احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

16‏/12‏/2017

"فَلنُخْرِسْ الجوع..."



الكاتبة: إيلاف عباس الجبوري




                    "فَلنُخْرِسْ الجوع..."

       (جوعٌ كافرٌ، معدةٌ خاويةٌ، وجهٌ شاحبٌ، وثيابٌ مرقعةٌ؛ أفواهٌ تتوسّل العون، من جيوب برحمتها عامرة).

      نعم، إنَّها كارثةٌ بحقِ الإنسانيةِ، ولن يختلف كلٌّ منّا على ذلك!، تلك التي صُنعت في حضرةِ الظلمِ، لحظةَ بدءِ التصفيقِ لعرضِ الحياةِ الكادحة.

       هذا ما تبادر إلى أذهانكم بالتأكيد فور قراءة العنوان!، لكني لم اُصِبهُ بحبرِ قلمي اليوم. فلا غبار على إنَّ "المجاعةَ" مأساةٌ بشريةٌ ومستشريةٌ في وقتنا الحالي، إلّا إني أرومُ الى تبنّي عازة أُخرى، تَخلد في عالم الجوع دون مأوى، دون إهتمام عميق ودون بحث وجدوى، ونِصاب الأذية خاصتها ربّما يجاوز عوز البطون في مقداره. فالجوعُ الذي أخصّه بحديثي اليوم، شديد العوز وشديد الظمأ، منعدم الرؤيا للناظرين، لكنه عميق الأثر. وما هو أيّها القارئين، السامعين، الشاعرين، ألّا بـ"جــوع المـشـاعـــر"، وبالتعميم المُطلق الشامل لمعناه دون تحديد لمبناه بسقفٍ واحد.

       في رحلة المشاعر تلك سأُحاول أن أرتدي بدلة غوص الذات، وأنهمك في العمق، علّني أعثر على قواقع الأسرار والبواعث المسيطرة على ذلك... وما إن كان عوزٌ قابلٌ للملئ، أم إنّه بحاجة إلى طرق إصلاح أُخرى؟، مسترشدة خطايا بمنارة السلام الداخلي، وصولاً بمن يناوبه جوع العاطفة إلى مرساه المناسب. فكلمة "الجوع" بحرفيتها القاهرة، لا تنطوي على معدة ومأدبة طعام فحسب... بل هناك قلوب جائعة للإحتواء، جائعة للحب، وجائعة للأمان.

        "الجوع العاطفي"، ما هو إلّا حاجةٌ صالحةٌ ومُلحّةٌ مُنبعثةٌ من القلبِ، تلك العضلة التي لن تكلَّ عن النبض وضخ الدم؛ لكنها تودُّ أن تحظى و"كمقابل معنوي حيال ما تفعله" بتجربة المشاعر الدافئة، بل وحتى الإمتلاء منها.

       أخبرتني (س) من الناس، إنّها وعلى أَثَر إرتباطها بشخصٍ غيرِ مناسبٍ، تعرضتْ إلى ما يسمى "بخِواء القلب" إثّر جفاء العواطف وعدم ترطيبها بالمرهم المناسب، حتى تيبّس قلبها وأضحى خشن الملمس، وبأمسِّ الحاجةِ إلى السُقيا بماءِ الأمانِ، والتنفس بثاني أكسيد العواطف. (ذكرتُ تلك الحالة على سبيل المثال لا الحصر)، فالجفاء العاطفي ليس حِكراً على العُشاق، فحتى الأصدقاء وأفراد العائلة برمّتها يصابون به.

       وما إنْ تأملنا قليلاً في ماهيته، سنجد إنَّ لِرواسب الفِكر الطبقيّ دورٌ كبيرٌ في ذلك، "فخشونة المعاملة" من المفاهيم البالية التي زُرعت في عقول الغالبية العظمى من الذكور، كوسام للرجولة يكرم به متعالي القلب على منصة الشرق الأوسط، ومن يحيد عنها سيرتطم بعبارة "ضعيف الشخصية"، أو "عالق في فخ السيطرة". فلن يُفسرها الكثير ومن بينهم الجنس الناعم (ممن لا تمسها شرارة الأمر!)، بكلمة حب، إحترام، حنان، ومودة. فثقافة التعامل العاطفي غائبة في مجتمعنا، على حدِّ رؤيتي لتجارب العديد من النساء والرجال الخوارق!، أولئك الذين إكتسحوا العالم الإفتراضي بتفاصيل حياتهم الشخصية الحرِجة وبشتى الطرائق!.

      ويجب ألّا ننسى بأن للدور الأسري يد في ذلك، فكلما زاد التماسك الشعوري لدى الأسرة كلما قلَّ تأثير الجوع العاطفي في قلوب أفرادها، وما إن قَلبْتَ المعادلة سيحصل العكس. ولكن انتبه... يبقى(لكلِّ قاعدةٍ شواذها)، فربّما يحصل عكس المتوقع من المعادلة آنفة الذكر مع الأخذ بكافة إحتياطاتها!، فليس جميعُ البشرِ حازماً مع نفسهِ ويملك رباطة الجأش، فهناك من تكاد أن تكون حبال سيطرته الذاتية مُعدمه وما تلبث أن تنقطع بدوّية فراغ واحدة، وتهوي به حيث لا يرغب كل منا أن يكون. لتبتدئ هنا مرحلة التخبط والتيه، تحت شعار: (النجاة من الفراغ بأيّةِ نجادة!) حتى وإن كانت رديئة الصنع ومليئة بالثقوب؛ على سبيل المثال: "اللجوء الى علاقة مؤقتة مع شخص غير مشروع"، فكما سبق أن قُلت ليس كلٌّ منا سواسية في رباطة النفس، فالبعض ياقته مربطة بإحكام، والبعض ياقته رخوة للغاية!، وهناك من ينجرف خلف أصوات الفراغ السيئة دون تفكُّر، وهناك من يغلق أُذنيه بسدادةِ الصوابِ دونَ تردد. وهذا لا يعني بتاتاً (إني أضفي الصحة والمشروعية على شناعة الفعل تحت ذريعة الجوع)، فكما يقال: (لا يصحُ إلا الصحيح).

      لذا دعونا نُركز فيما يلي، من أدوات الإصلاح اللازمة، وطرق الملئ الصحيح:
_
كسر الحاجز النفسي بين الطرفين، (المتسبب، والمتضرر)، ببدء الحوار الجاد، ووضع النقاط على الحروف. أراها خطوة أولى وسليمة بحق ما ذُكِر.
_
مخالطة الناس ومبادلتهم أحاديث مُثمرة. كمحفّز فعّال لِخلق الطاقة الايجابية.
_
الفضفضة لأشخاص على قدرٍ من الثقة والحكمة، ومحاولة العمل بنصائحم الجيدة قدر الإمكان.
_
ولا ننسى كذلك دور "الرياضة"، في تخفيف حدة التوتر العاطفي.
_
وللمجتمع أيضاً نصيبٌ من الإصلاحِ، يتمخّض بوضع مناهج تعليمية تُعنى بالثقافة العاطفية، وأتكيت التعامل، وكيفية درئها في أسوء الأحوال. (كمحاولة بنّاءة في تغيير المفاهيم الخاطئة).

وقبل أن أُنهي ما بدأت به دون أن أنتهي حياله!، أودُّ تذكيركم، بأن "الكلمة الطيبة" لا صدقة فحسب، بل هي مفتاح القلوب السري وعبير العواطف
.

      ومهما تعددت الأسباب وتشعّبت الحلول، يبقى الجوع واحد (عاطفة)، والمأوى واحد (قلب).
عاطفة + قلب= أمانٌ دائم.

#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

نبذة مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسم الكامل: إيلاف عباس الجبوري.
الولادة ومحلها: (1992م)/ بغداد.
التحصيل الدراسي: بكالوريوس في القانون/ جامعة بغداد.
الحالة الإجتماعية: متزوجة.
السكن الحالي: الإمارات العربية المتحدة.

إقرأ أيضا

"فَلنُخْرِسْ الجوع..."
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة