الكاتبة: نور الهدى يوسف
«ما بين
الضياع والطمأنينة»
تقول فتاة: "أنا
خائفة جداً، أريد تركه لكن أخشى من فضخه لي، ماذا أفعل؟". ويقول شاباً:
"لقد سقطتُ في فخِ إدمان الكحول، والمخدرات، فهل لي من مخرج؟".
هذه إحدى صرخات
الشباب التائهين، إنهم في غمٍّ، وهمٍّ، وحزنٍ، وضيقٍ، إنَّه الواقع الذي نعيشه
اليوم، مواقف كثيرة تواجه شبابنا اليوم، تخبرنا أن الشباب سلكوا خط الانحدار الذي
أركس إنسانيتهم الحقيقية. فهل فكرنا كيف يمكننا أن ننتشلهم مما هم فيه؟ فمن الظلم
تركهم يتخبطون في بحر التيه.
عندما تخرج للشارع،
فإذا التفتَ يميناً أو يساراً؛ سيشدُّ انتباهك سماع تلك الأغاني الهابطة، بصوتها
المرتفع، وذلك التقليد الأعمى للغرب، معاكسة الفتيات، تعاطي الكحول والمخدرات،
مسلسلات وأفلام مجردة من القيم الأخلاقية… والكثير من الأمور الشاذة في مجتمعنا
تحت مسمى: (الحرية الشخصية). فهل أصبحت الحرية الشخصية مبرراً لطيش الشباب وتهورهم!
عندما أتأمل عبارة
الحرية الشخصية؛ أشعر بالغثيان من أولئك الذين كرسوا هذا المفهوم السلبي في
عقولهم، فهم بحاجة إلى قطع صلتهم بهذا المفهوم السائد، ليصلوا للمفهوم الحقيقي
للحرية، فالحرية: هي الالتزام بثقافة مقيدة بقانون سماوي أو أخلاقي، دون التجاوز
على حقوق الآخرين. أنت حر عندما تخرج نفسك من سجن شهواتها الحيوانية، وظلمات الوهم
والتقاليد والنوازع التي تلتف من حولك، إلى النور الذي يكشف هذه الظلمات.
من جهة أخرى؛ نجد هناك
فئة مطمئنة انخرطت في مجتمع الضياع، لكنَّها أعلنت التحدي أمام تلك العقبات
والتيارات الهائجة. تلك الفئة التي رفضت الاستسلام لوسائل الإغراء المتجددة بالليل
والنهار، وسلكت ذلك الطريق القويم المحفوف بتلك النوازع والعقبات، وجعلت منها
دافعاً للتقدم. فهذه الفئة هي الأمل، وهي التي تحتاج إلى حضانة ورعاية.
وعندما نقرأ التأريخ ونتأمل
صفحاته؛ نجد هناك شخصيات غيرت مجرى التأريخ، كوكبة من عمالقة التأريخ تألقوا في
شتى بقاع الأرض، بما قدموه للبشرية من إنجازات عقولهم الباهرة، فكم من شاب غيّر
مجرى العالم بأسره!
إنَّ هذه الأزمة
المستعصية المتمثلة بحالة الشباب الفوضوية، كيف يمكنها أن تنفك عن حياتنا اليومية؟
كيف يمكننا أن نحمي هذا الكم الهائل من الشباب، أمام إغراءات كثيرة، تقف عائقاً
أمام تقدمهم؟ إنَّ تربية الأبناء، والبيئة العائلية، تأتي في المقام الأول لحماية
الشباب من الانحراف والتهور، متمثلة بالوسائل التوجيهية التي يقدمها الآباء
لأبنائهم، فليست الشدة، والمراقبة المستمرة، والتوبيخ، هم الوسائل الناجحة! فهذا
يجعل الشباب يلجأ إلى ممارسة الممنوع، ﻻ من جهة أخرى أن تكون العائلة منفتحة،
لدرجة عدم وجود مراقبة، تؤدي إلى ضياع الشباب وتهورهم. كل ما نحتاجه هو المرونة
بين التوجيه الصحيح، والحرية المطلقة.
إن زرع حب الله في قلوب
الشباب، يبعث في نفوسهم الشعور بالسكينة، والطمأنينة، فالإنسان مهما كانت ديانته، فهو بحاجة إلى الاتصال بالله، وبذلك الاتصال سيراقب
الإنسان أفعاله قبل مراقبة البشر له. إضافة إلى تعزيز الثقة والعزة في نفوس
الشباب، ومساعدتهم على اكتشاف ذواتهم ومواهبهم. هذا وإن للصحة النفسية دوراً
رئيسياً للحفاظ على هذه الفئة، وممارسة الرياضة -دونما شك- فهي تساعد على إبعاد
التوتر والإجهاد من حياتهم.
إن للصحبة دوراً رئيسياً
للحفاظ على هذه الفئة. شبابنا يحتاج لصحبةٍ حسنةٍ، والبعد عن قرناء السوء ووسوستهم
التي تجعل الشباب عرضة لأيِّ فكرةٍ تنسجم مع هوى النفس الثائرة، إضافة إلى وسائل
التواصل الاجتماعي التي شكلت الخطورة الأكبر على الشباب، فقد تجاوزت آثارها
السلبية نظيرتها الإيجابية، التي أصبحت من المعتذر السيطرة عليها، فكان من الضروري
توعية الشباب وتحذيرهم من مساوئها واستخدامها بشكل صحيح. وأخيراً ثقيف الشباب
بالمبادئ والقيم الإنسانية والشرعية التي حثت عليها الأديان السماوية كافة، وفهم
مكنونها الحقيقي.
إن الشباب هم القوة
التي بها تبنى الأمم، و بطاقاتهم نسعى لتغيير العالم. فكم نحن بحاجة إلى أن نصحح
مسار بعض الشباب من الانحراف، وكم يفتقر شبابنا اليوم للنصح، فلا تيأس من نصحك
الدؤوب، فالنصيحة كنقطة الماء المكررة، تستطيع أن تشق حجراً. فحافظ أيُّها الأب
وأيتها الأم على جوهرتكم الثمينة، ولا تتجاهلوا قيمتها. وكونوا قدوةً لأبنائكم،
فنحن في زمنٍ يفتقر لتلك القدوة الحسنة. وتذكروا أن أبنائكم أمانةً استودعها الله
فيكم وستسألون عنها يوم القيامة.
#نور_الهدى_يوسف
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
ما بين الضياع والطمأنينة
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار