"الشخص الحساس للغاية"

الكاتبة: نور الهدى كناوي

     كنت قد قرأت سابقاً عدة مقالات عمّا يسمى بشخص عالي الحساسية، لكن لم يخطر لي أن ألتقي بشخص واقعي أو بعبارة أصح الحظه ملاحظة دقيقة، كونه أحد طلاب صفي.

      طالبي الهادئ الخجول يتميز عن زملائه بأنه يميل للمراقبة بصمت لأني أعرف أن هذا النوع من التصرفات طبيعي لشخص عالي الحساسية (highly sensitive person)، لكن هل الشخص الحساس للغاية " مصطلح علمي؟.
    كما اتضح بعد عملية البحث من قبل العلماء أن الحساسية هي صفة فطرية ومصطلحها العلمي (حساسية المعالجة الحسية)sensory-processing" sensitivity" مختصرها 

(sps).

هؤلاء الأشخاص يتمتعون بصفات خاصة وأهمها
أمتلاكهم حياة داخلية معقدة وغنية ويميلون بعمق إلى الفنون والموسيقى، يجدون صعوبة في القيام بأعمالهم بسهولة حين يتم ملاحظتهم (مراقبتهم)، لديهم حساسية عالية للألم والكافيين (اي يستجيب بشكل أكبر إلى آلامه الجسدية، أو يتأثر بشكل أكثر بالمحفزات)، حين تتحدث معهم لديهم ملاحظة عالية للتغيرات الحسية تتناغم مع الأحاسيس الجسدية الداخلية. كما يكون هؤلاء الاشخاص ذوي ضمير عالي، يتأثرون بمشاكل الاخرين وقصصهم.

هناك أسباب بايلوجية لجعل صفات هؤلاء الأشخاص مختلفة:(١)

1- عقولهم تملك جهاز عصبي حساس مع عتبة أدني للعمل وهذه الاستثارة المفرطة تساهم في زيادة التفاعل العاطفي، عتبة أدنى للمعلومات الحسية (على سبيل المثال ينزعج من الضوضاء والضوء الساطع) وزيادة الوعي بالأشياء اللامرئية (على سبيل المثال يلاحظ الروائح بسرعة)
2- هناك أيضا تغيرات على مستوى الدماغ الكلي، فالمناطق المرتبطة بهذه الصفة تتداخل الى حد كبير مع مناطق الدماغ التي تدعم التعاطف، حيث أن (انسولا- Insula- وهي منطقة من الدماغ في عمق القشرة الدماغية) تكون مفرطة النشاط وهذا يفسر إدراكهم المتزايد لحالاتهم العاطفية الداخلية والإحساس الجسدية، وفرط النشاط يفسر حساسيتها للألم والجوع والكافيين .
3- هناك ايضا بعض الأدلة الأخيرة على ان هذه السمة تتعلق بالجين 5 (HTLPR) (جين السيروتونين) المتورط في العديد من الحالات النفسية مثل الإكتئاب.(٢)

بعد ما عرفناه عن الحساسية العالية يأتي السؤال هل الحساسية عالية تؤثر على تعايش هؤلاء الأشخاص مع الأخرين؟، وجد العلماء أن الأطفال الحساسين بالخجولين والهادئين بينما الشخص البالغ والحساس يوصف بالإنطوائية، من المهم أن نلاحظ ليس كل الأشخاص الحساسين إنطوائيين وخجولين في الحقيقة 30% فقط من الأشخاص ذو الحساسية العالية (HSP) يكونون إنطوائيين. (٣)

كيفية التأقلم مع الحساسية العالية؟

1- التقليل من عدد المحفزات الشديدة في البيئة المحيطة (تقليل الأشياء التي تسبب الحزن والألم)
2- ترتيب المهام والتقليل منها في حال تراكمها (لأنك شخص يحصل على توتر شديد بسرعه)
3- تجنب الأرهاق من خلال ملاحظة علامات الإنذار المبكر مثل الشعور بالضغط والقلق.
4- كتابة الأفكار والمشاعر العميقة على الورق حتى لا تجعل دماغك ضبابي وأفكارك مشوشة.
5- حاول تصفية ذهنك بالتأمل لتخلص من الحساسية العالية للألم وهذا يعلمك أن تعترف أن الألم هو مجموعة من الأحاسيس، فتتوقف عن وصف كل مشاعرك دفعة واحدة بالألم .
6- الاستفادة من ابداعك: رسم،لون أو الكتابة .
7- الاستفادة من استعدادك لتعاطف أعلى في تعزيز علاقاتك لتصبح أفضل زميل في العمل ولضمان قيمة الذات الخاصة بك .
8- حاول التعايش مع شخصيتك الحساسة ولا تشعر بالخجل منها ابداً
9- كن صادقاً في استعدادك لتكون ذا حساسية عالية خاصة في العلاقات الوثيقة .
10- لا تنس تسليط الضوء على الجوانب الايجابية في حياتك، فالإنسان المتعاطف ذي التفكير العميق، قادر على رؤية الأشياء من منظور مختلف.

     يمكننا القول ان الحساسية المفرطة ليست مرض، فنحن بشر علينا ان نكون مختلفين ابتداء من تركيباتنا الداخلية و الخارجية والنفسية، و أنتهاء ببصمة أصابعنا التي تميز الواحد منا عن الأخر، هذا الأختلاف يولد هذا النسيج المتكامل لكل شيء داخل الكون، لهذا علينا أن نتقبل ذواتنا كما هي، وأن نبحث عن أولئك الذين يحبوننا كما نحن بحساسية مفرطة أو بجدية صارمة، ، ثم نبحث عن الوسائل التي تتناسب مع تركيبتنا سواء على صعيد الشخصي كالعلاقات أو على الصعيد العام كالعمل وتفاعل مع المحيط الخارجي.

     فهمنا لأنفسنا واحتياجاتها هي بداية إنشاء علاقة وثيقة مع داخلنا، فأن استطاع المرء أن يفهم ما يدور داخله سيتمكن من تحصينه ثم يكون أكثر سعادة، أشد قوة في مواجهة تحديات الحياة المختلفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

١- Homberg, J.R., Schubert, D. Asan, E. & Aron, E.N. (2016). Sensory porcessing sensitivity and serotonin gene variance: Insights into mechanisms shaping environmental sensitivity. Neuroscience and Biobehavioral Reviews. 71, 472-483.

٢- Aron, E.N., Aron, A., Jagiellowicz, J., 2012. Sensory processing sensitivity: a review in the light of the evolution of biological responsivity. Pers. Soc. Psychol. Rev.16 (3), 262–282.

٣- Pluess, M., Boniwell, I., 2015. Sensory-processing sensitivity predicts treatment response to a school-Based depression prevention program evidence of vantage sensitivity. Pers. Ind. Differ. 82, 40–45

   

الاسم الكامل: نور الهدى كناوي

التحصيل الدراسي : بكلوريوس علوم كيمياء 

تولد: ١٩٩١  

السكن: الحلة/بابل

 الحالة الاجتماعية: عزباء

Tweet

إقرأ أيضا

"الشخص الحساس للغاية"

4/ 5

Oleh Unknown

Unknown في فبراير 22, 2018 التعليقات