احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

27‏/01‏/2018

العراق وعصر ما قبل الزراعة


الكاتب: مروان عدنان




     ((العراق وعصر ما قبل الزراعة))

         بعض الوقائع تثبت بالملاحظة دون الاستعانة بجداول الإحصاء ونتائج التقارير، ومن هذه الوقائع ما وصل إليه حال الزراعة في بلاد الرافدين، أرض السهل الرسوبي، وبلاد السواد والنخيل والسقي الديمي، فحالها اليوم لم يعد سارّاً بالمطلق، رغم مكابرة القائمين بأمرها وعناد السائسين مخصصاتها المالية وخططها. لأسباب عديدة على رأسها الفساد أصبح قطاع الزراعة في العراق في طور الانهيار التامّ بعد أن صار لا يلبي سوى تلك الأرقام الضئيلة من احتياج السكان بينما يتم الاعتماد على أرتال من الناقلات المبردة التي تعبر الحدود إلى الداخل العراقي محملة بما أنتجته أراض الدول المجاورة التي لا تملك أفضلُ هكتارٍ فيها خصائص أسوء متر مربع واحد في أرض العراق الخصبة.

        بداية نقطة تدهور الزراعة مع إقرار قانون الإصلاح الزراعي، بعد قيام الجمهورية العراقية في تموز (1958م)، إذ تمّ بموجب هذا القانون سحب يد ما كان يُعرف بـ"الإقطاع"، فبعد أن كان الواحد منهم يفرض سطوة ملكيته على مساحات زراعية واسعة، حصل الخطأ الأكبر بأن قسّمت الأراضي الكبيرة إلى مساحات أصغر، ووزعتْ على مزارعين صغار، غَلَبَ على طبعهم الكسل، لمّا لمسوه من دلال ورعاية من زعماء الجمهورية، خصوصاً أن الأحزاب المتنفذة يومها، كانت تنطلق في أدبياتها التثقيفية من دعم الفلاح والعمّال.
ولم يكن الحال بأفضل منه، مع امتداد الجمهوريين تحت مسميات حزبية وأيديولوجية مختلفة، فبالرغم من أن حزب البعث الذي وصل إلى سدة الحكم عام(1968م)، رفع شعارات من قبيل "الزراعة نفطٌ دائمٌ"، وشرع في تطبيق حزمة من القرارات، التي تدعم الفلاح، ولكن بقي الأمر الرئيسي غائباً عن الانتباه، ألّا وهو "الأراضي المقسمة"، فكان ينبغي مصادرتها من يد الإقطاع إلى يد الدولة، وليس تقسيمها على مزارعين لا آمر فوقهم ولا محاسب، وبالتالي أصبحت عملية إنهاء الإقطاع سبباً من أسباب تخلف الواقع الزراعي وإلّا لكان حافظ العراق على إنتاجه الزراعي الوطني، كما حافظت الهند على زراعة الشاي بذات الأسلوب المعتمد على المساحات الشاسعة، ولما انتهى الحال إلى أن تصبح الأراضي الزراعية أراضاً سكنية، في السنوات الأخيرة التي ضعفت بها سلطة القانون، فتحولت إلى أحياء كبيرة كواقع حال، من المستحيل أن تعود به الحكومة خطوة واحدة إلى الوراء. وإذا تجازنا خطيئة القانون آنف الذكر، سنصل إلى جملة عقبات شكّلت تحدياً حقيقياً للنهوض بالواقع الزراعي، منها شحّة المياه؛ إذ يعتمد العراق على نهري دجلة والفرات، وهذين النهرين ينبعان من خارج الحدود، وبالتالي فهما خارج السيطرة السيادية، مما يجعل ديمومة الاستفادة منهما ليست مطلقة كما كانت، وإنما تحتاج إلى اتفاقات جديدة أو تعديلها باستمرار، ومنها أيضاً أسلوب إدارة المياه، فنتيجة الفساد الهائل، تهدر الكثير من المخصصات المالية التي ترصد لهذا الغرض، وتتوزع بين جيوب المفسدين وبين التراب والوحل نتيجة غياب التخطيط، مما يمنع قيام مشروعات استراتيجية هامة. وليس يخفى عن نظر المتابع، العامل السياسي، وتأثير دول الجوار التي توجه لها أصابع الاتهام، باستخدام نفوذها للإسهام بتعطيل أي رغبة بتغيير الواقع الزراعي إلى الأفضل، على اعتبار أن ذلك يضعف من مردودها الماديّ بجعل السوق العراقية مكاناً استراتيجياً لاستهلاك منتجاتها. كذلك الحال مع الفساد السياسي والحكومي، إذ لطالما كان مرتعاً خصباً للكسب الشخصي السريع، فالكثير من السياسيين المتنفذين كان لهم دوراً بارزاً في الاستيلاء على بساتين نخيل ومزارع تقع على طرقٍ استراتيجية، فتمّ تجريفها وتحويلها إلى منتجعات سياحية وفنادق ومطاعم فخمة، وإلى محطّات تزود بالوقود، ومستودعات تخزين البضائع، كلّ ذلك تحت ستار القانون.

       في الختام نذكر تهديد وزير خارجية أمريكا (جيمس بيكر) مع اندلاع حرب الخليج الثانية عام(1991م)، إذ قال: سنعيد العراق إلى عصر ما قبل الصناعة! ليته صدق وأعادنا إلى العصر الزراعي الذي يسبق الصناعة!، ولكن هل تمّت إعادتنا دفعة واحدة إلى عصر ما قبل الزراعة؟
أيّ مستقبلٍ قاتمٍ ينتظرُ الأجيال العراقية القادمة بعد نضوب النفط؟.

#مروان_عدنان
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

نبذة بسيطة عن الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: مروان عدنان.
الولادة ومحلها: (1985م)/ العراق/ العاصمة بغداد.
التحصيل الدراسي: بكالوريوس تقنيات معلوماتية/ الكلية التقنية الإدارية/ بغداد.
الحالة الاجتماعية: متزوج.
السكن الحالي: بغداد.

إقرأ أيضا

العراق وعصر ما قبل الزراعة
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة