احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

22‏/02‏/2018

((التنمر ))

الكاتبة: شوق الدرويش

        غالباً ما يولد الشخص في وسط يضعه أمام طريقين ليختار بينهما، فإما أن يكون ضحية، وأما أنْ يكون جلاداً، خاصة تلك الأوساط التي يحكمها قانون الغاب، والتي اعتادت منذ وقت طويل منظر القتل والدم، ومشاهد العنف الجسدي، كشيء سهل، وتحصيل حاصل، لم يعد يشكل معها فرقاً كبيراً، بل وبعد عدة أجيال، سيصبح ضرورة تقوم عليها الحياة ولا تستقيم بدونها، فكيف بمن لا يبالي بإزهاق الروح أنْ يكترث لعذاباتها وهي حية؟ وأن يقيم لها وزناً؟ بل إنَّ المبالي اليوم، وبعد كل هذا الخراب، بات محط سخرية وتفكه في الحديث، كونه متمدين متحضر فارغ، يهتم بالتوافه ويدقق فيها، وهذه جرائم يعاقب عليها ذلك الوسط بالنبذ!.

     ومن بين أشكال الصراع العديدة تلك بين الضحية والجلاد، صراع التنمر، والذي يعد مفهوماً جديداً ودخيلاً على وسطنا، مستورد من الجانب الآخر الضال -بحسب أرباب الجانب المهتدي - الذي نعيش فيه، حيث إنهم ينكرونه ويستنكرونه كلفظ، كونه يصيب ثقافة وأسلوب حياة رعيتهم، الذي عاشوا مستميتين في سبيل إرساء قواعده، وجعله دستوراً غير قابل للنقاش أو الكفران، وأولى تلك القواعد: فضيلة الحسب والنسب، وما يليها ويترتب عليها من تفاضل العرق، والدين، والطائفة، والجنس.
لا يبالي الملقي-أياً كان تصنيفه - بما يرمي يمنة ويسرة، بقدر ما يتأثر المتلقي بتلك الكلمات، بدرجات متفاوتة وبحسب حالته النفسية وقتها، ومكانة الملقي منه، ودرجة تأثيره فيه، حيث يكون الملقي ذاك مصاباً بوهم إمتلاك الحق في قول ما يشاء، كونه قريب من الدرجة (..) للضحية، أو معرفة، أو ذو منصب ما في تماس مع حياته، فمن حقه إذاً أن يتكلم معه كيفما يشاء، تحت غطاء النصيحة، أو الغضب وفقدان الشعوربتصرفاته!.


    وعلى الرغم من أننا جميعاً مررنا بمواقف مشابهة لهذه الحقيقة، وأننا لا نزال نحمل شعوراً سيئاً لشخص معين بسبب كلامه، إلا إننا نطالب المقابل أن لا يتأثر بإنتقادنا، وأن يتفهم أسبابه دون شرح، وإذا حدث وتذكره يوماً، نعتناه بالحقود، فيما لا يحق للبعض منهم أن يعترض أو يعقب، لأننا لم ننطق سوى بالحقيقة بشأنه، إذ أننا نروم مصلحته، كم نحن اذاً اشخاص أنانيون؟ وكم إننا متطلبون وازدواجيون؟.

    الحقيقة هي وقبل أن تختار الطريق الذي تسير فيه، تضغطك العادات المتوارثة بإتجاهه عندما تضعك في محكمة المقاييس: تلك الصفات التي يجب أن لا تحيد عنها ابداً وإلا، فستدفع الثمن، ثم وبحسب شخصيتك، وبضعة ظروف أخرى، ستكون ضحية أو جلاداً. وكجلاد، فإنك تسعى جاهداً لنسيان عيوبك حتى تنساها فعلاً، ثم تبدأ بتعلم صنعة الجَلدْ، وشحذ اللسان، ليكون مهيئاً في كل وقت لنقد الآخر، ومعاقبته على المخالفة، ومعاقبة نفسك من خلاله، والإنتقام منهما! فتبدأ رحلة التسرع في الأحكام على المظهر، والشكل، والعيوب، والنواقص، أو خلقها إن لم توجد!، والتدخل في حياة الآخر، وتفاصيلها، وإقناعه بأنه غير مؤهل أن يكون لديه شيء لا يخشى إخفاءه، متوهماً بأنه جاهز دوماً لسماع رأيك الجارح، وضغطك على عيبه ذاك ونقصه في كل وقت، وكأنك ترى ما أعمي هو عنه!.
     ثم مرحلة النصائح التي لا تنتهي، عن الخطوات الواجب إتباعها ليكون ضمن مقاييسك الخاصة، والصحيحة من وجهة نظرك، لكي يشعرك بالرضى والراحة، ولا يؤذي ذائقتك!، ثم تتمتع بعدها بقابلية عالية على النوم براحة ضمير.
بينما يشعر هو بالذنب لعيبه ونقصه، وكأنه من صنع يديه، بل وكأنه مقصر رغم قدرته على التغيير، فيعيش حذراً، مترصداً، لئلا يكتشف المزيد من الناس أمره، مقتنعاً بأنه بحاجة دوماً للإختباء، وتبرير وجوده لمن حوله، وأنه ليس كالآخرين الرائعين من حوله، فكما نضغط نحن على عيبه ونقصه، ولا نرى فيه سواه، سيصبح هو مهووساً بمحاسن الناس، ولن يعي بسهولة أن من حوله بشر نواقص مثله، بل إن ميزة البشر هي النقص، فتموت روحه حياً، إن لم يولد لديه-وفي بعض الحالات- ميلاً للإنتحار، أو ميولاً أخرى لا ندري ما نتائجها على مجتمعنا المتهالك أصلاً.
     الخلاصة هي إنَّ الدين نصيحة لا فضيحة، فإنْ كان لك مأخذ على شخص ما، عليك أولاً أنْ تمرره خلال مصفاة الضمير، قبل الإدلاء به أمامه، لتتأكد من كونه نصيحة خالصة، دون غرض آخر في نفسك، ودون دافع معين، وأنْ تختار الأسلوب المناسب، والوقت المناسب، والمكان المناسب لذلك، فلكل مقام مقال. 
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: شوق وحيد محمد.
الولادة ومحلها: (1992م)/ محافظة القادسية (الديوانية).
التحصيل الدراسي: بكالوريوس علوم حاسوب ورياضيات/ جامعة القادسية.

الحالة الاجتماعية: غير متزوجة.
السكن الحالي: الديوانية.

إقرأ أيضا

((التنمر ))
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة