كُتّاب سومريون Sumerian Writers: جحيم الكآبة... معركة الذات

الكاتبة: إيلاف عباس الجبوري

((جحيم الكآبة... معركة الذات))

حليب أسود؛ استوقفني العنوان قبل أن أشرع بالقراءة، فلمَ الحليب أسود وهو بطبيعته أبيض اللون!؟ وما إن استرسلت عيناي القراءة لمعرفة الحكاية؛ حتى وجدته يحاكي ما راودني قبل عامين وثمانية شهور، حين تملك روحي الجني المدعى بـ"لورد بورتون" كما أطلقت عليه الكاتبة "أليف شافاق" في كتابها (حليب أسود)، عندما أُصبت بما يعرف علمياً بكآبة ما بعد الولادة.

واظبتُ حينها على قراءة فصول الحمل وما بعده... أثريتُ عقلي بكل ما هو مُلزم لراحة طفلي وشعوري بالاطمئنان. مررتُ مرور الكِرام على (فصل الكآبة) مع ابتسامة عريضة، أيُعقلُ إني أُصاب بها وقلبي يعد الدقائق بل الثواني لرؤية صغيري! خالف قلبي جمود الدراسات العلمية وجميع الأسباب الهرمونية المؤدية إلى نفق الكآبة. لكني أصبتُ بها... وكنتُ سعيدة حظ! فما راودني كان عرضي المكوث... كان كنقطة شاحبة وسط بحر من الهلاك، يغرق فيه الكثير من مرضى الكآبة.

جحيم الاكتئاب...

أفكرتُم يوماً بسُعار هذا الجحيم؟ أفكرتُم يوماً بحجم المعاناة التي يتكبدها المكتئب؟ العُتمة الأبدية الجائلة في رأسه؟ والآلام الجسدية المُنهكة لصحته؟

قلة من يفكر بهم ويسند ضعفهم... بل على العكس، سنجد الكثير ممن يقلل من شأنهم ومن مصداقيتهم في القول، بل وحتى اتهامهم بالجنون وبأن ارتيادهم لطبيب نفسي خطيئة بحق أنفسهم لا تُغتفر.

لعمق الموضوع وحساسيته المفرطة، والغامضة لغالبية أفراد مجتمعنا، قررتُ أن أنهل تفاصيله بدقة وعناية فائقتين، من صُلب حالة واقعية تحيطها جدران المرض... من أعماق شخص عانى وما زال يعاني من كأس الكآبة الوراثي. فقد أخبرني بمنتهى الأسى، وأبلغ معاني الصدق والشفافية: "بأنها تجعلهُ يشعر وكأنه في دائرة مُفرغة من البشر، بدولاب صدئ يدور به وحده دون جدوى، وكأنه عالق في نهاية العالم على حافة الخراب المحتم، يخوض السير بمفرده على بقاع الأرض. تتملكه رغبة عارمة بالبكاء على أتفه الأسباب، يشعر وكأنَّ رئتيه تفتقر إلى الهواء، وبأنَّهُ حبيساً لشعور سوداوي لا مهرب منه. أما الأشياء الجميلة فسرعان ما تفقد بريقها في عينيه، علاوة على شعوره باللامبالاة، وانعدام رغبته الجنسية، وعدم اكتراثه بمباهج الحياة. ناهيك عن الأرق، والنوم الغير منتظم، واهتياجه العصبي دون مبرر.

تقول "جوان رولينغ" مؤلفة سلسلة روايات (هاري بوتر): "بأن الاكتئاب هو أبغض تجربة مررت بها على الإطلاق. إنه انعدام تصور الشعور بالسعادة مرة أخرى. وأيضاً غياب الأمل كلياً. إنه الشعور بالموت، إنه مختلف تماماً عن الشعور بالحزن".

ويقول الكاتب والطبيب المصري "أحمد خالد توفيق" : "إن المرض الوحيد الذي يصحو فيه المريض مرهقاً بعد نوم تسعة ساعات كاملة هو الاكتئاب... كل الأمراض الأخرى بما فيها الدرن والسرطان يصحو مريضها من النوم أفضل حالاً".

الآن... وبعد هذه الحرب النفسية الطاحنة؛ تلك التي طرفي القتال فيها يقودهم ذات الشخص، في ساحة غير مرئية تستبيح نفسه وجسده في آن واحد... أصبح من المنطق والصواب أن أقم بتذكيركم ببعض النصائح الوقائية من تلك المعركة:
- وأولها دعم الأهل والأصدقاء، (فلمؤازرتهم وقع جيد في نفس المكتئب أو المهدد بالكآبة).
- ولا ننسى أهمية العلاج النفسي المبكر، (كي لا تتفاقم أعراض الحالة وبالتالي يصعب علاجها).

- مواجهة النفس بالكتابة المستمرة، (وهي آلية علاجية معروفة عند الأخصائيين النفسيين).
- السيطرة على النفس، والحد من القلق والتوتر، والابتعاد عن الأسباب المؤدية إليها قدر الإمكان.

وليكن ختامنا مسك؛ لا يسعني سوى ذكر آيات عظيمة من قلب القرآن الكرية... فهي المنجية السماوية الوحيدة، الطبطبة الإلهية الرحيمة التي حتماً ستهدئ من روّع الجميع...

افتح المصحف الشريف على الجزء السابع عشر، سورة الأنبياء، الصفحة رقم (٣٢٩). أراهن على إنها لن تأخذ من وقتكم سوى بضع دقائق.

أسأل الله أن ينعم قلوبكم جميعاً بالراحة والسلام، ووابل من الاطمئنان.

#إيلاف_عباس

#اتحاد_الشباب_العراق_لكتاب_المقالات

نبذة مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: إيلاف عباس الجبوري.
الولادة ومحلها: (1992م)/ بغداد.
التحصيل الدراسي: بكالوريوس في القانون/ جامعة بغداد.

الحالة الاجتماعية: متزوجة.

السكن الحالي: الإمارات العربية المتحدة.