احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

27‏/09‏/2019

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني


"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني"


مقال بقلم "حسين أكرم غويلي"

      أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مما في العالم أو في تلك الضمائر النائمة، لا أدري متى يحين موعد استيقاظها، أو أنها قد لا تصحو أبداً، وخلت إلى سباتٍ عميقٍ، وأحلامٍ تغرقها حد الانعزال عن كل ما يدور حولها. ما سأكتبه شيء قليل مما يغلي في صدري وصدور كثير ممن لا يملكون غير دعوات ترفع لربِّ السماء، راجون من الله أن ينقذ تلك التربة المخضبة بدماء الأنبياء والأولياء (تربة العراق). بل ويدعون الله أن يقبل دعائهم، تلك التربة الطاهرة التي لم يُقَدر لنا نحن النائمون من رؤيتها، أو حتى الاستيقاظ ذاتَ يومٍ على صباحاتها المشرقة أو التقاط نفس ممتلئ بعبير أزهارها، أو الترنم بتغريد عصافيرها الملونة. هذا لو بقيّ فيها أزهاراً، وبقي فيها عصافيراً بغير ذلك اللون الأحمر لونُ الدمِ الذي ما عادت تزدهر إلا به، وصوته الذي قُطِعَ وما عاد له أثر، حتى وإن لو زال فيه شمساً تُشرق بدون دخان. كان ذاتَ يومٍ شمساً تُحَيي ذاك القلب الصافي، قلب تلك الأمِ التي كانت مساءً تعد العجين لتصنع منه خبزاً تالي يوم، وأولئك الصغار حينما يركضون فرحاً لمعلمهم، لمدرسهم بسعادةٍ وشعورٍ جميلٍ. نحن لم نعشه سوى في بداية أيامنا في الطفولة ثم تلاشى، لكن معهم قد يستمر إلى أن تقتل تلك الفرحة بلا سابق إنذار ولا موعد حين تختطف أنفاسهم البريئة من ذاك المفترس (أعداءُ البلادِ من خارجه وخونةُ البلادِ من داخله) أيُّ ذنبٍ ارتكبته تلك البراعم التي لم تعرف للنضج معنى كي تنهش لحومهم بتلك الوحشية، ماذا فعل ذاك الأبُ عِمادَ البيتِ، هل كان كل ذنبه أنه يتعب نهاراً لكي يرى ابتسامات صغيرة ترسم على شفاه فلذات أكباده ليلاً لأشياء بسيطة تفرحهم، نحن لو تُهدى لنا لا نلقي لها بالاً أو حتى ذرة اهتمام كم أن حياتهم جميلة قبل ذلك البلاء الذي اجتاح أرضهم بالاحتلالِ لتربةِ أرضهم ولوّنوه وزغرفره وسموه بـ (التحرير من دنس الطاغية) لوثوا تلك الأرض الطاهرة التي هي من أقدس البقاع التي عرفها التاريخ يوماً لكن مهما زرعوا فيها من عملاء خونة وأعداء ومن أشواكٍ وقنابلٍ ومشاعرٍ حاقدةٍ مهما كان سواد قلوبهم طامساً هما اغتروا وضحكوا مهما سلبوا من أراضي وأرواح بريئة مهما قتلوا من ضحكات وصنعوا لهم من أوجاع وحرمان وفقد مهما فعلوا بكِ يا تُربة الطهرِ الحبيبة أنا موقنٌ بأنكِ تُخبئين سراً، سراً ليس ككل الأسرارِ، سراً حينما يأتي ستشرق شمسكِ في قلب سمائكِ الصافية، ستعود عصافيركِ لتحلق عالياً... عالياً بألوان تفوق الألوان بهاء، سوف يتعطر جوكِ يا تربتنا بعبقِ أزهاركِ، ولن تنام تلك الأم الطيبة حتى تلطخ يديها بدقيق القمح وتنهي رغيفها كي لا ترى تلك الأفواه الصغيرة جائعة صباحاً، وكذلك ذاك الأب سوف يعود لبيته بعد نهار عمل أضناه لكنه سينسى كل ذاك التعب بمجرد رؤية وجوه براعمه الصغيرة مبشرة بفرحٍ، وحلو ابتساماتهم. غداً يا عراق هل يحق لنا أن نتبع اسمك بعودة علوك وشموخك وجبروتك مرةً أخرى كما كنتَ سابقاً وأكثر؟ هل ستستعيدُ عافيتك من جديد؟ هل ستعاود شروق شمس البهاءِ فيك مجدداً؟ ونحن نعاهدك سنقف في وجه أولئك الملاعين، أولئك الذين لا ينتمون حتى للبشر، كنّا نرى ألمك، نسمع صراخك وأنينك، نشعر بنغصاتٍ في قلوبنا نأسى لحالك رغم ذلك لم نفعل شيئاً لنبعد تلك الكلاب الضارية عنك وعن كل عراقيٍ طاهرٍ حاب أرضك بدمائه الزكية خوفاً على أهله وبيته وعِرضهِ ومقدساتهِ وأرضهِ قبل روحه التي قد تلتف حول عرش الرحمن بأيِّ لحظة، هل تسمح لنا يا عراق بصلاةٍ في جوفِ الليل وأدناه، وفي صحوي النهار وفجراه لبقائك موحداً كالجسدِ الواحدِ تحتوي تربته الطاهرة الزكية أجسادنا بعد الفناء؟
عراقٌ أنت مُلك العراقيين السابقين والحاليين واللاحقين، لن تصبح ولو لحظة مُلكاً لأحدٍ ما، بل ملكاً للجميع. وإن قضى أولئك الأوباش أعداءك وخونتك وعملاء الشرذمةِ ممن أتوا من خارج الحدودِ عنك تمزيقك والنيل منك ومنّا، فالله حارسك وحارسنا يا عراق، دنياك منذ خَلّقت سماءك وأرضك يقتل وينهب من أجل أن يمتلك حفنة من ترابك الطاهر، فليذهب كل خسيسٍ يُريد النيلَ منك لجحيم الله، لأنه يعلم أنه مهما فعل فلن يفلح، كل حجر وشجر في هذه الأرض المقدسة سينطق ضده يوماً ما. سيأتي يوم سوف يصبح هو الذي يفر ويرتعب سيخشى حتى تلك التراب التي كان يحلم بها أن تحتوي جُثته العفنة، وسوف يبقى حلمهُ للنيلِ منك حُلماً ما دامت السماء فوقنا والأرض تحتناً. عراق كلما هدأت صرخاتك عادت لتتعالى تناجي ربّك وتطلب النصر العظيم، ها هو العراق عاد ينادي ربّه وا غوثاه، خانوا عدو الله عهده معك يا عراق، وليس بغريبٍ ممن تنفسوا الخيانة والغدر واشبعوا صدورهم العطشى بها أن ينقضوا مواثيقهم وعهودهم، وهل لهم من وعود أساساً ليوفوا بها؟!
فالعرق بقى ينزف والعراقيين علا صراخهم، فلا طعم لعيدهم. ولا عبادٍ أدوا عباداته باطمئنان، هم من لم يعيشوا الأيام حقاً، كنا سابقاً لم نشكو من ملل في أعيادنا!
أعجب لحالنا لدينا ما نريد، وأهلنا بقربنا ننام مطمئنين ونصحوا مطمئنين، لكن هل ملك أبناء العراق وشهدائه ما ملكناه يوماً، لا وربي. لو امتلكوه للحظةٍ ما كنا سمعنا أنينهم وما كانوا عرفوا للوجع طريقاً فهم لا يفقدون شخصاً أو أماً وأباً أو أبناءً وزوجة هم يفقدون راحة بالهم، صحتهم، أمانهم، بيوتهم، وكل ما ملكوا. ومع ذلك علينا أن نحمد الله تعالى في كلِّ حالٍ على ما نعمنا به فبعضنا شكر، وبعضنا جحد نعمةً فقدها غيره، فلك الحمد ربي وأدم علينا نعمك في جميعِ الأحوالِ، وعلى سائر بلاد المسلمين.
وبالحمدِ والشكرِ والدعاء سيعيد الله لنا حال النعم، وما ستلبث بنا النكبات، فدوامِ الحالِ من المحالِ، وسيعيد الرحمن للعراقِ وللعراقيين هيبتهم سيعودُ في ذات فجرٍ جميع الدعوات وسيستجيب للمؤمنين دعائهم، وسوف يتباهى العراق ذات يوم بذاك الوعد الحق، سوف تمطر سماؤك الأفراح، وغداً لن يريك الله حزناً ولا هماً ولا وجعاً، دمُ أبنائك الطاهر الذي سال طويلاً سيتوقف سيشفى جرحك يا عراق، وسنسمع التكبير يملأ أرجاء العراق وتسري القشعريرة الباردة في أرواحنا، وصدى صلواتكم لن يرتطم بالقبولِ وحسب، بل سيلف العالم سيصل صوت العراق إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، غداً بتحقق وعد الله لن يفرح العراق بغدٍ وحده بل نحن سنسعد أيضاً، حملنا في صدورنا أوجاعك وما بيدنا حيلة ليت للعرب والمسلمين أجمعين عذراً يشفع لهم، حين يسألهم الله أين كنتم حين كان العراق يئِن؟ أين كنتم عندما صرخت الأيامى والثكالى؟ وأين كنتم حين بكى الصغار جوعاً ورعباً؟ عندما سالت دماء الشهداء بلونها الزعفراني الطاهر؟ أسئلة كثيرة! ولكن، هل حضر العرب لها أجوبة؟! بالتأكيد كلا، لكونهم أحد الأسباب الرئيسية في آلامه ونزفه ونزف جراحه. هذه السطور التي كتبتها عن ألمٍ لحالك يا عراق لا تكفِ، ولن تكفي لو بلغت عنان السماء حروفاً، أنا لا أملك حقاً غير الدعاء بأن يرفع الله عنك ما أصابك، وأن يرحمك وأهلك ويعيدك حراً كما كنت، وتعود الحياة لأهلك حياة سعادة وفرح وأمان واطمئنان، وأن يرزقنا الله بسجدات في قلب تربتك الطاهرة، ونعود لنتأمل نعمة حرمنا منها طويلاً. صبراً يا عراق... صبراً وقد أوجعك الصبر الطويل... ولكن ربك رب رحيم... ولك منا دعاء يرافقه دعاء... سلاماً لأرض خلقت للسلامِ وما رأت يوماً سلاماً…

#حسين_أكرم_غويلي
#كُتّاب_سومريون

21‏/09‏/2019

مُجتمع بمجذافٍ واحد


الكاتبة: آيات عادل اللامي





"مُجتمع بمجذافٍ واحد"



       تخيل معي إنك جالس في مركبٍ كبيرٍ، ومعك الكثير من الأفراد؛ لكنك الوحيد الذي يقوم بالتجذيف... هل ستصل بهم إلى شاطئ الأمان؟!

هل ستنقذهم وحدك بيديك الصغيرة من غرقٍ مُحتم؟

بالتأكيد لا، لا بُدّ أن يساهم الجميع ويقوم بالتجذيف معك كي تصلوا إلى وجهتكم دون عناء.

تماماً كالذي يُربّي ولَدَه على الخُلق القويم، والمُثل العليا، يُعلّمه احترام الكبير، وطأطأة رأسه عند سماع أيّ نصح، أو توبيخ، لكن؛ من الصعب أن ينجو وسط وحل انعدام الخُلق، وسوء التربية…

بل سيتم تجاهله، و وضعه في خانة الأشخاص السُذَّج، سيخبرونه أن هذا العالم مليء بالأوغاد، وعليك أن تصبح واحداً منهم لتربح المعركة التي خُلِقت من أجلها!

نعم، لستُ أبالغ إن وصفتُ ما نعيشه بمعركةٍ، ومن المؤسف أن تسير الحياة على عكس ما يُفترض أن يكون… وكيف لها ذلك؛ ونحن نرى المُعلّم يخشى تلاميذه الصغار! يضع في حسبانه ألف حد قبل أن يتحاور معهم! ويالَّ شقاءه إن أنَّبهم عن فعلٍ خاطئ، سيجد أمام عينيه، والداه بنظراتٍ يملأها الغضب، وتعابير متضجورة، وشفاه تكاد أن تنفجر بكلمات الذم، والجحود، وكأن ولَدَهم الملك المُبَّجل الذي لا يُخطئ!

لكنهم؛ بهذا التصرف المؤسف، سيجعلون منه شخصاً فاشلاً لا يحترم ولا يخشى معلماً أو كبيراً في السِن، سيغرسون في عقله الصغير ألّا يدفع بالتي هي أحسن، بل بالتي هي أقوى، وأسوأ، وكأنّهم في سباقٍ والفائز بهم سيحصل على نوط الشجاعة.

ها قد أصبح الأطفال كالوحوش، يفترسون الضعيف، أصبحوا معجماً مُتنقلاً للكلام البذيء.
تناسى الوالدان التعاليم، ألتي جاء بها ديننا، ورسولنا الكريم، تناسوا: أنَّ الله لا يحب الجهر بالسوء من القول" و "حبْ لأخيك ما تحبّ لنفسك" و"الكلمة الطيبة صدقة"، وغيرها الكثير من الآيات، والأحاديث النبوية التي غض الوالدان أنظارهم عنها ووضعوها على رف التجاهل، تلك التي استُبدِلت بكل ما من شأنه أن يُلقي بالمجتمع إلى الهاوية.

علموا أولادكم أن الخير؛ هو الأساس الذي تُبنى عليه الحياة، وأن لا شيء يُضاهي المحبة، والعطاء.

وتذكروا أن الطفل كالعجينة التي تتشكل وفقاً للأيادي التي تهتم بها.

والآن أيها القارئ:

أرأيت ماذا يحمل المركب؟، هل تُرى أن الأشخاص كباراً، وصغاراً يجرون وراء فسحةٍ كبيرةٍ من الظلم، والفساد، والشرور ظناً منهم أنَّها الملاذ الآمن وطوق النجاة الوحيد، في هذه الحياة!

هل تُرى أنك مع عددٍ قليلٍ جداً، إن لم تكن بمفردك، من يهمه أمرهم جميعاً!

لكني لا أقترح أن تترك المِجذاف، وتنضم إلى صفوفهم ففي ذلك خسارة لضميرك، ومبادئك، ينبغي عليك أن تُبحر بعيداً عنهم، أن تتجاهل وجودهم، وإنْ كلفَّ الأمر حياتك، فماذا ينتفع الأنسان لو ربح العالم كله، وخسر نفسه.



#آيات_عادل

#كُتّاب_سومريون

09‏/09‏/2019

النجاح الذي يُقصينا


الكاتبة: ريام الربيعي




"النجاح الذي يُقصينا"

        يحدث أنْ نتغير كثيراً، أنْ نُرفض ونَرفُض، أن نتلقى الصدمات تلو الأخرى، يحدث أيضاً أنْ تتلقفُنا يد الحرب لتصنع منّا أُناساً آخرين، وأتعس ما يمكن أن يحدث هو أنْ يُقصينا الإنجاز الذي طالما سعينا لأجلهِ بكل ما أوتينا من قوة وطموح.
"Rebel in the rye"،"مقاتل في حقل الشوفان"؛ الفيلم الذي يتحدث عن سيرة حياة الكاتب والروائي الأميركي "جيروم ديفيد سالينجر"، صاحب رواية "الحارس في حقل الشوفان" الصادرة عام (1951م)، والتي حصدت شهرةً واسعةً جداً، وبيع منها (65) مليون نسخة.

      لُقبت بالرواية التي أقصت صاحبها، إذ جعلت هذه الرواية الكاتب "جي. دي. سالينجر" يترك المدينة ويعيش منعزلاً في بيتٍ ريفيٍ في "نيوهامشير" لمدةٍ طويلةٍ جداً، حتى وفاته في يناير (2010م) عن عمر (91) عام.
الفيلم جميل وممتع، بتحدثه عن حياة الكاتب والتقلبات الكبيرة التي رافقتها، رغم الطاقة السلبية التي تبثها حياة الكاتب بشكل عام.

     المُشاهد للفيلم سيلاحظ أنه أمام حالة قد تتكرر كثيراً في المجتمع، وقد تحدث معهُ ومعنا شخصياً، إذ يحدث أنْ نسعَ في مجالٍ معينٍ، فتجدنا نبذل قصارى جهدنا للوصلِ إلى شيءٍ ما، أو النجاح في مجالٍ ما، أو اكتساب صفةٍ ما، فنجتهد، ونُخذل، ونتلقى الصفعات تباعاً، ونستقبل أنواع التنمر والازدراء كافة، دون أنْ نكفَّ عن هدفنا، لكنّنا ما إنْ نصل للنجاح الذي كنا نرجوه أو نرجو حتى الرُبع منه، فإنّنا نُصاب بردةِ فعلٍ غريبةٍ، فتَرانا ننبذ الشُهرة التي حَلمنا بها ليالٍ طِوال، ونتوارى عن العيون التي طالما رغِبنا أنْ نسير الخيلاء أمامها، بل إنّنا قد ننفر أشكال المتعة والرفاهية كافة، التي يُغدقها علينا هذا النجاح، وننزوي بعيداً؛ كما فعل هذا الكاتب الأمريكي حين هجر المدينة وأعتزل في الريف حتى نهاية حياته، بعد نجاح روايته الأولى، بل إنَّه أعتزل حتى النشر بعدها.

تُرى ما الذي يَجعلُنا نُصاب بمثل هذا الأمر؟!
أهو الخوف من فكرة أننا قد لا نُحقق النجاح الذي حققناه في قادم التجارب، وهو ما ينعكس سلباً على نجاحنا الأول والمُدوّي، ويفتح الباب واسعاً للانتقاد، بل الأسوأ فأنه قد يفتح بابَ الشكِ على مِصراعيهِ فيما يَخص قُدراتنا وإمكانياتنا؛ والتي تجلّت في نجاحِنا الأول، وخاصة إذا ما كان نجاحاً ساحقاً، وهذا ما طال بشكل أو بآخر الكاتب "جيروم ديفيد سالينجر"، لذا نعكف على الحِفاظ على ما تحقق؟، أم إنّنا نأخذ السعي لنجاحٍ ما، على إنَّه نزوةٍ وتحدٍ للذاتِ، ما إنْ نُحققهُ حتى نفقد الشغف فيه تماماً، أو ربما يكون الأمر مُرتبطاً بما قاسيناه من ألمٍ، وتعبٍ، وانتقاصٍ، خلالَ مسيرتنا لتحقيق هذا النجاح، الأمر الذي أفقدنا لذته ولذة التمتع بتبعاته، وأيضاً قد يكون الأمر مرتبطاً بالحالةِ النفسيةِ للشخصِ صاحبَ النجاحِ، فقد يكون قاسى الكثير في حياته، ممّا جعله لا يُحسن التعاطي مع ما حققه، ويجعله يعزف عن إكمال مسيرته في هذا المجال.

     أيَّاً كانت الأسباب، فإنَّ مثل هذه الحالات ستترك أثراً سلبياً وإحباطاً كبيراً لمتتبعي هؤلاء الأشخاص، أو السامعين بقِصصهم، أو أولئك الساعين في ذاتِ مجالاتهم، أو حتى كل من يسعى للنجاح في مجالٍ ما، فإنه حين يقرأ، أو يسمع، أو يشاهد القصص التي تستعرض هكذا حالات، فإنَّه لا بدَّ أنْ يُصاب بخيبةٍ عميقةٍ قد تحبطه وتحط من عزيمته.
لذا لا بدَّ أنْ يكون إيماننا بأنفسنا كبيراً، وأنْ نتتبع شخصيات لها مسارات تبعث فينا الأمل والطموح، وأنْ ننظر لهذه الحالات ذات النجاح المبتور، إنْ صحَّ التعبير، على إنَّها حالاتٍ فرديةٍ تُمثل أصحابها، وأنْ نلتمس العذر لبعضها لما يكون قد صادفهم من ظروفٍ وأحداثٍ حينها، كما في مثالنا المذكور عن الكاتب الأمريكي الذي خسر حبيبته "أونا أونيل"؛ بشكل مفاجئ وقاسي حين علم بخبر زواجها من الممثل الكوميدي "تشارلي تشابلن"، الذي يكبرها ب (٣٦) عام؛ صدفةً عندما كان في أحد معسكرات الحرب العالمية الثانية؛ فوقع بصره على صحيفة تحمل الخبر كانت بيد أحد الجنود، ما أصابه بصدمةٍ كبيرةٍ؛ وجعله محط سخرية من قبل الجنود في المعسكر، بالإضافة لمشاركته في معارك الحرب العالمية الثانية، وما ترسخ في مخيلته من مشاهد الموت والرعب، وهو ما كان له بالغ الأثر في نفسه، فبالكاد أستطاع أن يتخلص من طيف الحرب الذي كان يلاحقه دائماً، وغيرها من الأمور التي قاساها خلال فترة شبابه.

     أخيراً يجب أن نصنع لأنفسنا مسارات خاصة بنا، وأنْ نسعى لتحقيق ذواتنا بطريقة تُليق بنا، وأن نشحذ هممنا بقراءة سِيَر الشخصيات الناجحة والمؤثرة التي تُرَصع صفحات التاريخ، وأن نجعل منها قدوة لنا في طريقِنا للنجاح.

#ريام_الربيعي
#كُتّاب_سومريون

08‏/09‏/2019

قوى الهامش الأوربي

الكاتب: عبد الله ناهض




"قوى الهامش الأوربي"

      نعني بقوى الهامش الأوربي: تلك الدول التي تأتي في المرتبة الثانية، أو ربّما أدنى من ذلك، من حيث قوتها بالنسبة لبقية الدول الأوربية الكبرى، وهي مثل: بولندا، التشيك، المجر، سلوفاكيا، ودول شرق أوربا عمومًا، وكذلك دول البلطيق: ليتوانيا، لاتفيا، إستونيا، وأيضًا دول البلقان. هذه الدول، وعلى الرغم من هامش قوتها الضئيل قياسًا بدولٍ أوربيةٍ أخرى كفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا...، لها تأثيرها المهم من الناحية الجيوسياسية، فهي تشغل حيزًا جغرافيًا مهمًا، جعله محط أطماع، وأنظار القوى الأوربية الكبرى، فضلًا عن قوى أخرى مهمة للغاية كالولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية.

     ظلت هذه القوى، تعيش بين مطرقة القوة الروسية من جهة، وسندان القوى الأوربية الغربية من جهة أخرى؛ إذ كانت على الدوام، ولا سيما إبان القرن العشرين مسيطرٌ عليها من قبل قوى أخرى، فتارةً ألمانيا في عهدها النازي، وتارةً أخرى ظلت تحت رحمة السيطرة السوفيتية حتى نهاية الحرب الباردة، بالتالي فهي مسلوبة الإرادة السياسية طوال عقود مضت، ولم تنل استقلالها الحقيقي، إلّا عقب تفكك الاتحاد السوفيتي في سنة (1991م).
كما، وسارعت هذه الدول بعد استقلالها، إلى الارتباط بأحلافٍ عسكريةٍ كبرى؛ ذلك من أجل تأمين حماية أراضيها من أيّة استفزازات، أو هجومات عسكرية ربّما تتعرض إليها من قبل قوى معادية، أو طامعة فيها، وأبرز هذه الأحلاف: حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي استثمر تفكك المعسكر الشيوعي، ليعمل على توسع حدوده باتجاه دول الشرق الأوربي، وأول عملية توسع له، كانت في سنة (1999م)، والتي تكللت بانضمام ثلاث دولٍ هي (بولندا، التشيك، المجر)، ومن ثم أعقبتها في سنة (2004م)، أكبر عملية توسع شهدها بعد الحرب الباردة، والتي ضمت سبع دولٍ وهي (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، سلوفينيا، سلوفاكيا، بلغاريا، رومانيا)، كذلك انضمت كل من (كرواتيا، ألبانيا) في سنة (2009م)، وآخر دولة أعلنت عن انضمامها هي (مونتينغرو)، ذلك في سنة (2017م). وربّما لن تتوقف هذه المسيرة عند هذه الدول فقط؛ فالحلف يسعى إلى ضم المزيد من الدول. وكلها تندرج ضمن استراتيجيته التي تهدف إلى: أولًا تطويق روسيا الاتحادية، وثانيًا العمل على منع بزوغ كيان أوربي مستقل عن الهيمنة الأمريكية، وثالثًا منع حدوث أيّة احتكاكات، ونزاعات عسكرية بين الدول الأوربية؛ بالتالي هو عبارة عن مظلة أمنية للقارة الأوربية.

      استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية المخاوف التي تؤرق هذه الدول، في خدمة مصلحها الاستراتيجية في القارة الأوربية، وأبرزها: الخشية من جوارها الأوربي القوي، لا سيما الدول التي لديها ماضيًا سلبيًا معها، كألمانيا، ورسيا الاتحادية، فالأولى عملت على احتلال عدد من بلدان شرق أوربا، سواءً إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، أو الحرب العالمية الثانية (1939-1945م). أما الثانية "إبان الحكم السوفيتي"، فقد عمدت على السيطرة على دول شرق أوربا، ودول البلطيق، والتي ظلت تحت عباءة الاتحاد السوفيتي يحكمها حكمًا مباشرًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى تفككه.

     لا تثق دول الهامش الأوربي، بالقوى الأوربية الأخرى كدول حامية، وحليفة لها، مثل فرنسا، والمملكة المتحدة "بريطانيا"، فكلتيهما لم تستطيعان حماية هذه الدول من الاحتلال الألماني، ولا السوفيتي. بالتالي ظلت تعيش على الدوام، في ظل مخاوف عميقة من جوارها الأوربي القوي، الذي لا ينفك من الإقدام على احتلال هذه الدول، في أيّة أزمةً، أو حربًا تنشب بين القوى الأوربية، وكمثال على ذلك: الحربين العالمتين الأولى، والثانية، التي راحت ضحيتها قوى الهامش الأوربي، التي تفقد سيادتها، واستقلالها في كل مرة.
لذلك نشأت مصالح مشتركة بين هذه الدول، والولايات المتحدة الأمريكية التي تبحث عن تعزيز هيمنتها على أوربا، والهامش الأوربي يبحث عن الأمن، وصون استقلال دوله، ومنع تعدي الدول الأوربية القوية عليها. وهذا لن يتحقق، إلّا بوجود قوة أكثر اقتدارًا، وهيمنةً من دول أوربا القوية، وهذه الشروط لا تتحقق إلّا في الولايات المتحدة الأمريكية، التي استثمرت مظلة حلف الناتو لمد نفوذها في الهامش الأوربي، والتي أيضًا تهدف إلى سحب البساط من القوى الأوربية كفرنسا، وألمانيا اللتان ترغبان بقيام كيانٍ أوربيٍ قويٍ، ومستقلٍ عن الهيمنة الأمريكية، وفي ذلك نرى الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون)، دعا إلى ضرورة قيام قوة عسكرية أوربية مستقلة، بعيدة عن المظلة الأمنية للحلف. وهذا ما آثار حفيظة الإدارة الأمريكية التي تخشى على تواجدها في القارة الأوربية.

       بالتالي، عمل الأمريكان على مسألة تركيز تواجد بلادهم في الدول الأوربية الهامشية، التي لا تثق بجوارها الأوربي القوي، وذلك عبر نشر الدروع الصاروخية، والقواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، وعقد اتفاقيات أمنية معها. الأمر الذي يضع العربة أمام الحصان الأوربي الراغب بالخروج من العباءة الأمريكية، فكيف يتحقق ذلك؟، وهنالك العديد من الدول الأوربية لا تثق، أو لا تؤمن بقضية القوة الأوربية المستقلة، والتي تخشى من أن تكون أداة للسيطرة عليها؟. من هنا تنشأ أهمية الهامش الأوربي، أي بمعنى مدى قدرته على تحديد بوصلة القوة المهيمنة على القارة الأوربية.

#عبد_الله_ناهض
#كُتّاب_سومريون

المقالات الاكثر قراءة