احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

13‏/01‏/2018

السياسة الخارجية العراقية... بين الواقع والطموح



الكاتب: عبد الله ناهض




     ((السياسة الخارجية العراقية... بين الواقع والطموح))

      نعيش اليوم وسط عالم تتفاعل أحداثه ومشكلاته مع بعضها البعض؛ إذ ما يحصل في منطقة ما منه، لا يمكن أن يمر إلّا وانسحبت انعكاساته على بقية أرجاء العالم، أبرز شاهد على ذلك الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالولايات المتحدة الأمريكية في عام(2008م)، والتي لم تكتفِ في تأثيراتها على الداخل الأمريكي وحسب، بل امتدت إلى بقية أرجاء العالم. لعل أبرزها(الاتحاد الأوربي، روسيا الاتحادية، الصين، اليابان، دبي...إلخ)، وهذه كانت إحدى النتائج التي تحققت؛ بسبب ما أحدثته الطفرة التكنولوجية من تطور واختراع لمختلف الوسائل(الطيران، الاتصالات، التلفزيون، شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"، مواقع التواصل الاجتماعي... إلخ)، وغير ذلك من أحداث كالربيع العربي، والأزمة الأوكرانية، وانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي، فالعالم أصبح كما أطلق عليه عالم الاتصال "ماكلوهان"(قرية صغيرة) بفعل التطورات الهائلة التي مرت بها البشرية منذ بداية القرن العشرين وصعوداً، ولن تتوقف عند هذا الحدّ طالما العقل البشري مستمر في الإبداع. مع كل ذلك تطفو إلى السطح عدة أسئلة لعلَّ أبرزها: كيف لنا كبلد مواجهة كل ما يجري من تغيرات وسط هذا الفضاء سواء القريب أم البعيد منا؟، السؤال الذي سوف نحاول الإجابة عنه من خلال السطور القادمة.

بدايةً إذا ما اردنا الدخول في صلب الموضوع يفترض بنا تحديد تعريف السياسية الخارجية وماهية أهدافها، فهي كما يعرفها "مارسيل": (إنها ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج، أي يعالج بنقيض السياسة الداخلية مشكلات تطرح ما وراء الحدود)(1)، كذلك يعرفها "فاضل زكي محمد" على إنَّها: (تلك الخطة التي ترسم العلاقات الخارجية لدولة معينة مع غيرها من الدول)(2). أما من ناحية أهداف السياسية الخارجية، يمكن القول إنَّ أغلب دول العالم الصغيرة قبل الكبيرة جغرافياً إن لم تكن كلها، لديها هدفان رئيسيان ترمي إلى ضمانِهما من خلال سياساتها الخارجية هما: أولًا ضمان أمن حدودها، وثانيًا ضمان استقلالها وسيادتها على رقعة الأرض التي تحكمها، فضلاً عن عدد من الأهداف الأخرى (سياسية، اقتصادية، اجتماعية، عسكرية) تهدف الدول إلى تحقيقها كلٌ حسب موقعها وقوتها ضمن تسلسل الهرمية الدولية. فدولة بحجم الولايات المتحدة الأميركية، قطعاً تختلف في أهدافها الخارجية عن دولة مثل(البحرين، لبنان، بنغلاديش) لاعتِبارات عدةٍ، منها مساحتها الكبيرة وموقعها الجغرافي المتميز، وما تمتلكه من قوى(سياسية، واقتصادية، وعسكرية، واجتماعية، وبشرية، وثقافية) أهلتها لأن تكون الدولة رقم واحد في العالم، ولا سيما منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، التاريخ الذي شهد على تفكك منافسها أيام الحرب الباردة "الاتحاد السوفيتي".

أما بالنسبة للسياسة الخارجية العراقية ما بعد عام(2003م)، فهي تعاني من جملة تحديات ومعوقات ساهمت بشكل كبير في ضعف أدائها، منها تلك التي تتعلق ببناها المؤسساتية والفكرية والعملية، وكذلك بسبب ما تمر به البلاد على الصعيد الداخلي من ضعف على المستوى السياسي، والأمني، والاقتصادي، فضلا عن حالة اللااستقرار المجتمعي بين فئات الشعب العراقي كافة، كانت لها انعكاساتها السلبية على أداء السياسة الخارجية العراقية بعد الاحتلال، فكلما كان الداخل مستقراً وقوياً، كانت السياسة الخارجية فاعلة ونشيطة والعكس صحيح.
على الرغم من كل ما يمتلكه العراق من إمكانيات على كل الصُعَد فهو:

أولًا: من الناحية الجغرافية، يعد دولة كبيرة بمساحة تصل إلى(437) الف كم2، ذو موقع جغرافي متميز يقع في جنوب غرب قارة آسيا، ويشكل الجزء الشرقي من جغرافية الوطن العربي الكبير(3)، أوقعه قدره الجغرافي هذا بين ثلاث قوى إقليمية لها وزنها وحسابتها المختلفة، وهي(المملكة العربية السعودية، وإيران، وتركيا)، جعله طريقاً لمختلف قارات العالم القديم؛ مما أكسبه أهمية استراتيجية بالنسبة لكافة القوى التي تعاقبت في السيطرة على المنطقة من الإمبراطورية الفارسية، إلى الدولة الإسلامية العباسية، مروراً بالإمبراطورية العثمانية، والبريطانية، وأخيراً وليس آخرا الولايات المتحدة الأمريكية، ثانيًا: من الناحية الاقتصادية، يمتلك العراق ثروة طبيعة ضخمة من النفط والغاز الطبيعي تصل إلى(143) مليار برميل من النفط بما نسبته(11%) من مجموع الاحتياطيات العالمية، و(3694) ترليون م3 من الغاز الطبيعي ما يعادل(1,88) من مجموع احتياطي العالم من الغاز الطبيعي(4)، فضلاً عن الثروات الأخرى من الفوسفات والكبريت والنحاس والحديد، وأرضاً خصبةً ومياهً وفيرةً.
 ثالثًا: ديموغرافيا وفقاً لآخر الإحصائيات وصل عدد سكان العراق إلى نحو(40) مليون نسمة(5)، يُعدُّ هذا الرقم كبيراً قياساً بجغرافية العراق، بالتالي من الممكن استثماره بالشكل الأمثل في إعادة بناء الدولة؛ إذا ما تم تمكين أفراد الشعب، لا سيما الشباب الفئة التي تشكل غالبية الشعب العراقي.
 رابعًا: في حين يشكل المتغير الثقافي جانبًا مهماً من جوانب عوامل قوة العراق؛ فهو يمتلك عمقًا حضارياً يمتد لِآلاف السنين، إذ تعد حضارة وادي الرافدين من أقدم الحضارات التي تشكلت على وجه البسيطة ما قبل الميلاد، ومنه انطلق أول حرف للكتابة، إضافة لعمقه الحضاري الإسلامي متمثلاً بالدولة الإسلامية العباسية، إذ كانت بغداد حينها مصدراً ووجهةً لكلِّ من أراد أن يأخذ رشفة من العلم والمعرفة؛ لم تستطع الحكومات المتعاقبة على إدارة البلاد ما بعد(2003م)، استثمار ما يحوزه البلد من إمكانيات كبيرة وتوظيفها نحو بناء استراتيجية خارجية تكفل للعراق مصالحه الحيوية، فضلاً عن تحويله من موقع رد الفعل، إلى الفاعل والمبادر في السياسات الإقليمية، قياساً بما يمثله من ثقل في رقعة الشطرنج الشرق أوسطية والعالمية، وكذلك ما يمثله من أهمية بالنسبة للقوى العالمية المتنفذة على رأسها(الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا الاتحادية، الصين، فرنسا، ألمانيا) التي تحاول كل منها الفوز بقصب السبق على رقعة الشطرنج العراقية.

      بسبب التخبط الذي تعاني منه سياستنا الخارجية، أدى هذا إلى خسارتنا الكثير من القضايا على رأسها قضية الحدود، التي أهمها قضية ترسيم الحدود مع الجارة الكويت، وما أُثير في الآونة الأخيرة معها من أزمة ميناء(خور عبدالله)، وكذلك مشكلة المياه مع تركيا، والمشكلات الحدودية الأخرى مع إيران، فضلاً عن التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي العراقي من هذه الدولة أو تلك، هذا راجع إلى عدة أسباب؛ على رأسها الأزمات الداخلية المتوالية منذ الاحتلال التي عانى منها العراق، لعل أبرزها سقوط الدولة العراقية على يد الاحتلال الأمريكي، كان له تداعيات خطيرة على مستقبل البلد وكلفنا الكثير؛ فإعادة بناء دولة جديدة ليس بالأمر الهين، وهنا يحضرني قول "الإمام الخميني": (لقد بنينا النظام الجديد بحجارة النظام القديم)، كذلك الحرب الأهلية التي استمرت طوال ثلاثة سنوات، سيطرة(داعش) على بعض المحافظات العراقية منتصف عام(2014م) وما خلفه من مآسي جمة من الصعب تلافيها، كما لا يمكن إغفال مسألة الفساد السياسي والصراع على السلطة والنفوذ بين(أمراء الطوائف) إنْ صُحَّ الوصف، مستثمرين في ذلك أبشع الوسائل التي تكفل استمرارهم في السلطة، كاللعب على ورقة استمرار الانقسام بين فئات الشعب، اللعب على ورقة الوازع القبلي والشخصي، كذلك لا تفوتنا القضية الكوردية وما تمثله مِنْ تحدٍ كبيرٍ بالنسبةِ للدولةِ، إذ لليوم لم تقدر أية حكومة عراقية على التعامل الأمثل مع هذه المشكلة الأزلية، أيضاً ما يمثله عامل الكفاءة من أهمية بالنسبة لعمل السياسة الخارجية، إذ نجد غالبية من يعملون في السلك الخارجي، لا يتمتعون بأدنى أهلية تمكنهم من مزاولة هكذا مهنة حساسة، فنجد من هو مهندس أو طبيب برتبة سفير، أو حتى وزير الخارجية الحالي(إبراهيم الجعفري) خريج كلية الطب، وغيرها من الأمثلة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، أثرت على عمل سياسة العراق الخارجية. لماذا يتم وضع الشخص غير المناسب في مثل هكذا مكان حساس؟، ونحن نحوز على طاقات بشرية كبيرة من ذوي الشأن ترفدهم كليات العلوم السياسية في العراق، لهم دراية بخبايا العمل الخارجي، إلّا أنَّ الواقع يشير إلى احتكار هذا السلك من قبل عوائل وأقرباء المتنفذين في البلد، الذين لا خبرة لهم في هكذا مجال، بالتالي طغى عامل المحسوبية والمنسوبية على عامل الكفاءة والنزهة والعمل الاحترافي، وهذا الأمر ليس محصوراً في هذا الجانب، بل ينسحب على بقية الجوانب والدوائر الحكومية في الداخل العراقي، فضلاً عن ذلك من المثالب الأخرى بحق عمل السياسة الخارجية العراقية، هي قضية عدم وجود وحدة في الموقف العراقي الخارجي، إزاء أيَّ حدثٍ يحصل ما وراء الحدود، إذ نرى الكل يتدخل ويصرح ويندد بعيداً عن الموقف الرسمي العراقي، لا بل يتم عقد اتفاقيات وتبادل للزيارات واتخاذ للمواقف مع الدول الأخرى مثلما يفعل(إقليم كوردستان) وكأنَّه دولة مستقلة، مما أصاب سياستنا الخارجية في مقتل، وهذا راجع بالأساس إلى أن القائمين على شؤون البلاد لم يتبنوا الخيار الوطني الجامع لكل ألوان الطيف العراقي، لذلك أضحت كل قومية وطائفة وفئة ترى نفسها جماعة مستقلة بذاتها لا يعنيها الموقف الحكومي العراقي.

      أثرت هذه المأخذ على عمل السياسة الخارجية العراقية بعد الاحتلال، وما هي إلّا انعكاساً للواقع الداخلي غير المستقر؛ فإذا ما كان الداخل مستقراً من المفترض أن ينعكس ذلك بالإيجاب على عمل السياسة الخارجية والعكس صحيح.

       لذلك إنَّ مِنَ الأولويات المفترضة لإصلاح عمل السياسة الخارجية؛ تتمثل في إعادة هيكلة وزارة الخارجية بما يتفق وعنصري الكفاءة والنزاهة والعمل المحترف، وأن يتم رفدها بأصحاب الاختصاص، كذلك أن يتم العمل على توحيد الخطاب الخارجي العراقي، ومنع أيَّة جهة غير وزارة الخارجية والمتحدث باسمها أو باسم الحكومة، من الإدلاء بأيّة مواقف قد تضر بمصلحة العراق الخارجية، وهذا ما يضعف ثقة الأطراف الخارجية بمؤسساتنا الرسمية، وبدوره يؤدي إلى تزايد حجم التدخل الخارجي في الشأن العراقي، العمل على وضع استراتيجية خارجية بعيدة المدى ذات أبعاد وطنية، تهدف إلى ضمان مصلحة العراق الحيوية، تعزيز ثقة المواطن العراقي بمؤسسات الحكومة، من خلال دعم وسائل الرفاه الاقتصادي، حماية حقوق الأفراد، توفير الأمن والاستقرار، محاربة الفساد، تقوية دور القانون والانتقال بالدولة من سلطة قائمة على أسس فئوية، إلى مؤسسات قوية ووطنية لا هم لها سوى الوطن والمواطن بعيدا عن أية انتماءات فرعية، انتهاج سياسة خارجية بعيدة عن سياسات المحاور والوقوف مع طرف ضد آخر؛ لمّا لذلك من تأثيرات سلبية على الداخل العرقي، بحكم أن جيوبوليتيكية العراق وواقعه الديموغرافي الفسيفسائي(غير المتجانس)، يفرضان عليه تبني سياسةً خارجيةً تهتم بمصلحة الوطن فقط، ورأينا كيف كان للأزمة السورية من تأثيرات سلبية على الواقع العراقي، أفضى إلى وقوع عدد من المحافظات العراقية بيد(داعش)، وما هو إلّا نتيجة لعدم حسن تعامل الحكومة العراقية مع هذه الأزمة، التي كان من المفترض التعامل معها على أساس النأي بالنفس وعدم الوقوف مع طرف على حساب طرف آخر، تحديد موقف العراق من القوى الدولية الكبرى بما يتفق والمصلحة الوطنية العليا.

      كل هذا وغيره من شأنه لربما يؤدي إلى تعزيز مصالح العراق، وينبغي هنا توضيح نقطة مهمة ألّا وهي: إنَّ قراراً سياسياً خارجياً خاطئاً يُكلف الدولةَ ثمناً كبيراً، وما قرار احتلال العراق للكويت عام(1990م) عنا ببعيد، إذ ما زال الشعب العراقي يعاني من ويلات هذا القرار غير الصائب حتى وقتنا الحاضر، فكم دفعنا من تعويضات مادية، هذا من غير التدمير شبه التام للبنى التحتية من جراء عملية(عاصفة الصحراء) التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية حينها لإخراج القوات العراقية من الكويت تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي(678)، والحصار الجائر الذي فرض على البلد منذ عام(1991م) حتى الاحتلال الأمريكي للعراق في عام(2003م)، الذي خلف خسائر على المستوى المعنوي للشعب العراقي قبل أن يكون مادياً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

1- نقلاً عن: سعد حقي توفيق، مبادئ العلاقات الدولية، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، 2009، ص12.
2- نقلاً عن: محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مكتبة النهضة المصرية، ط2، القاهرة، 1998، ص7.
3- ظاهر محسن هاني الجبوري، الموقع الجغرافي للعراق6، كلية الآداب، جامعة بابل(11/3/2013)، 13:45:21، على الموقع الإلكتروني، www.uobabylon
4- التقرير الإحصائي السنوي، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول(اوابك)، 2016، ص8-16.
5- باسل عباس خضير، ارتفاع عدد سكان العراق إلى 40 مليون نسمة، شبكة الأعلام العراقي، 26يوليو 2017، على الموقع الإلكتروني، www.imn.iq

#عبد_الله_ناهض
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

نبذة بسيطة عن الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: عبد الله ناهض عباس.
الولادة ومحلها: (1991م)/ العراق/ محافظة بغداد.
التحصيل الدراسي: طالب ماجستير/ كلية العلوم سياسية/ قسم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.
الحالة الاجتماعية: غير متزوج.
السكن الحالي: بغداد.

إقرأ أيضا

السياسة الخارجية العراقية... بين الواقع والطموح
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة