احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

03‏/11‏/2018

العراق بين الشرق والغرب

الكاتب: حسن فاضل




"العراق بين الشرق والغرب"

       في ظل تنامي التنافس الدولي بين قوى الشرق وقوى الغرب وخصوصاً في الشرق الأوسط، خرج العراق من أزمته مع (داعش)، وهو يكتسب مكانة محايدة في هذا التنافس، ففي حين ينخرط جيرانه في محاور التنافس الشرقية (إيران-سوريا ومحور روسيا-الصين)، والغربية (السعودية-الأردن-الكويت ومحور أمريكا-الاتحاد الأوروبي) فضلاً عن تركيا التي انخرطت نسبياً مع المحور الشرقي.
تقف الحكومة العراقية موقف المحايد وترفض الانخراط في أي محور وفق سياسة الابتعاد عن المحاور، بينما تدفعها الولايات المتحدة بقوة نحو الانضمام إلى محورها من جهة، وتسعر حربها الثقافية والقيمية للسيطرة على المجتمع العراقي بشكل خاص، والمجتمعات العربية بشكل عام من جهة أخرى، وذلك في مواجهة ثقافات الدول المنافسة وفي مواجهة الثقافة العراقية الشرقية ذاتها، حيث يصل الصراع الإعلامي والثقافي ذروته في العراق مع نشر الأمريكيين للقيم الأمريكية لتحل محل القيم الدينية التي تم استغلالها سابقاً خلال فترة الاحتلال الأمريكي من قبل كل من السعودية وإيران وتركيا لإثارة النفس الطائفي.
هنا تعجز إيران التي تنتمي لمحور روسيا-الصين والتي تدخلت لنشر ثقافتها في العراق من مواجهة المد الثقافي الأمريكي أمام شعب متعطش للسلام والرفاهية الاقتصادية، إذ تلعب القيم الأمريكية المادية الدنيوية على جذب المجتمع العراقي لها عبر طرحها لمشروع تحويل العراق إلى الرأسمالية التي ستجعل العراق ومن عاصمته بغداد (دبي جديدة حسب وصفهم) ولكن في سبيل تحقيق هذا الحلم يجب على العراقيين أن يتخلوا عن الروح العراقية والقيم الأخلاقية العراقية ويتقبلوا كل ما تمليه عليهم الثقافة الأمريكية والأوروبية رغبة بالتطور الذي إن حدث بهذا الأسلوب فإنه برأينا لن يكون ناجحاً.
هذا الغزو الثقافي الأمريكي يعرف في الأدبيات السياسية الأمريكية بـ "القوة الناعمة" التي تعني ببساطة: "استخدام الدولة لقيمها الثقافية وأفكارها الإيجابية كأدوات لجذب الشعوب الأخرى والتأثير في عقولها مما يجعل تلك الشعوب أكثر تقبلاً لسياسات الدولة مهما كانت مضرة، مما يمكن الأخيرة من تحقيق أهدافها دون استعمال القوة العسكرية لتحقيقها"*.

       إنَّ هذه القوة الناعمة نلاحظ تأثيرها واضحاً بتأثر الجيل الجديد من الشباب العراقي بقيم الحضارة الغربية من حرية، ومساواة، وحقوق إنسان، وديمقراطية،… وهي غالباً تلك الشعارات التي تمثل الوجه الجذاب لهذه الحضارة، وأن تقبل هذه القيم يتم من قبل الشاب العراقي عبر إجراءه للمقارنات بين وضع العراق البائس بوضع الدول المتقدمة والديمقراطية متجاهلاً السبب الحقيقي في فشل الدولة في العراق أمام تقدم باقي الدول في العالم والمتمثل بتراجع الروح الوطنية عند الفرد العراقي، والتي أدت لكل هذا الفشل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعاني منه العراق اليوم.

      العراق اليوم وفقاً للأدبيات والمقاييس السياسية هو دولة ديمقراطية، وذلك لوجود الانتخابات كوسيلة لتداول السلطة، وكذلك وجود دستور تمت صياغته وفقاً للدساتير الأوروبية الليبرالية والعلمانية، ولكنه مع كل ذلك ما زال دولة فاشلة مما يعني أن تبني العلمانية والديمقراطية لا يؤدي بالضرورة إلى نجاح الدولة كما يتم الترويج له من قبل العراقيين المتأثرين بالحضارة الغربية وقيمها الأمريكية.
لذلك يمكن القول أن الحاجة إلى التحديث الاقتصادي والمعيشي لا تعني أبداً أن نقوم بتغريب المجتمع ونتخلى عن الروح العراقية التي هي جزء من الروح الشرقية القائمة على احترام التقاليد والقيم والمبادئ، عكس الروح الغربية القائمة على المادية.

       مما تقدم، هل سنرى عراقاً شرقياً متطوراً، ولكن محافظ على قيمه الثقافية؟ أم عراقاً غربياً متطوراً (شكلاً فقط) وخالعاً لكل قيمه وموروثه الثقافي والإنساني؟

      رأينا إذا ما كنا نريد أن نكون دولة متقدمة ومحترمة علينا المحافظة على ثقافة مجتمعنا، إذ أن المحافظة على الهوية الثقافية للمجتمع تعد أساس تقدم كل أمة ومحو هذه الهوية يعد أساس الفشل والتبعية لباقي الأمم، فنكون عندها مستهلكين لا منتجين وفاشلين كما نحن اليوم لا ناجحين كما نتمنى.
___________
*
للمزيد من الاطلاع على مصطلح القوة الناعمة ينظر: جوزيف ناي، القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة العالمية.


إقرأ أيضا

العراق بين الشرق والغرب
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة