احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

17‏/12‏/2017

((العراق ما بعد 2017: التحديات والفرص))

الكاتب: عبد الله ناهض




          ((العراق ما بعد 2017: التحديات والفرص))

      يقف العراق في نهاية العام(2017م) على أعتاب تحقيق أهم منجزين له منذ منتصف عام(2014م)، أو لنقل منذ عام(2003م)؛ وهما:
أولاً: درء مخاطر تفكيك البلد التي كادت أن تعصف بوحدة أراضيه، وهنا نقصد الاستفتاء الذي أقامه الكورد في الخامس والعشرون من شهر أيلول المنصرم، الذي كان يهدف من خلاله الكورد إقامة دولة كوردية تقع في شمال العراق، لكن كانت للخطوات التي اتخذها العراق داخلياً، وخارجياً أهمية كبيرة في وقف وإنهاء هذا الخطر.
ثانياً: وهو الأهم إعلان النصر النهائي من قبل رئيس مجلس الوزراء العراقي(حيدر العبادي) على تنظيم(داعش)؛ الذي سيطر على ثلاثة محافظات عراقية وهي: (الأنبار، الموصل، صلاح الدين)، فضلاً عن أجزاء من العاصمة بغداد، ومحافظة ديالى، وبابل عام(2014م)، مما أدخل البلاد في نفق مظلم حينها.

       على الرغم من ذلك استطاع العراق بقوة إرادته الشعبية من لملمة أوراقه، والاستعداد لاسترداد الأراضي التي سيطر عليها داعش، وهكذا انطلقت معركته المصيرية التي استمرت قرابة أربعة سنوات قدّم فيها الشعب العراقي تضحيات، تكللت بالانتصار، واسترجاع كافة الأراضي التي احتلها هذا التنظيم في غفلة من الزمن، فضلاً عن خروجه التام من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، ذلك من خلال القرار(2390) الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في(8 كانون الأول/ديسمبر 2017م)، بعد إيفاءه بكافة التزاماته القانونية، والمادية التي ترتبت عليه من جراء الحرب على الكويت ذلك في(2 آب/أغسطس1990م)؛ الذي يعني استرجاع العراق كامل سيادته وأهليته القانونية دوليا(1).

      لكن يبقى السؤال الأهم وهو: كيف لنا استثمار كل ذلك مستقبلاً؟ السؤال الذي لطالما اخفقنا في الإجابة عنه بعد كل تجربة نمر بها ماضياً، وحاضراً، وما الحرب الطائفية عنا ببعيد التي استمرت ثلاثة سنوات امتدت في الفترة(2006-2008م)؛ التي وعلى الرغم من قدرة العراق على تجاوزها؛ بيد إنَّه أخفق بعدها في ترسيخ هذا المنجز على أرض الواقع، مما أدى إلى أن يقع في مطب آخر لا يقل خطورة عما سبق، متمثلاً بسيطرة تنظيم(داعش) على عدد من المحافظات والمدن العراقية؛ لذلك حتى تتجنب البلاد تكرار أخطاء الماضي مستقبلاً عليها القيام بإصلاحات عديدة تشمل كل الجوانب السياسية، الأمنية، الاقتصادية، الاجتماعية، التي سوف نأتِ على ذكر كل منها على حدة وبشكل مفصل.

أولا: الجانب السياسي.
يحتاج العراق لعدد من الإصلاحات على الصعيد السياسي التي من شأنها تصحيح مساره في هذا الجانب، الذي لم يكتب له السير على طريق آمنة منذ سقوط النظام العراقي الأسبق عام(2003م)، لعدة أسباب منها: تلك التي تتعلق ببنية النظام السياسي العراقي الذي تم بناؤه بعد الاحتلال، الذي يقوم على أسس طائفية، وعرقية، وفئوية، ومنها ما يخص الفساد السياسي وسيطرة عدد من التيارات السياسية ذات التوجه الطائفي على الساحة السياسية بحكم ما تمتلكه من قوة ونفوذ تحصلت عليها من جراء سيطرتها على موارد البلاد. وتلك التي تتعلق بالولاءات الخارجية لمعظم التيارات السياسية الحاكمة في العراق، الذي أدى إلى تبنيها خيارات غير وطنية هدفها إرضاء الجهات الخارجية على حساب مصلحة البلد العليا، فضلاً عن استثمار الجهل الشعبي الذي ما زال بعيداً كل البعد عن الفهم الحقيقي للديمقراطية. هذه الاختلالات البنيوية التي يعاني منها العراق على الصعيد السياسي؛ ما لم تجد الحلول المناسبة سوف لن يكون في منأى عن الوقوع في أخطاء أخرى لا تقل خطورة عن تلك التي حصلت في الماضي القريب، لذلك من الحلول المفترضة للواقع السياسي العراقي، تتمثل بضرورة الانتقال بالنظام السياسي العراقي نحو تبني النهج الوطني، متخذاً من أسس المواطنة، والكفاءة، والنزاهة معياراً له لا الانتماء على أساس عرقي، أو طائفي، أو فردي. العمل على محاربة الفساد السياسي ومحاسبة كل من امتدت يداه إلى أموال الدولة أيَّاً كانت صفته وموقعه، إنهاء التدخل الخارجي في القرار السيادي العراقي؛ لما له من تداعيات، وتبعات خطيرة تمس وحدة البلد ومصلحة شعبه.

ثانيا: الجانب الأمني.
على الرغم من المنجز العسكري الكبير الذي حققته القوى الأمنية العراقية بكافة تشكيلاتها، المتمثل بتحرير كل الأراضي العراقية التي سيطر عليها(داعش) منذ منتصف عام(2014م)، بيد أن هذا لا يعني عدم وجود سلبيات يعاني منها المشهد العراقي على الصعيد الأمني، على رأسها المحسوبية والمنسوبية المتفشية في وزارتي الدفاع والداخلية، ظاهرة انتشار السلاح بعيداً عن سلطة الدولة، ووجود العديد من التشكيلات المسلحة غير النظامية؛ التي لها تأثير أمني سلبي يهدد استقرار البلاد إن استمرت؛ لذلك من الضروري أن يتم حصر السلاح بيد الدولة؛ أذ أن من أهم سلطات الدولة هي سلطة احتكار أدوات الإكراه، العمل على بناء قوات عسكرية وأمنية مبنية على أسس وطنية، وتشكيلها وفقاً لأسس عسكرية حديثة تتفق والتطورات الحاصلة في هذا الميدان، فضلاً عن ضرورة العمل على استقلالية المؤسسة العسكرية وعدم إقحامها في الخلافات السياسية بين الفرقاء السياسيين؛ لمّا لذلك من تداعيات سلبية على كل الأصعدة في البلد.

ثالثاً: الجانب الاقتصادي.
يعاني العراق من تحديات اقتصادية جمّة لها تأثيراتها السلبية على الجوانب الأخرى السياسية والأمنية والاجتماعية، التي تظل إحدى العوامل الرئيسة في استمرار حالة اللااستقرار التي تمر بها البلاد طوال السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق عام(2003م)، وتنحصر هذه التحديات في الفقر، والبطالة، وجيوش من الأرامل والأيتام والمعوقين والمشردين، فضلاً عن توقف شبه تام للماكنة الصناعية العراقية على الرغم من وجود الموارد والبنى التحتية اللازمة لإعادة تشغيلها، إلّا أنَّ غالبيتها متوقفة عن العمل منذ الاحتلال لعدة أسباب أبرزها عدم الاستقرار السياسي والأمني، عدم توفر إرادة حقيقية تهدف إلى إعادة تشغيل كافة المعامل والمصانع العراقية المتوقفة عن العمل، التي إن تمت إعادة تشغيلها سوف توفر فرص عمل كبيرة للعاطلين عن العمل، لا سيما والبلد يعاني من بطالة كبيرة ويد عاملة تنتظر الفرصة لإثبات وجودها. من التحديات الاقتصادية الأخرى حجم الدمار الذي لحق بأجزاء واسعة من البلاد من جراء الحرب على داعش التي استمرت ثلاثة سنوات ونصف، مما يتطلب تضافراً في الجهود كافة من أجل إعادة بناء ما دمر خلال الحرب على داعش أو ما قبلها-منذ عام 2003-، أيضاً لا نغفل قضية الديون التي على العراق سواء الداخلية أو الخارجية؛ إذ وصل حجم الدين العام الداخلي إلى(46804,3) مليار دينار(2)، أما الدين الخارجي فبحسب تصريحات عضو مجلس النواب العراقي(ماجدة التميمي) بلغ(111) مليار دولار منها(41) مليار دولار ديون مترتبة على العراق قبل عام(2003م)(3). رغم ذلك فالحلول ممكنة لا سيما مع توفر الموارد الكافية لحلحلة أغلب المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها البلد؛ لكن ذلك لا يتم إلّا عبر محاربة الفساد المستشري في كافة مفاصل الدولة. وضع خطط استراتيجية خمسية هدفها النهوض بالوقع الاقتصادي، والاجتماعي والتنموي للبلاد، والأهم وجود إرادة سياسية وطنية وهذه لا تتم إلّا عبر ممارسة الرأي العام لدوره الضاغط حيال المتحكمين في شؤون البلاد، من أجل الإسراع في معالجة ما يعتري الواقع الاقتصادي من مشكلات، فضلاً عن تطوير القطاع الخاص لمّا له من أهمية في النهوض بالواقع الاقتصادي والتنموي، وكذلك يحد من الاعتمادية شبه المطلقة على موارد النفط، وينتقل بالبلاد من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المتنوع في مصادر الدخل، وقد عملت الحكومة العراقية على وضع خطة استراتيجية مستقبلية تمتد في الفترة(2014-2030م) تهدف إلى النهوض بالقطاع الخاص في العراق(4).

 رابعاً: الجانب الاجتماعي
.
كانت ولا زالت أبرز الإشكاليات التي يعاني منها العراق منذ عام(2003م)؛ هي الإشكالية الاجتماعية، إذ لم يستطع البلد بناء هوية وطنية جامعة تصهر كافة أبناء الشعب في بوتقة واحدة، وذلك راجع لعدة أسباب منها: طبيعة النظام السياسي العراقي القائم على أسس طائفية وعرقية، مما انعكس ذلك على الواقع الاجتماعي، إذ اصبح خيار الفرد العراقي يقوم على أسس مذهبية لا وطنية، واضحى الانتماء للطائفة، أو العشيرة هو الأساس وليس العكس (أي بمعنى أن يكون العراق فوق كل اعتبار وانتماء فرعي) وهذا هو الصحيح، كذلك للخطاب الديني تأثيره على استمرارية حالة الانقسام المجتمعي، كيف لا ولكل مذهب مؤسسته الدينية الرسمية المستقلة، فضلاً عن التدخلات الخارجية التي غذت الانقسام في الشارع العراقي بين هذه الفئة وتلك، ليطفو على السطح خطاب التخوين بين أبناء الشعب الواحد، بينما في الحقيقة الكل يعمل من حيث يدري أو لا يدري ضد مصلحة البلد العليا عبر مناصرته لأطراف خارجية تحت مبرر مناصرة أبناء مذهب معين، هذه الأسباب وغيرها كان لها أثراً كبيراً في أغلب المشكلات التي عصفت في البلاد بعد الاحتلال ولعلَّ أقساها الحرب الطائفية، واحتلال داعش لثلاثة محافظات عراقية، الذي كان سببه انعدام الثقة المتبادلة بين مكونات الشعب العراقي، بالإضافة الاستمرار في تغذية النعرات الطائفية من قبل القائمين على شؤون البلد، حتى يستمر تحكمهم في مصير الشعب الغافل عن أمره.
لذلك حتى يتم تجنب أخطاء الماضي لا بدَّ وإن تتم معالجة هذه الأخطاء، ذلك عبر تبني مصالحة وطنية شاملة ليست كتلك التي يتم تبنيها من قبل بعض القوى السياسية ذات الأبعاد النفعية، وإنما تكون ذات أبعاد تستهدف الخلل الجوهري الذي يعاني منه المجتمع العراقي وتضع الحلول لها، العمل على وضع مناهج تربوية وطنية هدفها تربية النشئ على هدف واحد ألّا وهو العراق لا غير، وكذلك تعريف أبناء الوطن بأن ما يجمعهم من مشتركات أكبر من تلك التي تفرقهم، فالكل يعيش فوق هذه الأرض فإن لم تجمعهم رابطة العرق، أو الدين، أو المذهب، هنالك تاريخ ومصالح مشتركة بين أبناء هذا البلد، فضلاً عن وحدة المصير فعندما يسافر فرد من هذا الوطن خارج البلاد يعرفونه على أساس إنَّه عراقي، لا على أساس إنَّه من هذه الطائفة أو تلك.

       بالتالي التحديات والمخاطر كبيرة، ولا يمكن الفصل بينها فإما أن نصل جميعاً إلى البرِّ بسلام وإما أن نغرق جميعاً، إذ لا يوجد هنالك طرف رابح وساذج من يتصور ذلك، رأينا الحرب على داعش الكل اكتوى بنارها بطريقة أو بأخرى، لذلك علينا التعلم من تجارب الماضي وألّا نعيد تكرار نفس الخطأ ونفس التجارب المريرة، والمستقبل صفحة بيضاء بأيدينا نستطيع من خلاله كتابة مصيرنا على النحو الذي يكفل استمرار وحدة البلاد وعيشنا المشترك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): القرار 2390(2017م)، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته8126، المعقودة في(8 كانون الأول/ديسمبر 2017، مجلس الأمن، الأمم المتحدة، رقم الوثيقة S/RES/2390(2017).
(2): البنك المركزي العراقي، تقرير الفصل الأول من عام 2017، ص12.
(3): الصباح الجديد، يوليو 2017، على الموقع الإلكتروني، newsabah.Com.
(4): للمزيد ينظر: استراتيجية تطوير القطاع الخاص (2014-2030)، جمهورية العراق، مجلس الوزراء، هيئة المستشارين، نيسان2014.

#عبد_الله_ناهض
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

نبذة بسيطة عن الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: عبد الله ناهض عباس.
الولادة ومحلها: (1991م)/ العراق/ محافظة بغداد.
التحصيل الدراسي: طالب ماجستير/ كلية العلوم سياسية/ قسم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.
الحالة الاجتماعية: غير متزوج.
السكن الحالي: بغداد.

إقرأ أيضا

((العراق ما بعد 2017: التحديات والفرص))
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة