الكاتبة: ضمياء الحلبوسي
"الصداقة الافتراضية"
الصداقة علاقة صادقة تنشأ بين فردين أو أكثر، تسودها المودة والترابط الوجداني
الذي يترسخ بالاتصال والتواصل. والصداقة مأخوذة من صَدَقَ، وهي عكس كَذَبَ لأنّ
الصديق يصدّق صديقه (يكون صادقاً معه) ويصدقه. وقد شغلت المواضيع الاجتماعية عامة
وموضوع الصداقة خاصة عقول الفلاسفة، والمفكرين، وعلماء النفس، ولفترات طويلة في
محاولة منهم لفهم وتفسير العلاقات الاجتماعية المتعلقة بالحب، والصداقة، وكيفية
نشؤها والحفاظ عليها كونها الجسور الأكثر عمقاً وشفافيِة وتأثيراً بأفراد المجتمع،
حيث إنها علاقات تنشأ فطرياً وتستمد خلودها من المواقف وواقع الحياة. ولو لم تكن
الصداقة لها منزلتها الاجتماعية الكبيرة، لَمَّا أهتم بها القرآن الكريم،
وذَكَرَها الله تعالى في كتابه العزيز، ولمَّا أهتمَّ بها رسوله الكريم أيضًا في
أحاديثه المطهَّرة، ومن آيات الله تعالى في هذا الشأن قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات/13[
وفي صبانا عرفنا الصداقة على أنها
العلاقة التي تسمح لنا بالاقتراب من أقراننا لدرجة الحديث عن خصوصياتهم ونسمح لهم
بالمثل. ولطالما اعتُبرت الصداقة من أسمى وأنقى العلاقات بين الناس ذلك لمَّا
تمثله من معاني جميلة مليئة بالمحبة, والوفاء, والود, والوصل, ويتصف الصديق المقرب
بالعاطفة النقية وحسن الأخلاق والإسناد الدائم في السراء والضراء. وعندما بلغنا من
العمر الذي أدركنا فيه معادن الناس وبدأنا بالتصرف معهم على حسب ردود أفعالهم
وأيقنا أن الصداقة تعني: أن تكون في قلب وروح صديقك وأن يكون هو جزءاً منك جسداً
وروحاً, فاجأتنا التكنولوجيا الحديثة بنوعٍ جديدٍ من الصداقات، وهي الصداقات
الافتراضية وأخص بها تلك التي تنشأ على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك). ذلك
الموقع الذي تنشأ فيه العلاقات الإنسانية والاجتماعية من خلال صفحة إلكترونية تقوم
بكتابة معلومات عنك تدخلها بنفسك، حيثٌ يتعرف الناس من خلال هذا الموقع على بعضهم
البعض ويتبادلون الأحاديث، وفي بعض الأحيان يتبادلون الصور الشخصية في محاولة منهم
للتقرب وإنشاء العلاقات بمختلف أنواعها. وقد أختلف الكثير من الناس حول أهمية مثل
هذه المواقع وأثرها السلبي والإيجابي على أفراد المجتمع لمّا لها من تأثير واقعي
ملموس على مجريات الحياة اليومية لأفراد المجتمع والتغيير في نوعية العلاقات
الناشئة بين مستخدمي هذه المواقع, وكثيراً ما نسمع هذه الأيام عن المشاكل الناتجة
من استخدام هذا الموقع والتي من أبرزها مشاكل الطلاق والابتزاز الإلكتروني والتي
ظهرت كنتيجة لاستغلال بعض أصحاب النفوس الضعيفة حيث أنَّ البعض يحاول إخفاء هويته
وإدخال معلومات لا وجود لها في صفحات كتاب القدر الخاص به ولعلّه من خلالها يعيش
حالة كان يتمنى لو أنه يعيشها في واقعه الحقيقي وبذلك فأنه ينشئ علاقات كثيرة تحت
مسمى صديق على الفيس بوك؛ ليتحول بعدها هذا الصديق إلى ماهية مختلفة يخبئ بين سطور
كتاباته عن نفسه مجموعة من الأكاذيب المزدوجة معلناً بذلك بداية لعبة جديدة تهدم
من خلالها أجمل معاني العلاقات الإنسانية ألّا وهي الصداقة. كما أننا لطالما سمعنا
عن حكاياتٍ مؤلمةٍ لأشخاصٍ نذروا مشاعرهم المرهفة لأجل حبيب أو حبيبة تعرفوا عليهم
وارتبطوا بهم افتراضياً وتعاملوا مع الموضوع وكأنه واقع حالِهم المنشود وتفاجأوا
بعد مدةٍ من الزمن بأن كل ما افترضوه هو محضُ وهمٍ وأكاذيب مغلفة بكلماتٍ جميلة
خدعوا أنفسهم بها وسلموا أنفسهم لها دون حتى أن ينظروا إلى تعابير وجه الذين
أحبوهم. وبين ازدواجية المشاعر والاحتياج النفسي لشخص نسكن إليه، وبين قلّة الخبرة
وانقطاع الأمل نقاسي الألم ونجترع الحسرات من جراء تجارب سيئة لا تعود على صاحبها
سوى بالذكريات الحزينة.
يبقى السؤال الأكثر أهمية هل فعلاً يجب
أن نطلق على شخص صفة الصديق ونحن لم نرَه مطلقاً، وعند لقائِنا لا يعرف أحدنا
الآخر؟
وهل يجب علينا أن نسمي أشخاصاً مروا
على شاشات أجهزتنا الإلكترونية وأعجبتهم صفات وصور قد لا تكون فينا ولا تعبر عنا
بمسمى الأصدقاء؟ لذا مما سبق أعتقد أنه من المفيد وضع الأشخاص في حياتنا في أماكنهم
الوجدانية الصحيحة وأن يكون اختيارنا للأصدقاء مبني على مدى شعورنا معهم بالأمان
ومدى إحساسهم العالي بالمشاعر التي تعترينا، ولا نستطيع البوح بها لأحد سواهم،
وعلينا ألّا نستهلك مشاعرنا باستمرار ونجعلها عُرضة للتجارب السلبية, والأصدقاء
ليس بعددهم بل بمحبتهم, وقربهم, وأخلاقهم.
#ضمياء_الحلبوسي
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
الصداقة الافتراضية
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار