احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

16‏/12‏/2017

"الإلحاد موضة الشارع"



الكاتبة: شوق وحيد محمد



                 "الإلحاد موضة الشارع"

           يشهد المجتمع في هذه الفترة تزايداً في أعداد الملحدين بين أفراده وخاصة الشباب، على الرغم من مظاهر التدين التي تطغى عليه، لأسباب ومبررات عديدة تدفعهم إلى التشكيك، والتساؤل حول كثير من الأمور المعلقة دون إجابات، على الرغم من نظرة البعض له على إنَّه ظاهرة دخيلة على المجتمع العراقي، وغير حقيقية، وإنَّها مؤقتة بسبب الجهل، واللاوعي، والفقر، والفساد، والقتل، والتهجير، في حين لايعتبره آخرون"إلحاداً حقيقياً"، بل"ثقافة إلحاد"!.

         لربما كانت هذه الظاهرة، ردّة فعل دفاعية، على ما حصل ويحصل من أمور خارج إدراك الإنسان، وخارج مدى إستيعابه، وحلًا أسهل رغم صعوبته يتَّبعه معظم الأشخاص، حتى أولئك الذين ينكرون وجود الإله جملةً وتفصيلاً وبدلائل علمية، فهم لايفعلون ذلك إلّا لإيجاد حجج منطقية تشعرهم بالإطمئنان لصحة معتقدهم، وتجذب عبر المناقشة كماً أكبر من"المهتدين" لذلك المعتقد، خوفاً من الوحدة وترسيخاً أكثر له شأنهم في ذلك شأن أي إنسا
ن.

         إنتشرت هذه الظاهرة مؤخراً بسبب الإنفتاح الفجائي الذي طرأ على البلد، والذي شأنه شأن كل الأمور الأخرى، جلبَّ معه سلبيات تساوي الإيجابيات التي عاد بها علينا إن لم نفقهها.

         إنَّ مواكبة هذا الإنفتاح دون التسلح بما يكفي من الأدوات الضرورية للحيلولة دون إنتهاج طرقه السلبية المظلمة؛ هو ما جعل ما نحن عليه من تطور يتخذ شكلاً هدّاماً، على الرغم من مظاهر الترف التي نراها في بعض جوانب حياتنا.

         كأنَ الإنسانُ يُعبّر عن إعتراضه على بعض الأمور التي تحدث له، أو من حوله؛ والتي لا يجد لها تفسيراً واضحاً يشفيه، ويؤيد معتقده بالإيمان بالله أمام نفسه وأمام المحيطين به؛ بالإلحاد، ذلك إنَّ الإيمانَ موروثٌ في معتقداتنا، وليس ناتجاً في الغالب عن قناعةٍ تامةٍ ومعرفةٍ بنّاءةٍ. نحن نحاول أن نُثبت للمقابل بأنَّنا على حقٍ في إيماننا باللهِ، ما دام"يَهتمُ بنا ويَنحازُ لنا دونَ الغيرِ"، بل نحن أيضاً نحاول إثبات ذلك لأنفسنا، وما إنْ تسري الأمور بعكس ما نريد "كإنْ لا يُستجاب لنا دعاء، أو لا تتحقق لنا رغبة" حتى يبدأ التشكيك بداخلنا حول إمكانية وجود ذلك الربّ، الذي يُفترض به أن يعتني بنا، ويهتم لأمورنا، ويعكف على إرضائنا ليلَّ نهار مثلما يأمرنا بالإعتكاف لعبادته!، وإلّا فإنه من الأفضل أن ننكر وجوده لكي نستطيع الإعتماد على أنفسنا، ولكي لا نكون محطَّ مُسائلةٍ من قبل خصومنا حول حقيقة وجوده، خاصة وإنَّنا لم نلمس ذلك الوجود في موقف معين.

         إنَّ الخِواءَ الروحانيّ الذي سادَّ المجتمع مؤخراً لأسبابٍ عدةٍ كالنشئةِ الدينيةِ الخاطئةِ، والإتكاليةِ دونَ عملٍ، وكثرة التحريف، أحالَّ المجتمعَ إلى قسمين بحسب الجيل، فترى الجزءَ الأول من الملحدين من الجيل القديم؛ غالباً ما يكون إيمانهم سببي -أي مرتبط بمصلحة ما- شئنا أم أبينا، ما إنْ يشعر بأنَّ الله قد خذله في موقف ما -من وجهة نظره- حتى تراه يتهرب للتشكيك به، أو إنكار وجوده، ويقال نفسياً: "إنَّ إنكاره أسهل للتقبل من فكرة وجوده وعدم إهتمامه عند الإنسان"، إذ لايُعقل أنَّ الربّ الذي أعبده وأحبه موجود ثم يهملني، أو يسمح للظلم أن يقع عليَّ دون أن يحرك ساكناً!، ومن هنا تبدأ مرحلة البحث العلمي التي تدعم هذا الأمر بأدلة منطقية تبرر الموقف، وتدعم صاحبه في جدالاته مع نفسه ومع غيره.

        مِنْ بابٍ آخر أبناء الجيل الجديد مِمَن لم يشبوا عن الطوق بعد، وقد بادروا بالإنتقاص لفظياً من الدين أو بالإلحاد من باب الموضة والحداثة، ومِنْ بابِ الهروبِ أحياناً أخرى، فأمّا جماعة الموضة: فتراهم يصلّون ويتعبدون لكنهم يتلفظون بألفاظٍ مُسيئةٍ لغرضِ التسليةِ، أو كما هو رائج بين الأصدقاء، أو بسبب مناهضتهم لمظهر متدني يصدر عن المجتمع فيثير حنقهم لحظياً، ويدفعهم لإزدراء الدين لسكوته عن هكذا أمر، وأمّا الصنف الآخر -أي الهاربين-: فهم مجموعة من الشباب ذوي الوعي المحدود مِمَن يقرأون في إتجاهٍ واحدٍ، وكلما أزدادوا ثقافة في ذلك المجال، وعثروا على أمورٍغامضةٍ دينياً قد تنافي العلم والمنطق مما لم يتوصل عقلُ الإنسانِ له بعد، أو لم يسعَ -لقصوره- إلى ربطه بالدينِ أحياناً، وبسبب الإضافات غيرالمنطقية عبر التاريخ "والتي ساعدت على تحريف الدين"، أو الإنقسامات التي فرقت أحكام ذلك الدين، وأحالت أتباعه إلى فئات متناحرة يُكَذّبُ بعضها الآخر ويكَّفره، وغيرها... مما يدعو أولئك الشباب الأغرار إلى نبذ الدين بمجمله، وإنكار وجود ألله، أو الإساءة إليه، بدلاً من عناء الإنتماء لفئةٍ ما، خاصة وإنَّ هكذا إنتماء شأنه شأن الإنتماء العرقي بات سفاحاً مصاصاً للدماء!.

         وبذلك نرى بأنَّهم ينقسمون بالمُجمَل إلى جزء جاهل، وآخر خائف يحاول أنْ يَطمئنَّ بأيِّ طريقة، ولذا فهو يواصل الجدال ليعثر على ما يُشفي غليله، ويَبثَّ في روحهِ أمراً مؤكداً، بدليلِ إقدامهِ على الجدالِ لمحاولة إثبات وجهة نظره، غير إنَّ ما يُلاقيه من تَعنتٍ من جهة مجادليه، ومِنْ قذفٍ، وسبٍ، وتجاوزٍ لفظيٍ -إن لم يكن فعلي-، هو ما يزيد عناده، وإصراره، بل ويثبت له الكثير من آراءه ويسوغ له إنتهاجها والردِّ بمثل ما عومل به.

          ويُلاحظ مدى التفاوت في نسبِ الإحصائياتِ في الأعوامِ(2011-2012م)، حيث تظهر دراسة أعدها المؤرخ والباحث الأمريكي في القضايا المعاصرة في تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وأستاذ التأريخ في جامعة مشيغن«جون ريكاردو كول» نشرتها(شفق نيوز)* إنَّه: "يَعتقد إرتفاع نسبة الملحدين في العراق لعوامل عديدة أبرزها التطرف الديني، وإنَّ أبطال التوجه هم شبان عراقيون". ويرى «كول»: "إنَّ نسبة الإلحاد تصل إلى نحو(32%) لعدة عوامل ومنها: التطرف الديني، والصراع السياسي والمذهبي، ويضيف: على الرغم من المخاطر، والمحرمات في البلاد التي تمزقها الصراعات، فإنَّ شُباناً عراقيين يتجهون نحو الإلحاد". وتابع «كول»: "في إستطلاع للرأي صدر في نيسان(2011م) بين المواطنين العراقيين الإعتياديين منحوا الحرية في الإجابة على سؤال: (هل تؤمن بالله؟.) كانت الإجابات غريبة جداً حيث أجاب(67%) بنعم"، وإستدرك: "لكن نسبة(21%) كانوا متشككين".

        وأحتلَّ العراق وفقاً لدراسة نشرها معهد(
Gallup) الدولي أُعدت على مدى عام (2012م)، المرحلة السابعة عالمياً من حيث نسبة إنتشار التديّن، وقالت الدراسة حينها: إنَّ الإلحاد غير موجود في العراق. بينما نُشرت دراسة من قبل (المدى برس)** نصت على أن "العراق يأتي بالمرتبة السابعة عالمياً، بعد غانا، ونيجيريا، وأرمينيا، وفيدجي، ومقدونيا، ورومانيا، في نسبة انتشار التديّن لديه بنسبة(88%) من سكانه".

        وهذا إنْ دلَّ فإنَّما يدلُّ على مدى تحفظ الكثيرين حول إظهار توجههم الديني خوفاً من العواقب، على الرغم من إنَّ النسبة تزداد بتزايد الدوافع، والتي تتضمن تلك العواقب، إذ لا يتمتع الإنسان بحرية مناقشة الأفكار المتوارثة أو مخالفتها.

       إنَّ جزءً كبيراً من الحل بيد المتدينين، ذلك لأنَّ المجتمع تطغى عليه صِبغة التديّن، وبذلك فهو مطالب بإظهار ذلك، فلو عاد كلُّ واحدٍ منا إلى نفسهِ وأصلحها، وبناها بالطريقة التي أمر الله بها أو بطريقةٍ مقاربةٍ لها، ولو ربينا الأجيال المقبلة على حرية الرأي، والإختيار، والقرار، وتعدد الآراء، وقبول الآخر، وبناء علاقة سليمة بالله؛ غير مشروطة ومن دون وساطة، ولو دعونا الآخرين إلى ما نحن عليه من صلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، ولو تخلّقنا بأخلاق الأنبياء فعلاً، ولو التزمت السلطة الحاكمة اليوم "بإعتبارها سلطة دينية" بالعدل والمساواة في تشريعاتها وتنفيذها للقوانين، ولو التزمت برفع الظلم، خاصة ذلك الواقع بإسم الدين على أفراد شعبها، لشهدنا إنحسار هذه الظاهرة وإختفاءها.

         إنَّ الإنسانَّ مهما كانت قوته وعلمه، فإنَّه يحتاج إلى أنْ يؤمن بقوة أكبر منه، مشرفة على حياته تفسر وجوده ووجود الكون من حوله، وهذه فطرته التي فُطر عليها منذ الأزل، ومهما تعددت المسميات من حولنا واختلفت، فإن النتيجة تبقى واحدة، ويبقى الدين لله وحده، نعبده ونلجأ إليه في السراء والضراء بطريقتنا الخاصة، ولسنا مُطالَبين أن نُجبر أحداً على أن يقلِّد طريقتنا تلك، كما ولسنا أوصياء على مخلوقاته لنجبرهم أن يسلكوا ما سلكناه، وليس من حقنا أن نسيء لأحدٍ، أو نؤذيه بحجة خطأ إعتقاده، ولم يحدث أن خوَّل الله أحدهم للقيام بذلك، ولا حتى الأنبياء.
_________________
* شفق نيوز، موقع إلكترونية وصحفي تحريري.
** المدى برس، موقع إلكترونية وصحفي تحريري.

#شوق_الدرويش
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

نبذة مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسم الكامل: شوق وحيد محمد.
الولادة ومحلها: (1992م)/ محافظة القادسية (الديوانية).
التحصيل الدراسي: بكالوريوس علوم حاسوب ورياضيات/ جامعة القادسية.
الحالة الإجتماعية: غير متزوجة.
السكن الحالي: الديوانية.

إقرأ أيضا

"الإلحاد موضة الشارع"
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة