احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

19‏/07‏/2019

الاتكال على الخُرافة


الكاتبة: علا الجبوري




"الاتكال على الخُرافة"

     على مر العصورِ والأزمنة، والخرافات والحكايات الشعبية تنتقل من جيلٍ إلى جيل دون وعي أو قاعدة منطقية تنظم انتقالها أو تُعرفنا بأصلها, فالتراث الشعبي مليءٌ بالخرافات وحكايات عن مصاصي الدماء والزونبي وآكلي لحوم البشر. ففي التراث العربي هناك "السعلوة"، والعفريت، وساحرة الأسطح، وأبو لسان،… وغيرها الكثير، حيث كانت تتخذها الجدات والأمهات وسيلةً لتمرير بعض القيم إلى الأبناء أو للتخويف أحياناً لتجنب الطفل فعل سلوك معين، وليس أفضل من إثارة الخيال لترسيخ الأفكار خصوصاً إذا كان لصاحبها أسلوب سردي متقن، وكذلك أسلوب إقناعي، إضافة إلى التهويل والتضخيم للشخصية الخيالة خاصةً إذا كان الراوي شخصاً موثوقاً بكلامه كالأم، أو الجدة، أو الأب؛ مما يجعلها أكثر تصديقاً من قبل الأطفال، وحتى الكبار من قليلي الوعي.
لا ينسَ أحدنا كمّ الإثارة والتشويق التي كانت تُثيرها فينا القصص القديمة والخيالية وحتى أفلام الكارتون الذي يروي قصص الخرافات من حول العالم مثل: كارتون (في جعبتي حكاية أو حكايات عالمية أو حكايات لا ننساها), فكلها مسلسلات كارتونية نقلت لنا تراث الدول المختلفة وحكاويها القديمة والأساطير التي كانت سائدة، والتي كان الناس يؤمنون بها إيماناً لا يدع مجالاً للشك, ولكن مع تطور الحياة وتقدمها وتطور العلم أصبحت هذه الأساطير والخرافات مجرد حكايات لما قبل النوم وليس شيئاً يجب تصديقه كما كان في السابق.

      للخُرافة أثر نفسي قوي جداً يظهر جلياً في أوقات الأزمات أو الحروب أو الظروف البيئية الصعبة، حيث يصبح من السهل تداولها وانتشارها لأنها تحمل عن الشخص أثقال الحياة وتدفعه لرمي همومه على عوامل خارجية ليس له سيطرة عليها، أو تحكم فيها مثل الاعتقاد بان الفشل في الحياة سببه الحسد، أو الحظ العاثر، أو أن المشاكل الزوجية سببها السحر والشعوذة، أو أن من يعيش في بلد تعمه الفوضى لن ينجح حتى لو سعى، مع إن للظروف تأثيراً على النجاح لكنه ليس أكثر من خمسة بالمئة من نسبة النجاح والدليل أن هناك شخصيات ناجحة كثيرة عاشت في ظروف صعبة لكنها حاربت ضعفها وغيرت وضعها مثل "أوبرا" و"نيفري"، لكن لدى البعض قول: أن حياتي تعيسة بسبب السحر أهون من أن يحاسب نفسه على ما يجعل حياته تعيسة ويحاول أن يجد الحل.

     ولكي نتعرف أكثر على الخُرافة يجب أن نوضح معناها حيث إنَّ الخُرافة: هي اعتقاد، أو قصة شهيرة، أو حدث غير حقيقي، أو نصف خيالي يرتبط بشخص، أو بعادة ما، أو هي قصة حقيقية نصف خيالية لا سيما تلك التي تشكل جزءاً من المذاهب الفكرية، وبالرغم إن الإنسان لا يصدق إلّا ما تراه عينيه؛ فهذا لا يعني إن رؤيته كاملة أو أن ما يراه حقيقيًا وصحيحاً، كما إن الرؤية لا تعني سلامة الاعتقاد. في الوقت الحاضر ومع ما نشهده من تقدم وتطور تكنولوجي أصبح من السهل انتشار الخرافات وتداولها سيما إن مواقع التواصل الاجتماعي لا توجد عليها رقابة أو أن المسؤولين عنها لا يحملون درجة عالية من الوعي التي تسمح لهم أن يفرقوا بين الخرافة والحقيقة، أو حتى يسعون إلى توجيه المجتمع إلى التفريق بينهم والحذر من الخرافة بوسائل وطرق علمية وربما أحياناً يروجون لخرافة ما لمصالح شخصية أو لأغراض التضليل والتشويه أو التحريف، وهذه المسؤولية تتحملها أيضاً وسائل الإعلام لما لها من دور كبير في التوعية والإرشاء والتوجيه الصحيح.
ومن الخُرافات التي شاع تداولها في الآونة الأخيرة هي: أن عمود كهرباء في أحدى مناطق بغداد يحقق الأماني لكل من طلب منه، أو أن دجالاً يمكنه علم الغيب وسره بارع، وخرافات الزواج لها حظ وفير من الإيمان بها من قبل شريحة كبيرة من الناس ومن مختلف الطبقات والمستويات، حيث نجد مهندسة تؤمن بأن حظ الجميلات رديء لأن غير الجميلات أخذنّه منهنّ! أيعقل أن تحمل المرأة الجمال والحظ معا ؟! أو أن مُدرسة تؤمن بأن الدعس على قدم العريس بيوم الزفاف سوف يجعل العروس تسيطر عليه، وكأنها تحتاج أن تدعس حتى تسيطر؟! أو رش الملح على العرسان ليلة الزفاف سوف يجلب لهم الحظ الجيد والحياة السعيدة، وكأن المشاكل سوف تخاف من الملح وتذهب بعيدًا عن حياتهم؟! والإيمان بها ليس حكراً على شخصية دون غيرها؛ فحتى مع الوصول إلى مراتب عالية في العِلم فإن هناك أُناس يتأثرون بالخرافات ويؤمنون ولو بواحدة أو اثنتين منها. وهناك خرافة نذير الشؤم حيث شاع الإيمان بها كثيراً مثل: الاعتقاد بأن الحمامة إذا غردت بالقرب من البيت فإن مكروهاً سيحصل، أو أن البومة هي نذير شؤم لأنها تجلب النحس مع إن طائر البوم في الدول الأوربية هو نذير خير وفي ألمانيا تحديداً يُعتبر دليل على الحكمة لان آلهة الحكمة لديهم وهي أثينا كانت تحمل البومة على كتفها لذلك أصبحت البومة رمزاً للحكمة. كما إن لدى العرب خرافة الحذاء المقلوب الذي يطرد الملائكة من البيت وهذا فيه ذنب كبير لانهم يربطون الملائكة وتقديرهم بشيء يوضع بالرجال؛ مما يجعل الخرافات أمراً خطراً قد يتسبب بانهيار الحياة أو الموت في بعض الأحيان هو التسليم بها وكأنها أمراً واقعاً صحيحاً لا يقبل الشك. وفي علم النفس المعتقدات هي التي تشكل حياتنا الخارجية فكل ما نعتقد به سنجده متمثل بحياتنا بشكل أو بآخر ربما بموقف، أو بشخص، أو صفة، أو سلوك،… وهذا القول العلمي صحيح.
وفي الدين هناك ما يدل على صحته، حيث يُشير الحديث القدسي إلى ضرورة الانتباه إلى ما نعتقد وما نؤمن به، حيث يقول: (إنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء)، وأيضاً قول الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): (كل متوقع آتٍ)، وقول الله عز وجل: (والظانين بالله ظنَّ السوء عليهم دائرة السوء)، والدلائل القرآنية كثيرة. وهذا يدل على إن ما نؤمن به نجده بغض النظر كونه جيداً أم غير جيد؛ وعليه فإنَّ الخُرافات باتت تُشكل كثيراً من معتقداتنا؛ وبالتالي تتحكم بسلوكياتنا وينعكس تأثيرها على حياتنا في نهاية الأمر، فلا حمام يجلب النحس عند التوكل على الله ولا بومة تجعلنا نتشاءم ونحن واثقين في قضاء الله ولا سحر يؤذينا إلا بأمر الله ولا حسد يؤخرنا إذا أراد الله الكمال.

#علا_الجبوري
#كُتّاب_سومريون

إقرأ أيضا

الاتكال على الخُرافة
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة