الكاتبة: شوق الدرويش
((العمل وحرية المرأة))
من الأمور التي يقتنع بها بعض شباب اليوم، ويتناقلونها كلوحٍ محفوظٍ، غير قابل
للمساس أو الخدش، على الرغم من حداثتهم المزعومة، نظرية التفكك الأسري وانعدام
الأمان المنزلي، الناشئ من جراء خروج المرأة ومغادرتها جدران المنزل، لغرض العمل
ونيل الوظيفة، والاستقلال المادي، الذي قادها إلى المطالبة بالاستقلال المعنوي،
والحرية، والعدل، وبقية المطالب المحرمة في موروثهم البائد.
وأكثر المناظر استهجاناً، هو ذلك
المتثاقف، الذي يزعم أنَّ بالإمكان أنْ تنتظر لتنال حقوقها في عقر الدار، عن طريقه
هو وأشباهه، كونه الفارس الذي يحمل راية الحرية، وفانوس (المطالب المستجابة)
السحري، الذي سيحقق غاياتها، ويطالبها بأنْ تصبر على ضيمها، وجهلها، وضعفها، في
سبيل الحفاظ على أركان الأسرة من الهدم، متناسياً رغم ثقافته أنَّ تلك القابعة تحت
سياط الذل، والاستبداد، والسخرية، لن تخلق جيلاً قويماً كما يرغب-بزعمه-، ليقدمه
لإلهه على أكمل وجه، فبحسب مصطفى حجازي: ((يتهرب الرجل من مأزقه بصبه على المرأة،
من خلال تحميلها كل مظاهر النقص والمهانة، التي يشكو منها في علاقته مع المتسلط
وقهره، والطبيعة واعتباطها، ولذلك يفرض على المرأة أكثر الوضعيات غبناً في المجتمع
المتخلف، إنَّها محط كل إسقاطات الرجل السلبية والإيجابية على حدٍ سواء، وهي تدفع
نتيجة لذلك إلى أقصى حالات التخلف، ولكنها من هوة تخلفها وقهرها، ترسخ تخلف البنية
الاجتماعية، من خلال ما تغرسه في نفوس أطفالها من خرافة وانفعالية ورضوخ))*، غير
واعٍ إلى حقيقة أنَّ إلهه (مجتمع ) المتغذي على الأجيال، الممتهن لهم، لا يأبه
لإنْ يكون طعامه وعبيده قيمين، بل إنَّ جهلهم وذلهم الذي ينتج عن خوف آباءهم منه،
وعبادتهم له رهبة ورهبة! هو ما يقيم أوده، ويقويه، ويمده بما ينتفع به من طاقة
البقاء، واستمرارية السيطرة والسطوة!.
تقوم هذه النظرية على أساس أنَّ هذه الطريقة في المطالبة بالحريات مستوردة
من الغرب الكافر المنحل، الذي لا يعترف بعادات، ولا يملك واحدة تخصه!، وبذا يفترض
بالمرأة أنْ تبقى حبيسة المنزل والصمت، منتظرة حضرة البطل المغوار، حلزوني السرعة
التطورية، أنْ يدق بابها ليوصل لها فكرة مجانية، أفضل من فكرة الغرب، تشتمل على
أمان، وعدل، أو على الأقل حقوق بأدنى حد، دون أنْ تتعب نفسها، ودون أنْ تزعج حضرته
بكفرانها المستورد، وأنْ تتحمل الاعتداء بأشكاله، والتجريح، والإهانة، والتحرش
المخفي والظاهر، كما وتتحمل القولبة المزاجية ممن حولها، فهذا يريدها طباخة
ماهرة، ومدبرة منزل كفؤة على أنْ تكون خبيرة تجميل من الطراز الأول-عفيفة!، وهذا
يريدها راقصة ماهرة في الأفراح -بشكل عفيف!، وهذا يريدها أنْ تربي الأطفال بأحسن
طريقة، على أنْ تظل صامتة بوجه الإله زوجها، الذي لم ولن يخطئ!...وهلم جرا…
(قيام الشخص بوضع نظرياته قبل أنْ يعرف
الحقائق، يمثل غلطة كبيرة، لأنه وبلا وعي منه، سيقوم بتعديل تلك الحقائق لتتفق مع
نظرياته، بدلاً من تعديل نظرياته لتتفق مع الحقائق)** وكوسط متهالك لا يعلم إلى
أين مسيره، يتطرف لماضيه كثيراً وقليلاً، يحتفظ الكثير من مثقفيه بقناعاتهم حول
الحلوى المغطاة وما شابه، ولكنه يسبغ عليها صفة التثاقف وغطاءها، عن طريق كتابه،
وفنجان قهوته الميمون!.
وفيما يثور الكثير من
البشر بوجه انعدام الجمال والبهجة فـ(كل تجارب الحب الخائبة على مر التاريخ تحولت
إلى موسيقى، أغانٍ، أفلام، روايات عظيمة، ورقصات...)*** فإن كل حرمان، وقتل روحي
قبل جسدي، وكل كبت، وجوع عاطفي ونفسي، وكل تحرش، وإيذاء، وتعدٍ، وكل قلة وعي
وإدراك، وقلة إرادة وثقة، وتمييز بين الأجناس في الأسرة والبيت قبل الشارع، وكل
انعدام مسؤولية يزرع في الأنثى منذ الصغر، وتربى عليه من أبويها، هي ما توصل اليوم
النساء إلى ما هن عليه من توحش، وتطرف في المطالبة بالحقوق، أو تطرف ومغالاة في
تقليد أقرب منفذ للحريات، حتى ولو كان سطحياً، كنوع من الثورة بوجه انعدام العدل.
فراقب تربيتك أيها المربي، راقب نفسك أيها الأب
المثقف، راقب مسؤوليتك الفردية!.
____________
*مصطفى حجازي-التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور،
ط (9)، صفحة(102).
**شارلوك هولمز: شخصية خيالية من تأليف آرثر كونان دويل- طبيب
أسكتلندي وكاتب مشهور- وتعد معلماً بارزًا في الأدب البوليسي وقد تم تحويلها إلى
أفلام ومسرحيات.
***عبد العظيم فنجان: شاعر وكاتب عراقي.
...............................
#شوق_الدرويش
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
((العمل وحرية المرأة))
4/
5
Oleh
Unknown
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار