احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

29‏/09‏/2018

أميركا والآخرون

الكاتب: عبد الله ناهض



«أميركا والآخرون»

        للوهلة الأولى قد يتساءل سائل، بماذا تختلف الولايات المتحدة الأميركية عن بقية القوى الدولية الأخرى التي تأتِ بعدها من حيث امتلاكها لوسائل القوة، لماذا هي مسيطرة على أغلب بقاع المعمورة؟، ولماذا قواعدها العسكرية منتشرة في أغلب المناطق الاستراتيجية العالمية كالخليج العربي أبسط مثال؟، ولماذا أساطيلها، وبوارجها، وغواصاتها البحرية تصول وتجول في البحار والمحيطات عكس بقية الدول؟. فضلاً عن ذلك لماذا إنموذجها الثقافي واللغوي هو المتسيّد عالميًا، ومحط أنظار وتطلعات غالبية الشعوب؟ لماذا هذه الفرادة التي تتميز بها عن بقية الدول؟، أسئلة كثيرة تراودني عند الكتابة عن هكذا موضوع المهم، لا سيما ما يثيره الرئيس الأميركي(دونالد ترامب) من عواصف سياسية إن جاز الوصف في الوقت الراهن، أدخلت العالم في حراك سياسي حامٍ، اختلفت أطرافه بين مؤيد لسياساته كما المملكة العربية السعودية، والكيان الإسرائيلي، وبين متحفظًا بعض الشيء كما المملكة المتحدة(بريطانيا)، ورافضًا بالمرة كما روسيا الاتحادية، والصين. جعلني أرغب بشدة جعل مقالي هذا حول هذا الموضوع تحديدًا الذي دائماً ما يختصره الرؤساء الأميركيان وليس ترامب فقط بشعار "أميركا أولاً".

        يخبرنا التأريخ؛ أن معظم القوى الإمبراطورية التي توالت في حكم البسيطة، كان الفضل يعود لسيطرتها هذه، لأولئك الأفراد المهاجرون الذين تم استقطابهم من بقية الشعوب الأخرى، التي ربما كانت من ويلات الحروب الداخلية، أو الاضطهاد الديني وما إلى ذلك، عوامل تجعل من بعض فئاتها التي تتعرض للتهميش والظلم لا سيما العلماء، والمفكرون، والدارسين... إلخ، تبحث عن فرصٍ جديدة تحفظ كرامتها وحياتها، ولا خير من الدولة القوية السائدة في أي زمان، التي دائماً ما ترغب باستمرار سيطرتها وقوتها وتفوقها على منافسيها وأعدائها، بالتالي تريد الاستفادة -أيّما استفادة- من الخبرات التي تحملها الفئات آنفة الذكر، أبسط مثال تأريخي: الحضارة الإسلامية، التي كان الفضل لقوتها وحضارتها يعود للكثير من العلماء من ذوي الأصول غير العربية، كالفارسية، والتركية، وبلاد السند...إلخ.

        لم تغفل الولايات المتحدة الأميركية هذا الجزئية المهمة من التأريخ، لا سيما وإنها بلد تكون في الأساس من المهاجرين الهاربين من الاضطهاد الديني في أوربا في القرون الوسطى، لذلك لا غرابة في تسميتها "بدولة المهاجرين"، إذ يضم مجتمعها مختلف الأصول ومن شتى المشارب منها الأوربية، وأولئك من ذوي الأصول اللاتينية، والأفريقية، والأسيوية، والعربية والإسلامية عمومًا، واستمرت منذ نشأتها باستقبال المهاجرين الراغبين بأن يصبحوا مواطنين أميركيين، وتحقق للغالبية العظمى منهم ما أرادوه، وهكذا يندمجون ضمن المجتمع الأميركي، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولهم الحق في نيل كافة الحقوق، وممارسة حرياتهم الدينية والسياسية دون أيَّة عوائق، بل ويتسنمون أعلى المناصب السيادية في البلاد، أهمها منصب الرئيس الذي وصل إليه لأول مرة في تاريخ هذه الدولة رئيس من أصول أفريقية وهو(باراك أوباما)، وقبله (كونداليزا رايس) وزيرة للخارجية وغيرهم كثير، وهذا ما عجزت عنه القوى المنافسة لها كروسيا الاتحادية والصين، اللتان تؤمنان بخصوصيتهما القومية وهويتهما المتميزة عن بقية الشعوب، فضلاً عن ذلك يعود الفضل لاختراع أول قنبلة نووية أميركية لعلماء الذرة الألمان الذين فروا إلى الولايات المتحدة الأميركية، خشية من بطش النظام النازي حينها.
لهذا وغيره من المميزات، نجد أن غالبية من يرغب بالهجرة من بلاده ولا سيما دول العالم الثالث، تكون وجهته الأولى الولايات المتحدة الأميركية، لما تمنحه من فوائد للفرد المهاجر إليها لا سيما أولئك الذين يحملون مؤهلات علمية كبيرة، قد تسهم في زيادة القوة الأميركية وزيادة الفارق بينها وبين بقية القوى الدولية المنافسة لها. بينما لا نجد من يرغب بالهجرة للصين أو لروسيا الاتحادية، ونادراً ما يمر على مسامعنا أن شخصًا ما يرغب بالهجرة إلى هذه البلاد، التي لا تكن الود الكبير للغرباء، وهذا ما تتفوق فيه أميركا. إذًا ما أريد الوصول إليه هو: "أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن قوة عظمى بفضل قوتها الاقتصادية، والعسكرية، والتكنولوجية فحسب؛ وإنما يعود الفضل الكبير في ذلك إلى قيم التسامح الديني، والحريات الكبيرة التي تمنحها لأفرادها، وعدم التفرقة فيما بينهم، والتساوي في فرص المنافسة، ولا أفضلية لعنصر على أخر، ما يحكم هو الكفاءة والإخلاص في العمل للدولة الأميركية، والأيمان بمبادئها وقيمها".
لذلك هي تفوقت على بقية القوى المنافسة لها كالصين وروسيا، التي لن تصبح قوى إمبراطورية ما لم تتخلَ عن تعصبها القومي، ولنأخذ الصين كمثال بارز لاعتبارات عدة أبرزها: أنها في الوقت الراهن القوة الاقتصادية الثانية عالمياً، وقد تصبح الأولى في المدى المتوسط، فضلاً عن منافستها التكنولوجية للولايات المتحدة الأميركية، بيد أنها تفتقد لقوة الأنموذج الذين تتمتع به الدولة الأميركية، إذ ما هو حجم تأثيره الثقافي على الصعيد العالمي؟، هل لغتها عالمية؟، هل أنموذجها الثقافي مرغوب به؟، هل تقاليدها عالمية؟، الإجابة قطعاً لا، إذ من النادر ما نجد شخصًا يرغب بالعيش وفقًا للطريقة الصينية، بينما نجد الثقافة الأميركية هي السائدة، وأنموذجها الثقافي متسيّد وله اليد الطولى على المستوى العالمي، إذ من منا لا يرتدي الجينز؟، أو لا يأكل البيرغر؟، أو لا يشرب البيبسي كولا؟ أو لا يرغب بسماع الموسيقى الأميركية ومشاهدة أفلام هوليود ومشاهريها؟، أين الصين من هذا؟، أنا هنا لست في معرض الترويج للقيم الأميركية، بقدر ما أحاول أن الدولة التي ترغب بأن تكون قوة عظمى، لا بد لها من أنموذجاً مرغوباً به عالميًا، وإلّا فأن تأثيرها يبقى محصوراً في نطاق إقليمي محدد كشرق آسيا بالنسبة للصين، أو الشعوب السلافية بالنسبة لروسيا، والمفارقة حتى هذه الدول متأثرة بالأنموذج الأميركي، فالاقتصاد والقوة العسكرية والسياسية وحدها لا تكفِ، فضلاً عن المشكلات العديدة التي تعاني منه الصين، سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وعسكرياً، إذ ما زالت الولايات المتحدة الأميركية متفوقة عليها بشكل كبير في هذه الجوانب، لا يسعني ذكر الفوارق هنا، ولربما أفرد مقالة أخرى من أجزاء عدة في وقتًا لاحقاً، أخصصها بشكل دقيق لدراسة فروق القوة بين الدولتين، إذ أن هذا الموضوع نحتاج لأن نتعمق فيه، لا سيما في ظل ازدياد حمى المنافسة بين هاتين الدولتين، والحرب الاقتصادية التي أشعلها ترامب ضد الصين لهي خير دليل على ذلك.

#عبد_الله_ناهض

#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

إقرأ أيضا

أميركا والآخرون
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة