احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

24‏/02‏/2018

((تبدلات شكل الصراع في المنطقة العربية))


الكاتب: عبدالله ناهض



      بعد دخول الصراع الدائر في المنطقة العربية عامه السابع على التوالي، سيما في كل من(سوريا، اليمن، ليبيا)، لا شيء يلوح في الأفق ينبئ بأفول أو انتهاء هذا الصراع، وكلما لاحت فرصة استبشرت الشعوب خيرا علها تحمل معها راية السلام، فبعد هزيمة تنظيم(داعش) في العراق واقتراب هزيمته النهائية في سوريـــا، والذي كان يعد بمثابة العصا التي تمنع العجلة من الدوران، حسبما تعلنه على الملأ القوى الإقليمية والدولية؛ لكن واقع الحال يقول عكس ذلك، الذي يعبر بكل وضوح عن ذلك التنافس المحتدم بين كل القوى المتصارعة على النفوذ في المنطقة، الذي كان يدور بشكل غير مباشر أو كما يسمى في أدبيات علم السياسة(الحرب بالوكالة)، وكان(داعش) أحد اطراف هذه الحرب إضافة إلى عدة جماعات مسلحة مدعومة من هذه الدولة أو تلك تحت مختلف الذرائع، فمثلًا المعارضة السورية المسلحة(الجيش الحر) مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وقطر والسعودية، وهدفها المعلن العمل على إسقاط نظام(بشار الأسد)، بينما تدعم روسيا وايران في الجهة المقابلة الجماعات المناوئة لتوجهات المحور المدعوم أمريكيًا كحزب الله اللبناني وبعض الفصائل العراقية المسلحة التي تقف إلى جانب النظام السوري.

      على الصعيد اليمني؛ الأمر لا يختلف كثيرا عن الوضع في سوريا، إذ على الرغم من تنازل الرئيس اليمني الأسبق(علي عبد الله صالح) عن السلطة لنائبه(هادي عبد ربه منصور) بناءً على ما أقرته المبادرة الخليجية حينها كحل للوضع في اليمن بعد خروج تظاهرات حاشدة ضد صالح ضمن موجة الربيع العربي؛ إلا إن ذلك لم يؤدي إلى حلحلة الأمور، بل زاد الأمر تعقيدا متحولا إلى صراع مسلح بين الأطراف المختلفة على الساحة اليمنية، وأيضا يقف وراء هذا الصراع التنافس بين كل من المملكة العربية السعودية وايران، فالمملكة لا يروق لها وجود النفوذ الإيراني بالقرب من حدودها، فضلا عن أن ايران تريد أن تكون(سكينة خاصرة) للسعودية في اليمن إن جاز الوصف، مما أدى إلى دخول اليمن في صراع دامٍ أحرق الحرث والنسل والأرقام تتحدث عن الأف القتلى والجرحى، وملايين من الجوعى والمشردين.


    أما على الجانب الليبي؛ تمر ليبيا ومنذ تدخل حلف شمال الأطلسي فيها في أذار(2011) والذي أودى إلى سقوط نظام(معمر القذافي)، في حالة من الحرب شبه الدائمة بين الفصائل المسلحة التي كانت بالأمس يجمعها هدف مشترك، ألا وهو العمل على أسقاط القذافي وقد تحقق هذا الهدف بمساعدة الحلف، بيد أنها اختلفت فيما بعد بينها على الكيفية التي من المفترض أن تكون عليها ليبيا ما بعد القذافي، والذي أدخل البلاد في مرحلة صراع مسلح بين هذه الفصائل طيلة سبعة أعوام، مما أدى إلى تدمير البلاد وتوقف شبه تام للحياة فيها، وهو ذات الوقت يعكس الخلاف بين المحاور الخارجية التي تدعم كل منها طرف معين يتفق مع مصالحها، فمحور مصر والإمارات والسعودية يدعم طرف البرلمان في الشرق الليبي وحكومة(عبدالله الثني) فضلا عن دعمه لقائد الجيش(خليفه حفتر)، يجمع هذا المحور هدف مشترك، ألا وهو العداء لتيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين، يقف على الضفة الأخرى المحور التركي-القطري الداعم للإخوان المسلمين في ليبيا، بالتالي أنعكس هذا الخلاف بين المحاور الإقليمية على الواقع الليبي سلبا.


       مع استمرار حالة الصراع هذه وعدم قدرة أية جهة داخلية على حسمه لصالحها ولصالح الطرف الخارجي الذي يدعمها، أخذت الأطراف الخارجية الداعمة للجماعات الداخلية سواء أكانت إقليمية أم دولية تنغمس شيئا فشيئا في مستنقع المنطقة العربية، بعد أن طال أمد هذا الصراع، مما أصاب هذه القوى باليأس بسبب استمرار عدم حسمه، وكذلك ازدياد مخاوفها من أن تؤدي الأوضاع في أية لحظة إلى تبدلا في الصراع على الأرض لغير ما تهدف هي أليه، أيضا أخذت هذه الصراعات تنعكس سلبا على أمن الدول المجاورة كتركيا الجارة لسورية التي شهدت عدة تفجيرات في العام الماضي، والحرب اليمنية التي أخذت تؤثر على الأمن الخليجي قاطبة، أما الصراع في ليبيا، فبالإضافة إلى انعكاساته الأمنية السلبية على الدول المجاورة كمصر وتونس والجزائر، أضحت دولة عبور للمهاجرين غير الشرعيين العرب والافارقة القاصدين الوصول للقارة الأوربية من خلال إبحارهم عبر البحر الأبيض المتوسط، وعن طريق السواحل الليبية التي تمتد على مسافة(1900 كم) وهو أطول سواحل الدول التي تطل على البحر البيض المتوسط مستغلين حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ سقوط القذافي، مما يعني تأثير هذه الأزمة حتى على القارة الأوربية.

     فهذه روسيا الاتحادية منغمسة في الجغرافية السوريا بشكل مباشر، منذ أن قرر الرئيس الروسي(فلاديمير بوتين) التدخل في سوريا عام(2015م)، ذلك لتزايد المخاوف الروسية من سقوط حليفها في دمشق(بشار الأسد) علي يد قوات المعارضة المدعومة أمريكيا وتركيا وخليجيـــــــــــا، مما يعني ضمنا خروج سوريا من ميدان النفوذ الروسي، وكذلك وهو الأهم قد تفقد روسيا قاعدتها العسكرية في ميناء طرطوس السوري على البحر الأبيض المتوسط، وهي الوحيدة لها في المنطقة، بالتالي ذلك يعني انتهاء أي وجود روسي في المياه الدافئة، التي دائما ما كانت-المياه الدافئة- تقع ضمن المدرك الاستراتيجي للروس ليس اليوم فحسب؛ بل منذ العهد القيصري.

    فضلا عن ايران، والتي لم تخفِ دعمها اللامحدود سياسيا وعسكريا واقتصاديا للنظام السوري، منذ اللحظة الأولى التي اندلعت فيها شرارة القتال على الساحة السورية ذلك لعدة أهــداف؛ فسوريا تقع ضمن الخط الاستراتيجي الذي يريد الإيرانيون رسمه، والذي ينطلق منها مرورا بالعراق وسورية وصولا إلى لبنـــــان، والذي يطلق عليه بعض المختصين وصــــــــف(الهلال الشيعي)، وقد بذلت ايران الغال والنفيس أن صح التعبير من أجل هذه الاستراتيجية، وكذلك فهي ترى في الجغرافية السورية ساحة متقدمة للصراع بينها وبين الدول المختلفة المتنافسة معها في المنطقة، كالمملكة العربية السعودية، وإسرائيل، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما وأن النظام السياسي في ايران يواجه ضغوطا كبيرة من قبل المعسكر الغربي، ذلك لتحييده عن سياسته التي يصفها الغرب ومعه السعودية بالعدائية، وكذلك بسبب دعمه للعديد من الحركات المسلحة التي تقف بالضد من إسرائيل كحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينيـــــــــــــــة، وإن قل دعمها للأخيرة؛ بسبب مواقفها من النظام السوري وعدم دعمها له بعد ثورات الربيع العربي التي لم تسلم منها سورية.

     يمنيا؛ نجد أن المملكة العربية السعودية منغمسة بشكل مباشر في الصراع اليمني منذ ثلاثة أعوام، تحت غطاء التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية التي يمثلها الرئيس اليمنـــــــــي(هادي عبد ربه منصور)، ولا حل يلوح في الأفــــــــــق، بالنظر إلى التعقيد الذي يشهده الواقع اليمني، الذي يشكل خارطته الحوثيون وداعمهم ايران من جهة، وأنصار الشرعية كما يطلقون على أنفسهم وداعمهم الإقليمي السعودية، التي على ما يبدو أنها قد تورطت في المستنقع اليمنــي، الذي يخبرنا التاريخ عنه بأنه(مقبرة الغزاة)، وتجربة مصر فيها إبان عهد الرئيس الأسبق(جمال عبدالناصر) ليست عنا ببعيد.

     المستجد في الصراع ولوج تركيا بشكل مباشر فيه؛ ذلك بعد إعلانها البدء بعملية عسكرية تركية بالتعاون مع الجيش الحر تحت مسمى "غصن الزيتون" منذ(20 كانون الثاني 2018م) في منطقة عفرين السورية ذات الغالبية الكورديـــــــة، والتي تحاذِ حدود تركيا الجنوبية، الغرض من هذه العملية حسبما أعلنته القيادة التركية، الوقوف ضد التنظيمات المسلحة التي تعدها معادية لها لا سيما قوات سورية الديمقراطية-الكوردية- المدعومة أمريكيا، وكذلك محاولة منع أية خطوة قد تؤدي إلى قيام كيان كوردي محاذً لها يكون نواةً لدولةٍ كورديةٍ مستقبليةٍ، وهو أكثر ما تخشاه تركيا، لا سيما وأن فيها عدد كبير من الكورد الذين يتطلعون لقيام الدولة الكوردية الكبرى، تشمل كورد المنطقة الموزعين بين أربعة دول وهي(تركيا، العراق، سورية، ايران)، وهو ما يعد مخالفا لاستراتيجية حليفها الأمريكي اتجاه المنطقة، الذي لم يتوانى عن إعلانه الوقوف ضد العلمية العسكرية التركية، عادا أنها سوف تؤدي إلى تشتيت الجهود الرامية إلى القضاء على تنظيم(داعش).

     تركيا التي كانت بداية الأزمة السورية وحتى قبل ثلاثة سنوات، تطالب بضرورة رحيل النظام السوري عن السلطة، ودعمها للمعارضة السورية المسلحــة، لكن بعد أن بدء الصراع على الساحة السورية يأخذ منحى آخر، أضحى معه-الصراع- يهدد تركيا نفسها لا سيما تلك التهديدات التي تتعلق بتصاعد المطالب الكوردية بقيام دولتهم، لذا تبدلت الاستراتيجية التركية حيال سوريـــــة لا سيما بعد محاولة الانقلاب ضد الرئيس التركي(رجب طيب أردوغان) فـــــي(تموز2016م)، فبعد أن كانت تقف مع المحور الأمريكي المضاد للنظام السوري وداعميه روسيا وايران، أخذت تتجه نحو المحور الروســــــــــــــــــــــــي-الإيراني، بعد تلاقي مصالح كل من هذه الأطراف حيال رؤيتهم للوضع الســــــــــوري، وكذلك بعد تضاؤل ثقة الأتراك بحليفتهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي يرى الحزب الحاكم في تركيا حزب العدالة والتنمية، أنها دعمت من وراء الكواليس محاولة الانقــــلاب، وأيضا بسبب إيوائها الداعية التركي(فتح الله غولن)، الذي يعده أردوغان المحرك الرئيس للانقلاب في الداخـــل، فضلا عن تزايد مخاوفها من تبني الأمريكان لخطط تهدف إلى تفكك المنطقة لدويلات صغيرة، سوف لن تكون تركيا بمنأى عنها.

    أيضا من المستجدات الأخرى في المنطقة؛ تصاعد نبرة الخطاب المتشدد الذي تقوده المملكة العربية السعودية وإسرائيل وداعمهم الرئيس الولايات المتحدة الأمريكية حيال ايران وحلفائها، تصاعدا أفضى إلى شن إسرائيل حملة جوية داخل الأراضي السورية، استهدفت عدد من القواعد العسكرية فيها، ردت على ذلك سوريا بإسقاطها طائرة حربية إسرائيلية في(10 شباط 2018)، والتي كادت أن تؤدي إلى قيام مواجهة عسكرية مباشرة سوريا-إيرانية من جهة وإسرائيلية من جهة أخرى، لولا قيام الرئيس الروسي بوتين بمهاتفة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو محذرا أياه من مغبة الإقدام على أية عملية عسكرية إسرائيلية داخل سوريا، وذلك حسبما رشحته بعض الوسائل الإعلامية. وعلى الرغم من ذلك تبقى كل السيناريوهات مطروحة، لا سيما وأن إسرائيل لا تخفي قلقها المتزايد من التواجد الإيراني على الأراضي السوريا، مخاوف أكدها نتنياهو في مؤتمر ميونخ للأمن الذي عقد في الفترة(16-18 شباط 2018)، مؤكدا أن دولته سوف لن تبقى مكتوفة الأيادي حيال هذا الخطر.

     لذلك يتزايد حجم الصراع في المنطقة العربية، متحولا من المواجهة غير المباشرة إلى المواجهة المباشرة بين المحاور المتنافسة، بعد إن عجز وكلائهم من الجماعات المسلحة عن حسم المواجهة لصالح أي طرف، بالتالي أخذت كل الأطراف ذات العلاقة سواءً روسيا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو تركيا، أو ايران، أو إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، تنغمس شئيا فشئيا بشكل مباشر في حلبة هذا الصراع، الذي على ما يبدو سوف لن يتوقف، طالما أن حجم المصالح متباين بشكل كبير بالنسبة لكل طرف.
يبقى الخاسر الوحيد هو دول وشعوب المنطقة وعلى وجه التحديد(الــــــــعراق، وسوريا، واليــــــــمن، وليبيا)، دولا دمرت بشكل شبه كامــل، التي أضحت ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، وما يفترض بشعوب منطقتنا العربية اليوم؛ هو الوقوف والتوحد ضد كل ما يحاك ضدها من خطط ترمي إلى تفكيكها والعبث بمقدراتها، لم علينا أن نكون حطبا لحربا تهلك الحرث والنسل في بلادنا؟، ولم نكون بيادق بيد هذه الدولة أو تلك تحت ذرائع واهية؟، لنتفكر قليلا والسلام.

الاسم الكامل: عبد الله ناهض عباس.
الولادة ومحلها: (1991م)/ العراق/ محافظة بغداد.
التحصيل الدراسي: طالب ماجستير/ كلية العلوم سياسية/ قسم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.
الحالة الاجتماعية: غير متزوج.
السكن الحالي: بغداد.

إقرأ أيضا

((تبدلات شكل الصراع في المنطقة العربية))
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة