احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

27‏/01‏/2018

النهاية الدراماتيكية للمنظومة البشرية


الكاتب: علي نجيب لازم
   

          ((النهاية الدراماتيكية للمنظومة البشرية))


        تعود البشرية مرة أخرى للتأكيد على ضعف بصيرتها، وتعطيل عقولها الذكية، والاستخفاف بما هو بعيد التأثير لمجرد أنه بعيد. يبدو أن لعنة الطبيعة الوحيدة هي عندما سُخرت لأجل البشرية. فلو سألت المعني بالسؤال عن المشاهد المتوقعة لنهاية الحياة على الأرض، وما هو التهديد الحقيقي للجنس البشري، لكان الجواب: الحروب، الأمراض، صِدام الكواكب، وغيرها الكثير من المشاهد، وهي بالفعل كوارث متوقعة ويجب أن تؤخذ على محمل الجد ولكنها في نفس الوقت قابلة للتعديل والمعالجة. لكن كيف نعالج ذلك المسبب القادم من الأفق؟ الذي بدأت ظلالهُ تخيم على كرتنا الأرضية، والذي يعد المولد الأول للفقر، الأمراض، الحروب، الكوارث الطبيعية، والمحدد الفعلي لنهاية البشر على الأرض، ألّا وهو ارتفاع درجات الحرارة تدريجياً وأبداً. وإنه إذا لم يبدأ التخطيط الجدي، والفعلي للحكومات على مستوى العالم لتدارك المعضلة، والوعي الحقيقي للأفراد، فحتماً سيكون المشهد الأكثر حقيقة، وعلمية لنهاية الإنسان ومأساته
.

       بدأت درجات الحرارة منذ أواخر القرن التاسع عشر بالزيادة بشكل ملحوظ، وترتفع أكثر سنويًا وبشكل تدريجي. حتى إن أعظم درجات الحرارة التي سُجلت حول العالم كانت في السنوات الأخيرة. ولو أردنا أن نستعرض أهم الإحصائيات منذ أول إنذار للخطر وكشريط تسلسلي مع الزمن، فإنَّ:
- درجة حرارة الأرض المتوسطة ازدادت بمقدار (0.75) درجة مئوية وذلك بالنسبة للفترة ما بين (1860-1900م) حسب سجل درجة الحرارة المقاسة آلياً (1).
- أرتفع متوسط درجة حرارة الأرض السطحية (0.95) درجة مئوية وذلك ما بين عام (1880-2016م) (2).
- تم تسجيل (16) سنة من أصل (17) سنة للسنوات الأكثر دفئاً في سجل(136) عاماً منذ عام (2001م)، باستثناء عام (1998م). ويحتل عام (2016م) المرتبة الأكثر دفئاً (3).
- تُشير الدراسات التي تعود إلى ما قبل بدء الثورة الصناعية كلّها -أي ما قبل سنة 1750م- إلى أنّ حرارة الأرض ارتفعت خلال آخر ثلاثة قرون بمقدار (1.1) درجة مئوية(4). لو تمعنت عزيزي القارئ في هذه الإحصائيات، مع تاريخها، والتي أجمع عليها غالبية علماء المناخ، والطبيعة، لأدركت مستوى الكارثة المرتقبة. حيث توقعت «اللجنة الدولية لتغيرات المناخ IPCC» بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين سيزداد متوسط درجة حرارة سطح الأرض بمقدار (0.3) إلى (4.75) درجة مئوية بالنسبة لمتوسط الفترة (5). (1986-2005م) وهي من النسبة التي قد تنهي الحياة تماماً.
لو أردنا أن نستعرض أهم الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع الهائل بدرجات الحرارة، والذي يمهد بدوره إلى تغيرات مناخية مرعبة، قد لا يستطيع الجنس البشري الوقوف أمامها، فيوم لا سلطة إلّا سلطة الطبيعة، سنجد أن السبب الأول والرئيسي هو ما يعرف بـ«الاحتباس الحراري Global warming».  وإليك عزيزي القارئ ما هو الاحتباس الحراري، وكيف يحدث، بشكل بسيط. تسقط أشعة الشمس على الأرض، وتبدأ الأرض بدورها من تربة، وأشجار، ومحيطات بامتصاص هذه الأشعة وبنسب على قدر احتياجها، وهي نسب ضئيلة مقارنة بالكمية الكلية للأشعة الشمسية الساقطة. إن ما تبقى من الأشعة ينعكس على شكل "أشعة تحت الحمراء" إلى الفضاء الخارجي تاركاً الأرض، ولو كانت العملية تقتصر على دخول وخروج الأشعة الشمسية فقط، لكان متوسط درجة حرارة الأرض (19ْ-) تحت الصفر، حيث لا حياة للإنسان في ظلها. ولكن وبفضل المهندس الذكي للأرض، وللكون عموماً، حيث كل شيء موضوع في مكانه بدقة وعناية، فإن الغلاف الجوي للأرض يحتوي على غازات تعرف بـ«الغازات الدفيئة Greenhouse gases» تتميز بقدرتها على امتصاص الأشعة التي تفقدها الأرض فتقلل ضياع الحرارة منها إلى الفضاء، مما يساعد على تسخين جو الأرض وجعله معتدلًا نسبياً، وبفضلها يصبح متوسط درجة الحرارة (14) درجة مئوية. إن أشهر الغازات الدفيئة المتواجدة ضمن الغلاف الجوي هي "بخار الماء، ثاني أوكسيد الكاربون، الميثان، الأوزون، وأوكسيد النتروز" وأكثرها تأثيراً في ظاهرة الاحتباس هذه هو "ثاني أوكسيد الكاربون". إلى الآن هذا ما عهدتهُ الأرض منذ قرون، ولكن ما إن قامت الثورة الصناعية التي أغتر بها الإنسان العظيم، وظن بها السيطرة على الكون كله، حتى بدأت نتائج الإفراط، وضعف البصيرة بالظهور جلياً على شكل إنذارات وخيمة. فبسبب عمليات الاحتراق في المصانع، والوقود الأحفوري (نفط، فحم، غاز)، ونمط الإنسان بصورة عامة الذي يعتمد على التقدم التكنولوجي الذي يتطلب طاقة أكبر، فحرق أكبر، من جهة، ومن جهة أخرى قطع الأشجار وإزالة الغابات. أدى ذلك كله إلى زيادة هائلة في غاز "ثاني أوكسيد الكاربون" في الغلاف الجوي. إن هذه الزيادة في الغازات الدفيئة وبسبب النشاط البشري يعني زيادة في امتصاص الأشعة المنعكسة من الأرض إلى الفضاء فوق الحد المسموح به، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل مفرط. وعليه فإن الاحتباس الحراري: ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بسبب زيادة نسب الغازات الدفيئة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي للأرض خلال آخر (100-200) عام.
- تركيز كل من "ثاني أوكسيد الكاربون CO2" و"الميثان CH4" في الهواء الجوي قد ازداد بنسبة (36%)، و(148%) على الترتيب منذ بدء الثورة الصناعية. تعد هذه المستويات أعلى من أي قيمة تم تسجيلها أو تحديدها في (650,000) سنة الماضية بناءً على البيانات المستحصلة من عينات جليدية(6).
- في بداية العصر الصناعي في منتصف القرن الثامن عشر، كانت تراكيز "ثاني أوكسيد الكاربون" في الغلاف الجوي حوالي (280) جزء في المليون. وبحلول منتصف عام (2014م)، وصلت تراكيز ثاني أوكسيد الكاربون لفترة وجيزة إلى (400) جزء في المليون(7).
- تعد عملية إزالة الغابات ثاني أكبر مصدر لزيادة "ثاني أوكسيد الكاربون"، ووفقاً لبحث نشرته جامعة ديوك، عندما تقتل الأشجار، فإنها تطلق الكاربون الذي تم تخزينه خلال عملية البناء الضوئي. ووفقاً للتقييم العالمي للموارد الحرجية لعام (2010م)، فإن إزالة الغابات تطلق ما يقرب من بليون طن من الكربون في الغلاف الجوي سنوياً (8).

      إن ازدياد نسب الغازات الدفيئة في الجو لم يكن بسبب نواتج الصناعة، والنشاط البشري فحسب، بل هناك عوامل طبيعية موجودة قبل الثورة الصناعية واستمرت بعدها، كالانفجارات البركانية، وتغير مدار الأرض حول الشمس عبر التاريخ وما ينتج عنه من تغير في كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض. ولكن هناك إجماع علمي على أنّ النشاط البشري كان مسؤولاً عن احترار مناخ الأرض خلال آخر خمسين سنة باحتماليّة مقدارها (95%). وأن (5%) تمثل عوامل طبيعية (9). بل إن وجودها ضروري لجعل مناخ الأرض معتدل في غياب نواتج الصناعة.
ماذا لو ارتفعت درجة حرارة الأرض بشكل مفرط؟
إن مشكلة هذا الاحترار العالمي، لا تقتصر على جعل الجو حارًا نسبياً كما يتوهم الكثيرون، بل إنه سيمثل أبشع سيناريو لنهاية الحياة على الأرض، وذلك لأنه يؤدي إلى تقلبات مناخية عديدة لا يمكن التنبؤ بها، ويبدو أننا بدأنا نلتمس هذه التقلبات منذ سنوات. اليوم في الوطن العربي تحديداً نعاني من الجو الحار مع أننا في ذروة فصل الشتاء! وأن تغير الجو من الحار إلى البارد لا يكون بشكل تدريجي، وإنما ينعكس في ليلة وضحاها. كما سيؤدي الاحتباس الحراري إلى كوارث زراعية وفقدان الكثير من المحاصيل، وكما نرى اليوم أن الاعتماد على النتاج الزراعي الطبيعي بدا نادراً جداً، بل إن أغلب ما يصلنا من مواد زراعية، مشبعة بالمواد الكيماوية. ومن أعظم ما سيخلفهُ ارتفاع درجات الحرارة هو الفيضانات بسبب ذوبان أجزاء كبيرة من الجليد في الأقطاب الشمالية والجنوبية وارتفاع مستوى سطح البحر. وحسب «وكالة ناسا الفضائية» تعاني القارة القطبية الجنوبية من ذوبان بالجليد يقدر بحوالي (118) بليون طن سنويًا. وأن كلاً من آيس لاند وكرين لاند يعانيان من ذوبان جليد يقدر بحوالي (281) بليون طن سنويًا. بينما يخسر المحيط الهادي (13.2) كم مربع تقريبًا من حجمه كل عشر سنوات (10). وهذا يعني دمارًا شاملًا للكثير من المناطق وغرق الكثير من الجزر والمدن الساحلية. كما ستزداد العواصف والأعاصير، حدوث موجات جفاف وتصحر مساحات كبيرة من الأرض. مما يجعل البشرية تنحصر في مساحات معينة من الأرض، وبالتالي سيكون البقاء فيها للأقوى. ومن نتائج الاحترار العالمي أيضاً: انتشار الأمراض وأكثرها (الأزمة Asthma) و(الحساسية Allergy) بسبب الزيادة في نسبة حبوب اللقاح في الجو، وحدوث اضطرابٍ في أنواع الحياة مثل الشعاب المرجانية، الذي يؤدي إلى انقراض العديدِ من الأنواع، وكذلك زيادة معدل تلوث الهواء وانتشار البعوض.
- كان الحديث عن موضوع الاحتباس الحراري في بداية ظهوره يجابه بالكثير من السخرية، ونظريات المؤامرة، وعدم الاهتمام من الكثير من دول العالم الأول نفسها. ولذلك كانت التحركات بطيئة جداً نسبة إلى خطورة المشكلة. فحتى عام (1995م)، قامت الدول المشاركة في المؤتمر الدولي المعروف باسم «مؤتمر الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ UNFCCC» بعقد مؤتمراتٍ من أجل تنشيط الاستجابة العالمية لتغير المناخ. في عام (1997م)، تم وضع «بروتوكول كيوتو» في اليابان والذي قام بالإلزام القانوني للدول المتطورة من أجل خفض نسبة الانبعاثات. وبدأ الالتزام به في عام (2008م) وانتهى في عام (2012م)، وفترة الالتزام الثانية بدأت في (1/1/2013م) وسوف تنتهي في عام 02020م)، إلّا أنَّ المشكلة بدأت تتفاقم مع مرور الزمن، وأصبحت الحلول التي تقدمها الحكومات لا تجدي نفعاً، ليتم الاتفاق في عام (2015)، على اتفاقية «باريس» في (12/12)، لتضع آخر خطوات التطور للأمم المتحدة لتغير المناخ، حيث قامت بوضع دورة جديدة لمقاومة تغير المناخ. وتنص اتفاقية باريس على المسارعة والتشديد على تقليل نسبة الكاربون المنبعثة في المستقبل. وأن أهم أهدافها ألّا تزيد درجة الحرارة عن (2) درجة مئوية خلال القرن الساري! وللصراحة إنَّ المشكلة لا يمكن أن تحل بعقد المؤتمرات وحسب، بل إنَّ فحوى القضية يتعلق بوعي كل إنسان يعيش على كوكب الأرض، بدون أي استثناء. يبدو أن البشرية اليوم تواجه التحدي الأكبر على مر تاريخها، ذلك لأنها تواجه أخطاءها، وتسرعها، وأنانيتها، وتكبرها على الطبيعة. فبالإضافة إلى توجيه الحكومات نحو استخدام الطاقة النظيفة وترك التسارع إلى من يصنع أقوى مفاعل نووي بين الدول، والتقليل من استخدام الوقود الأحفوري بأنواعه، ومنع الحروب، وتحسين البنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك فهناك دور فردي يجب أن يقوم به كل فرد من المنظومة البشرية جمعاء. تتمثل بالاعتماد على ما هو طبيعي أكثر، التقليل من استخدام التكنولوجيا، والآلات، وطرق المواصلات التي تعمل بالوقود، كذلك الاعتماد على الغذاء النباتي وتحسين سلوك الإنسان بصورة عامة. هنا تبرز معضلة المسألة، فكثير من الناس تعلم أدق تفاصيل الموضوع، إلّا أن محصلة التطبيق صفر، فالخطر ليس قريبًا على ذات الإنسان نفسه، فلا يشعر به إلّا من لديه تلك الرؤية البعيدة. هو أشبه بالمرض العُضال الذي يصيب الرجل عند دخوله بعمر الخمسين بعد ما كان ذلك الشاب الذي يأكل الأغذية غير الصحية، ويسهر إلى بداية الفجر، وينبذ الرياضة والحركة، فلا ينبهه جسمه عن خطر المرض. يستهزئ ضاحكاً من تعاليم الصحة وغيرها. حتى يصيبه المرض في آخر الطريق ولا علاج له. نعم، إنَّ البيئة اليوم في تحميل مستمر لهذا المرض العُضال الذي سيصيب الكرة الأرضية، والذي سينهي الحياة على الأرض، وينفي المنظومة البشرية، ولعلَّه بفنائها تسعد الأرض وتستعيد عافيتها! فهل سيتحد الجنس البشري أجمع، في عالم لم يتحد فيه من قبل أم هي حقاً النهاية الدراماتيكية للمنظومة البشرية؟
________________________________
(1): اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة وتتألف من ثلاثة آلاف من علماء المناخ، وماسحي المحيطات وخبراء الاقتصاد وغيرهم. وهي الجهة العلمية النافذة في مجال دراسة الاحتباس الحراري وتأثيراته.
Working group I, section 3.2.2.2 of the 2007 IPPC page 243
http://www.ipcc.ch/.../asses.../ar4/wg1/ar4-wg1-chapter3.pdf
(2): وحدة أبحاث المناخ الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي.
https://www.climate.gov/.../climate-change-global...
(3): وحدة أبحاث المناخ الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي / وكالة ناسا الفضائية
https://climate.nasa.gov/vital-signs/global-temperature/
(4): نفس اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC بواسطة:
https://www.britannica.com/science/global-warming
(5): اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC بواسطة:
https://www.britannica.com/science/global-warming
(6): مجلة الطبيعة العلمية:
https://www.nature.com/articles/315045a0
(7): الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بواسطة:
https://www.livescience.com/37003-global-warming.html
(8): نفس المصدر السابق.
(9): اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC بواسطة وكالة ناسا:
https://climate.nasa.gov/causes/
(10): وكالة ناسا الفضائية:
https://climate.nasa.gov/interactives/global-ice-viewer/#/

#علي_نجيب_المالكي
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

نبذة مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: علي نجيب لازم المالكي.
الولادة ومحلها: (1996م)/ البصرة.
التحصيل الدراسي: معهد نفط البصرة/ قسم الميكانيك.
الحالة الاجتماعية: غير متزوج.
السكن الحالي: بصرة.

إقرأ أيضا

النهاية الدراماتيكية للمنظومة البشرية
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة