عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني
العراق بلاد الرافدين سياسة مقالة سياسية مقالة وطنية وطنية
"عراقُ الحضاراتِ
سَيبقى وطني"
مقال بقلم
"حسين أكرم غويلي"
أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مما في
العالم أو في تلك الضمائر النائمة، لا أدري متى يحين موعد استيقاظها، أو أنها قد
لا تصحو أبداً، وخلت إلى سباتٍ عميقٍ، وأحلامٍ تغرقها حد الانعزال عن كل ما يدور
حولها. ما سأكتبه شيء قليل مما يغلي في صدري وصدور كثير ممن لا يملكون غير دعوات
ترفع لربِّ السماء، راجون من الله أن ينقذ تلك التربة المخضبة بدماء الأنبياء
والأولياء (تربة العراق). بل ويدعون الله أن يقبل دعائهم، تلك التربة الطاهرة التي
لم يُقَدر لنا نحن النائمون من رؤيتها، أو حتى الاستيقاظ ذاتَ يومٍ على صباحاتها
المشرقة أو التقاط نفس ممتلئ بعبير أزهارها، أو الترنم بتغريد عصافيرها الملونة.
هذا لو بقيّ فيها أزهاراً، وبقي فيها عصافيراً بغير ذلك اللون الأحمر لونُ الدمِ
الذي ما عادت تزدهر إلا به، وصوته الذي قُطِعَ وما عاد له أثر، حتى وإن لو زال فيه
شمساً تُشرق بدون دخان. كان ذاتَ يومٍ شمساً تُحَيي ذاك القلب الصافي، قلب تلك
الأمِ التي كانت مساءً تعد العجين لتصنع منه خبزاً تالي يوم، وأولئك الصغار حينما
يركضون فرحاً لمعلمهم، لمدرسهم بسعادةٍ وشعورٍ جميلٍ. نحن لم نعشه سوى في بداية
أيامنا في الطفولة ثم تلاشى، لكن معهم قد يستمر إلى أن تقتل تلك الفرحة بلا سابق
إنذار ولا موعد حين تختطف أنفاسهم البريئة من ذاك المفترس (أعداءُ البلادِ من
خارجه وخونةُ البلادِ من داخله) أيُّ ذنبٍ ارتكبته تلك البراعم التي لم تعرف للنضج
معنى كي تنهش لحومهم بتلك الوحشية، ماذا فعل ذاك الأبُ عِمادَ البيتِ، هل كان كل
ذنبه أنه يتعب نهاراً لكي يرى ابتسامات صغيرة ترسم على شفاه فلذات أكباده ليلاً
لأشياء بسيطة تفرحهم، نحن لو تُهدى لنا لا نلقي لها بالاً أو حتى ذرة اهتمام كم أن
حياتهم جميلة قبل ذلك البلاء الذي اجتاح أرضهم بالاحتلالِ لتربةِ أرضهم ولوّنوه
وزغرفره وسموه بـ (التحرير من دنس الطاغية) لوثوا تلك الأرض الطاهرة التي هي من
أقدس البقاع التي عرفها التاريخ يوماً لكن مهما زرعوا فيها من عملاء خونة وأعداء
ومن أشواكٍ وقنابلٍ ومشاعرٍ حاقدةٍ مهما كان سواد قلوبهم طامساً هما اغتروا وضحكوا
مهما سلبوا من أراضي وأرواح بريئة مهما قتلوا من ضحكات وصنعوا لهم من أوجاع وحرمان
وفقد مهما فعلوا بكِ يا تُربة الطهرِ الحبيبة أنا موقنٌ بأنكِ تُخبئين سراً، سراً
ليس ككل الأسرارِ، سراً حينما يأتي ستشرق شمسكِ في قلب سمائكِ الصافية، ستعود
عصافيركِ لتحلق عالياً... عالياً بألوان تفوق الألوان بهاء، سوف يتعطر جوكِ يا
تربتنا بعبقِ أزهاركِ، ولن تنام تلك الأم الطيبة حتى تلطخ يديها بدقيق القمح وتنهي
رغيفها كي لا ترى تلك الأفواه الصغيرة جائعة صباحاً، وكذلك ذاك الأب سوف يعود
لبيته بعد نهار عمل أضناه لكنه سينسى كل ذاك التعب بمجرد رؤية وجوه براعمه الصغيرة
مبشرة بفرحٍ، وحلو ابتساماتهم. غداً يا عراق هل يحق لنا أن نتبع اسمك بعودة علوك
وشموخك وجبروتك مرةً أخرى كما كنتَ سابقاً وأكثر؟ هل ستستعيدُ عافيتك من جديد؟ هل
ستعاود شروق شمس البهاءِ فيك مجدداً؟ ونحن نعاهدك سنقف في وجه أولئك الملاعين،
أولئك الذين لا ينتمون حتى للبشر، كنّا نرى ألمك، نسمع صراخك وأنينك، نشعر بنغصاتٍ
في قلوبنا نأسى لحالك رغم ذلك لم نفعل شيئاً لنبعد تلك الكلاب الضارية عنك وعن كل
عراقيٍ طاهرٍ حاب أرضك بدمائه الزكية خوفاً على أهله وبيته وعِرضهِ ومقدساتهِ
وأرضهِ قبل روحه التي قد تلتف حول عرش الرحمن بأيِّ لحظة، هل تسمح لنا يا عراق
بصلاةٍ في جوفِ الليل وأدناه، وفي صحوي النهار وفجراه لبقائك موحداً كالجسدِ
الواحدِ تحتوي تربته الطاهرة الزكية أجسادنا بعد الفناء؟
عراقٌ أنت
مُلك العراقيين السابقين والحاليين واللاحقين، لن تصبح ولو لحظة مُلكاً لأحدٍ ما،
بل ملكاً للجميع. وإن قضى أولئك الأوباش
أعداءك وخونتك وعملاء الشرذمةِ ممن أتوا من خارج الحدودِ عنك تمزيقك والنيل منك
ومنّا، فالله حارسك وحارسنا يا عراق، دنياك منذ خَلّقت سماءك وأرضك يقتل وينهب من
أجل أن يمتلك حفنة من ترابك الطاهر، فليذهب كل خسيسٍ يُريد النيلَ منك لجحيم الله،
لأنه يعلم أنه مهما فعل فلن يفلح، كل حجر وشجر في هذه الأرض المقدسة سينطق ضده
يوماً ما. سيأتي يوم سوف يصبح هو الذي يفر ويرتعب سيخشى حتى تلك التراب التي كان
يحلم بها أن تحتوي جُثته العفنة، وسوف يبقى حلمهُ للنيلِ منك حُلماً ما دامت
السماء فوقنا والأرض تحتناً. عراق كلما هدأت صرخاتك عادت لتتعالى تناجي ربّك وتطلب
النصر العظيم، ها هو العراق عاد ينادي ربّه وا غوثاه، خانوا عدو الله عهده معك يا
عراق، وليس بغريبٍ ممن تنفسوا الخيانة والغدر واشبعوا صدورهم العطشى بها أن ينقضوا
مواثيقهم وعهودهم، وهل لهم من وعود أساساً ليوفوا بها؟!
فالعرق بقى
ينزف والعراقيين علا صراخهم، فلا طعم لعيدهم. ولا عبادٍ أدوا عباداته باطمئنان، هم
من لم يعيشوا الأيام حقاً، كنا سابقاً لم نشكو من ملل في أعيادنا!
أعجب
لحالنا لدينا ما نريد، وأهلنا بقربنا ننام مطمئنين ونصحوا مطمئنين، لكن هل ملك
أبناء العراق وشهدائه ما ملكناه يوماً، لا وربي. لو امتلكوه للحظةٍ ما كنا سمعنا
أنينهم وما كانوا عرفوا للوجع طريقاً فهم لا يفقدون شخصاً أو أماً وأباً أو أبناءً
وزوجة هم يفقدون راحة بالهم، صحتهم، أمانهم، بيوتهم، وكل ما ملكوا. ومع ذلك علينا
أن نحمد الله تعالى في كلِّ حالٍ على ما نعمنا به فبعضنا شكر، وبعضنا جحد نعمةً
فقدها غيره، فلك الحمد ربي وأدم علينا نعمك في جميعِ الأحوالِ، وعلى سائر بلاد المسلمين.
وبالحمدِ
والشكرِ والدعاء سيعيد الله لنا حال النعم، وما ستلبث بنا النكبات، فدوامِ الحالِ
من المحالِ، وسيعيد الرحمن للعراقِ وللعراقيين هيبتهم سيعودُ في ذات فجرٍ جميع
الدعوات وسيستجيب للمؤمنين دعائهم، وسوف يتباهى العراق ذات يوم بذاك الوعد الحق،
سوف تمطر سماؤك الأفراح، وغداً لن يريك الله حزناً ولا هماً ولا وجعاً، دمُ أبنائك
الطاهر الذي سال طويلاً سيتوقف سيشفى جرحك يا عراق، وسنسمع التكبير يملأ أرجاء
العراق وتسري القشعريرة الباردة في أرواحنا، وصدى صلواتكم لن يرتطم بالقبولِ وحسب،
بل سيلف العالم سيصل صوت العراق إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، غداً بتحقق وعد
الله لن يفرح العراق بغدٍ وحده بل نحن سنسعد أيضاً، حملنا في صدورنا أوجاعك وما
بيدنا حيلة ليت للعرب والمسلمين أجمعين عذراً يشفع لهم، حين يسألهم الله أين كنتم
حين كان العراق يئِن؟ أين كنتم عندما صرخت الأيامى والثكالى؟ وأين كنتم حين بكى
الصغار جوعاً ورعباً؟ عندما سالت دماء الشهداء بلونها الزعفراني الطاهر؟ أسئلة
كثيرة! ولكن، هل حضر العرب لها أجوبة؟! بالتأكيد كلا، لكونهم أحد الأسباب الرئيسية
في آلامه ونزفه ونزف جراحه. هذه السطور التي كتبتها عن ألمٍ لحالك يا عراق لا
تكفِ، ولن تكفي لو بلغت عنان السماء حروفاً، أنا لا أملك حقاً غير الدعاء بأن يرفع
الله عنك ما أصابك، وأن يرحمك وأهلك ويعيدك حراً كما كنت، وتعود الحياة لأهلك حياة
سعادة وفرح وأمان واطمئنان، وأن يرزقنا الله بسجدات في قلب تربتك الطاهرة، ونعود
لنتأمل نعمة حرمنا منها طويلاً. صبراً يا عراق... صبراً
وقد أوجعك الصبر الطويل... ولكن ربك رب رحيم... ولك منا دعاء يرافقه دعاء...
سلاماً لأرض خلقت للسلامِ وما رأت يوماً سلاماً…
#حسين_أكرم_غويلي
#كُتّاب_سومريون