الكاتب: حسين بن خليل
"المقدم الإذاعي بين جمالية الفصحى وضرورة اللغة الدارجة"
كل ما نتحدث به يوميًا، هو لا يَمُتُ
للغتنا العربية بصلةٍ، إلّا من بعيدٍ جدًا، لكنّا في النتيجةِ أعتدنا على الكلمات
والألفاظ الدخيلة على اللغة، واستخدمها المجتمع العربي نتيجة التأثيرات الناتجة عن
الغزوات على مرِّ العصور، فتغيرت معالم اللغة العربية حتى أصبحت بما هي عليه الآن.
لكن التعليم والمعاملات الرسمية قد حافظت على الشكل العام للغة العربية، وانعكس
الأمر على الإعلام المرئي والمسموع والمنظور، فكان الإعلام يتحدث الفصحى على مدى
العقود الماضية، وأخذ يتفنن بعض الإعلاميين إبراز إمكانياتهم اللغوية كما: الأدباء
والكُتّاب، ولم يسمح لمقدم البرامج ولا مذيع الأخبار بتقديم رسالته الإعلامية إلّا
باللغة الفصيحة والنقية، حتى وصل الأمر أنَّ أول اختبار يخضع له مقدم البرامج هو اختبار
اللغة.
استمر الأمر لعقودٍ طويلةٍ يُقيّم مقدم
البرامج على أساس اللغة أكثر من الأمور الفنية التي تتعلق بعلم الإعلام. في
السنوات الأخيرة ومع إشاعة تناول معظم المفاهيم في المجتمع باللغة الدارجة، وترسيخ
الموروث الشعبي غابت اللغة من صدارة المشهد للمتحدث بصورةٍ عامةٍ؛ وانعكس ذلك على
الإعلاميين وخاصة مقدمي البرامج التلفزيونية والإذاعية، مع إنَّ المقدم التلفزيوني
قد يختلف عن الإذاعي، كون الأخير لا يخضع للمعاير كما الأول؛ لوجود اعتبارات أهمها:
إنَّ المقدم الإذاعي قد يتحدث ما يشاء خلف الميكروفون، فهو بالتالي خلف الكواليس،
وإنَّ نسبة سماعه تختلف مقارنة بالمقدم التلفزيوني، مع ذلك بقي كبار الإعلام وكبار
المثقفين يطالبون المقدم باللغة السليمة، ويُشكلون على الإذاعات المحلية عدم وجود
مقدمين يشبعون طموحهم.
كل ما سبق وفيما يخص ضرورة أنْ يتحلى
المقدم بلغةٍ سليمةٍ وجميلةٍ قد يراه البعض الآخر ليس ضروريًا في العمل الإذاعي،
ولا داعِ لأن يتقيد المقدم باللغة، ولا يجب أن يكون متكلفًا، فذلك يؤدي إلى عزوف
المستمع، لأنَّ ذلك يشعره بالملل من المادة الإعلامية المقدمة، وبالتالي يركز
مديري البرامج على المقدمين تقديم البرنامج باللغة الشعبية والطريقة السلسة
الاعتيادية، حتى أحدهم يقول عليك تقديم البرنامج وكأنّك تُحدث زميل أو أحد أفراد
العائلة، والحُجة في ذلك إنَّ المستمع لا يفهم اللغة الفصحى ويرغب باللغة الدارجة،
فهو يفهمها بسرعة ويستهويها أكثر.
كيف للبعض أنْ يُفكر بهذه الطريقة! والتي من
خلالها يُعطي الصورة المغايرة للعقلية العراقية، ويجزم على أنَّها لا تستوعب لغتنا
العربية الأم، وهذا غير صحيح تمامًا، وهنا يجب ألّا تكون المطالبة بسلامة اللغة
مجرد شعار، وفي الكواليس تتم مطالبة المقدم بأن يستخدم اللغة الشعبية في تناول الأحداث،
ومواضيع البرامج في الإذاعات المحلية. في الختام لا بدَّ من الرجوع إلى إعطاء
اللغة الفصحى الأهمية البالغة، وعدم وضع المقدم في أمرٍ لا يُحسد عليه، فهو الآن
حائرًا بين التقيد بجمالية الفصحى، وضرورة شعبية التقديم الإذاعي، وهنا نركن إلى
فقدان أهم عناصر التوجيه للمتلقي.
#حسين_بن_خليل
#كُتّاب_سومريون
المقدم الإذاعي بين جمالية الفصحى وضرورة اللغة الدارجة
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار