احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

27‏/01‏/2018

تُراث... مُهدّد بالانقراض!

الكاتبة: آيات عادل اللامي




        "تُراث... مُهدّد بالانقراض!"

        الشناشيلُ المبهرة، الزخارفُ المنقوشة بفنٍ، وعناية فائقة، والمساحات الشاسعة، هي أهمُّ ما تتميز به البيوت التراثية القديمة في العراق، وأخصُ بالذكرِ البيوت البغدادية القديمة... تلك التي تعتبر الهوية الجمالية وألق المدن العراقية آنذاك بأحيائها وأزقتها الشعبية القديمة. من المؤلم أنْ نراها اليوم مُهملة، تشكو القِدم، والتآكل، بعد أن كانت رمزًا للجمال والإبداع الفني العراقي.

          تعود نشأة هذه البيوت والأزقة إلى بدايات القرن العشرين، وبعضها نشأت في نهايات القرن التاسع عشر، وقد كانت تمتلكها عوائل وشخصيات عراقية شهيرة، منهم النحات المعروف جواد سليم، إضافة إلى العوائل اليهودية التي كانت موجودة آنذاك والتي تركتها في مطلع خمسينات القرن الماضي، لتُستثمر حينها بصورة غير صحيحة ويتم إهمالها ثم يؤول الحال ببعضها إلى الهدم؛ في حين يفترض أنْ تصُب الدولة فائق اهتمامها بهذا التراث المميز وتجعله مكاناً سياحياً، أو تستغله بصورة أخرى تعود بالنفع على البلد ككل، سيما وإنَّ بغدادَ تُعتبر أسوأ مدينة للعيش(١)، فينبغي أنْ تُكرّس الحكومة كل طاقاتها المُمكنة للنهوض بواقع المدينة، كما تفعل بعض الدول ومنها لبنان التي أصبحت بعض أماكنها التراثية الواقعة وسط بيروت، والتي تعرضت إلى تدمير، وخراب شمل أغلب مبانيها القديمة جرّاء الحرب الأهلية التي نشبت هناك، مطلع عام(1975م)، أصبحت اليوم من أجمل مدنها والتي يطلق عليها (سوليدير) نسبة إلى الشركة الفرنسية التي أعادت تأهيلها.

        إنَّ الشناشيلَ أو البيوت التراثية تقف اليوم أمام تصدعات الزمن وإهمال المعنيين، رغم إنَّها ما زالت هناك بيوتاً صامدةً ومعاندةً من أجل البقاء، وإنْ تحوّل بعضها إلى مقرات لبعض المنظمات كمقر منظمة حقوق الإنسان سابقاً، أو أصبحت متحفاً يضم بعض المقتنيات القديمة، كمتحف الزعيم عبد الكريم قاسم الكائن في شارع الرشيد، فنجد بعضها أصبح مكاناً لا يحوي سوى النفايات!، والبعض الآخر مرتعاً للأنقاض، ومكاناً لخزن تجهيزات المحال التجارية!، كما هو الحال في شارع الرشيد، الذي يعد من أقدم، وأشهر شوارع بغداد والذي كان يعرف خلال فترة الحكم العثماني باسم شارع (خليل باشا) على أسم خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني، ويعتبر من أجمل شوارع بغداد لطرازهِ المعماري القديم، واحتواءه على تلك الأعمدة(الدنكات) التي يقارب عددها الألف ومائتين عمود ويحوي تراثاً وذكريات لا تنسى، وهو صورة أخرى للجيل الذي عشق الثقافة وصادق الكتب، وتغنى بالشعر، وترنم بأعذب الموسيقى، وسهر حتى الصباح تحت ضياء القمر... ذلك الجيل، الذي فارق الحياة رتلاً كبيراً منه، ما زال من بقي منه يسترجع تلك الأيام التي رحلت، يبدو إلى غير رجعة.
 
        شارع الرشيد اليوم قد أصبح مكاناً تجارياً بحتاً، يتجول فيه الباعة، والحمّالين، يضج بالصخب، وتتعالى فيه أصوات الآلات، والمكائن، والعُدد اليدوية!، تفتقر بناياته إلى أبسط أنواع الاهتمام ناهيك عن الرطوبة التي تنخر أعمدته.
هذا وقد أكدت أمانة بغداد إنها ستتخذ إجراءات مُشدّدة لمنع تحويل البيوت التراثية إلى مبانٍ تجارية، مشيرة إلى أنَّها حريصة على صيانتها، وترميمها، وإنَّها ستتخذ اللازم وفقاً "للقوانين" و"أنظمة البلدية" بحق المخالفين لمنع تحويلها إلى مبانٍ تجارية؛ حفاظاً على الإرث الحضاري والمعماري والجمالي للعاصمة بغداد (2).

       يُعزى السبب الأساسي لهذا الإهمال الكبير الذي تتعرض له هذه الشواخص المهمة -برأيي البسيط- إلى ضعف تطبيق القانون، وجشع أصحاب العقارات والأملاك، الذين لا يعترفون بتراثية أملاكهم وعقاراتهم تلك، بل يريدون التصرف بها حسب رغبتهم بما يحقق لهم استثمارها، والاستفادة منها بشكلٍ تجاري بحت، من دون اهتمامهم بهذا التراث، الذي يعيقهم من تحقيق الفائدة الربحية المرجوة منها. لذا يتحتم على المسؤولين المعنيين أن يأخذوا هذا الأمر بجدية أكبر ويسارعوا في إنقاذ تلك الشواخص المهمة قبل اندثارها بوضعهم عقوبات على كل من المُلّاك إن استغلوها مستقبلاً لأغراض ربحية بحتة، والتجار كذلك بعدم السماح لهم بمزاولة تجارتهم هناك، وينبغي أيضاً أنْ توفر الحكومة لهؤلاء الكسبة أماكن أخرى تؤهلها لغرض التجارة؛ سيما وإن هناك مساحات شاسعة غير مستثمرة، وليس عصياً أن يتم تحضير هذه الأماكن لأغراض التجارة وكسب الرزق. والأهم من كل ذلك يجب أن تُسارع أمانة بغداد والجهات التي تعنى بهذا الموضوع إلى إعادة ترميم ما تبقى من تلك البيوت لأنَّها تعتبر بمثابة كنز يجب المحافظة عليه ورافداً يغذي ثقافة، وسياحة البلد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): صنفت مدينة بغداد بأنها المدينة الأسوأ للعيش عالمياً
بحسب إحصائية أجرتها (شركة ميرسير)، إحدى الشركات الرائدة عالمياً للاستشارات، في بداية عام (2017م)، للمدن التي توفر أعلى مستوى لجودة الحياة استناداً إلى معايير مثل الاستقرار السياسي، والرعاية الصحية، والتعليم، والجريمة، والترفيه...الخ.
(2): موقع أخبار السومرية نيوز / 6 كانون الأول 2015م.


نبذة مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: آيات عادل اللامي.
الولادة ومحلها: (1992م)/ بغداد.
التحصيل الدراسي: بكالوريوس في القانون/ جامعة بغداد.
الحالة الاجتماعية: متزوجة.
السكن الحالي: بغداد.

إقرأ أيضا

تُراث... مُهدّد بالانقراض!
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة