احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

25‏/07‏/2018

العراق البَرِيّ وفشل التجربة الديموقراطية

الكاتب: حسن فاضل



«العراق البَرِيّ وفشل التجربة الديموقراطية»

        شهِد العراق ومنذُ زمن بعيد تجارب حكم مختلفة، وما كان يدوم منها هو الحكم ذو الطابع الاستبدادي والدكتاتوري منه على وجه التحديد، إذ أنه كان يستقر لأطول فترة ممكنة ويتمكن من ضبط الأوضاع الداخلية في هذا البلد والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة ابتداءً من الحجاج ووصولاً إلى صدام حسين. وبالرغم من كون النماذج السالفة الذكر سيئة السيرة إلاّ أنها تمكنت من ضبط الأوضاع الداخلية في البلاد، لا بل إن بعضهم حقق مكانة إقليمية وعالمية مهمة للعراق في العالم، في حين إن التجربة الديمقراطية في العراق التي بدأت بعد (9/4/2003م) لاقت فشلاً ذريعاً بسبب عدم انسجام الشعب العراقي مع هذه التجربة، وعلى الرغم من مرور خمسة عشر عاماً على انطلاقتها، إلاّ أنها فشلت في تصحيح وضع العراق وعلى مستويات كافة، بل ازداد سوءاً ووصل إلى أدنى مستوياته اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، فلماذا لم تتمكن هذه التجربة من النضوج حتى الآن؟
الجواب: هو هناك الكثير من العوامل لفشل هذه التجربة كالفساد، والمحسوبية، والوعي الشعبي بالديموقراطية، لكن العامل الأهم وهو محور هذه المقالة يتمثل بطبيعة الشخصية العراقية الميالة إلى الثبات والاستقرار والمتأثرة بالكاريزما والقصص البطولية والأبطال؛ فالفرد العراقي بطبيعته لا يُبجل الشخص الضعيف، ويزهو أيما زهو بالفخر والبطولة، كما إنه يُعجب بما يعتبره مواقف شجاعة لقيادته فنلاحظ أنه مع كل أزمة سياسية، وكل موقف صارم تتخذه شخصية سياسية بموقع المسؤولية؛ فأن هذه الشخصية تكون قادرة على حيازة شعبية كبيرة في غضون وقت قصير جداً.
هذه الصرامة والشدة في التعامل مع أمور الحكم هو ما يبحث عنه الفرد العراقي، فقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات على النمط الغربي عموماً، لا توفر مثل هذه الصرامة ولا تُعد جذابة للفرد العراقي؛ لذلك فإننا نجد حتى على مدى الخمسة عشر سنة الماضية أن العراقيين اصطفوا خلف انتماءاتهم ليس لشيء، بل لمواقف قادة بعض تلك الأحزاب الطائفية الصارمة تجاه الطائفة الأخرى مما جعل المنتمين لطائفة تلك الأحزاب معجبين بقيادتها.

تُرى لماذا يفضل الشعب العراقي قيم البطولة والقائد الكارزمي.
ببساطة يكمن الجواب بالطبيعة الجغرافية البرية للعراق كبلد بري شبه مغلق جغرافياً، يملك إطلالة صغيرة على البحر مما جعل المجتمع العراقي أقل ميلاً للتغيير (التغيير سمة أساسية بالديموقراطية) وأكثر ميلاً للاستقرار (سمة أساسية للاستبداد) لكن كيف ذلك؟!
يُجيب علماء الجيوسياسة على ذلك بالقول: إن الشعوب البحرية (أي الشعوب التي تسكن بالقرب من السواحل البحرية) تكون أكثر ميلاً للتحرر والتغيير، وذلك بفعل طبيعة حياتهم التي يفرضها عليهم موقعهم الجغرافي، فمن يركب البحر ويتحمل صعابه يكون أكثر رغبة بالحصول على الحرية ومتغير المزاج لذلك فهو يميل للتغيير، أما الشعوب البرية الحبيسة (التي تسكن في مناطق لا تقع على البحر) فهي شعوب أكثر استقراراً وثباتاً بفعل طبيعة حياتها التي يفرضها الموقع الجغرافي، فهي شعوب تميل للمحافظة على التقاليد وثباتها ناجم عن سكنها قرب الأنهار وعملها بالزراعة، فالزراعة علمت الشعوب القديمة على الاستقرار لأن المزارع عليه أن ينتظر ليحصد ما زرع في أرضه ليكسب قوته من ثم يعمل على زراعتها مجدداً أما البحّار فهو غير مضطر للانتظار لكسب قوته فعمله بالبحر ولاسيما في الصيد والتجارة يمنحه الفرصة لكسب قوته (1).
وهذا هو السبب الرئيسي لكون الشعوب البرية هي شعوب ذات مجتمعات محافظة (المجتمع العراقي محافظ) والشعوب البحرية ذات مجتمعات متحررة(بعض المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأمريكي)، مما يعني أن تجربة سياسية تقوم على التغيير المستمر لا تتناسب مع طبيعة المجتمع العراقي الذي يميل لقيم الاستقرار والثبات والمحافظة والبطولة ولا ينجذب للتغيير المستمر.
وهذا هو أحد أسباب فشل الديموقراطية في العراق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): للمزيد من الطلاع على علم الجيوسياسة يُنظر: الكسندر دوغين، أسس الجيوبولتيكا مستقبل روسيا الجيوبولتيكي، ترجمة: عماد حاتم، بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2004.


إقرأ أيضا

العراق البَرِيّ وفشل التجربة الديموقراطية
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة