمع من الكفر الإيمان به، أو تقبله، أو السماح له بالتحكم بك، أو تقرير مصيرك، ومن الظلم إتباعه والسير خلفه، مها كان الوضع والظرف.

_____________________
*
نظرية التحيز التأكيدي: لوحظت بشكل قَصصي على مدى التاريخ مع مجموعة من الكتّاب والمؤرّخين، ثم قامت بعد ذلك أبحاث عديدة حولها بدأت بسلسلة من التجارب في ستّينات القرن العشرين.
**
غوستاف لوبون، سيكولوجية الجماهير، دار الساقي، ط1، بيروت، (1991)، ص(60).


نبذة مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال
اسم الكامل: شوق وحيد محمد.
الولادة ومحلها: (1992م)/ محافظة القادسية (الديوانية).
التحصيل الدراسي: بكالوريوس علوم حاسوب ورياضيات/ جامعة القادسية.
الحالة الاجتماعية: غير متزوجة.
السكن الحالي: الديوانية.

إقرأ أيضا

الرِّقُّ الاجتماعي
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة