احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

21‏/03‏/2019

إلى من تحت أقدمها يمر تُراب الجنة





"إلى من تحت أقدمها يمر تُراب الجنة"

العَيْـشُ مَاضٍ فَأَكْـرِمْ وَالِدَيْـكَ بِـهِ *** والأُمُّ أَوْلَـى بِـإِكْـرَامٍ وَإِحْـسَـانِ
وَحَسْبُهَا الحَمْـلُ وَالإِرْضَـاعُ تُدْمِنُـهُ *** أَمْـرَانِ بِالفَضْـلِ نَـالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ
ولَيْـسَ يَرْقَـى الأَبْنَـاءُ فِـي أُمَّـةٍ مَـا *** لَـمْ تَكُـنْ قَـدْ تَـرَقَّـتْ الأُمَّـهَاتُ

        الأمُّ هي ذاك البدر المنير الذي يضيء لنا السماء ونستمد من ضياءه أمل الحياة، فالأمُّ لؤلؤةٌ مَصونةٌ تتلألأ يوماً بعد يوم وتضيء أعماق البحار، فأنتِ ثمينة عليَّ يا أمي فمكانكِ في قلبي وستظلين في قلبي فأنتِ الوردة التي تتطاير أوراقها كي تعتني بصغارها، فكم مرة ضحيتِ من أجلي يا مضيئة السماء لا أعرف ماذا أكتب فقد عجز القلم عن التعبير وقلبي بدأت تتراكم فيه الكثير، إليكِ يا جوهرتي الثمينة ففؤادكِ يحوي الكثير ويسع الكثير، أما فؤادي فسيظل دائماً لكِ. أمي حينما أنحني لأقبل يديكِ، وأسكب دموع ضعفي فوق صدركِ، وأستجدي نظرات الرضا من عينيكِ حينها فقط أشعر باكتمال رجولتي. الأمُّ بريقٌ في سماءِ الكونِ، إعجازٌ من الله، أقدسُ معاني الإنسانيةِ وأعظم هبات الحياة، قيثارة الدنيا وإلياذة السماء، وملحمة الأرض، إنَّها الأمُّ إنْ كانت الأمُّ حباً فهي أجمله، وإنْ كانت عطاءً فهي أفضله، وإنْ كانت احتواءً فهي أكمله. الأمُّ هي الثوب الذي تلبسه فيمنحك الحياة بكل معانيها... إنها الكائن الضعيف الرقيق الذي يتحول إلى بركانٍ ثائرٍ ووحشًا كاسرًا إذا مسَّ أولادها مكروه أو أرادهم أحد بسوء... عطاؤها لا يعرف قانونًا، ولا يرتكز على نظام، ولا يركن إلى منطقٍ، عطاءٌ يُوقف إعمال العقلِ وأسبابه، فهي معك دائمًا، وعند الأم أنت دائمًا على صواب، لا تفهم إلّا أنْ تكون معك ولك، تحب من يحبك وتبغض من يبغضك، هي صفوةُ الحبِّ، والعطاء، والأمن، والأمان، والرحمة، والاحتواء،... ولا ترجو مقابل ذلك إلّا أنْ تَسعد أنتَ وترضى، ولو فقدت المرأة أسباب الجمال وقال الناس عنها دميمة، لكفي بها عزًا وشرفًا وفخرًا وجمالًا أن تكون أُم، وكم يساوي جمال الدنيا إذا قيس بلحظة يلعب فيها صغارها من تحت خصرها! أو حالما تفتح ذراعيها لصغير يركض نحوها ويقول: "ماما"! حتى إذا جاءت أجمل النساء لتجلب هذا الصغير إليها ما استطاعت وما تحول إليها طرفة عين، ذلك لأنَّ الأمَ هي قُبلة السماءِ على جبينِ الأرضِ، وقِبلّة الصغار التي إذا أرادوا أن يتحولوا عنها تحولوا لها، إذ يجدون فيها الروح والأمن والصلة والصلاة، إنها المخلوق الوحيد الذي لك فيه حق الرحمة، فإن رَوَّحت لن يكون لك حق في أحد، إنها مذيب الهم الذي يحيل حياتك إلى لطف خالص، ومزيل الغم الذي يبعثُ فيك نسائمَ الأملَ ويَنفثُ فيك بهجةَ الحياةَ، إنَّها الترياق الذي يعالج سموم الدنيا ويطبب علتك، إنَّها اليد التي طالما مدت بكل أسباب الرحمة والعطاء، آن لك أيُّها الأبن اليوم أن تنحني وتقبلها، وتلك الهامة التي طالما طاولت عنان السماء لتسمو بك وترقى، آن لك أن تتوجها بكلِّ أسباب البر.
أمَّاه... دعيني أنظر في وجهكِ لأرى عقوقي وصبركِ، وأنظر في عينيكِ لأرى جحودي ونكراني وعظيم حلمكِ، دعيني ألمس يدكِ لأرى دفئ عطائكِ وروعة وصالكِ، ماذا أقدم لكِ اليوم لأقرَّ بتقصيري وعقوقي؟ وماذا اقرأ في كتابي غير جهلي ورحمتكِ؟ وماذا أرى فيه إلّا أسبابًا من عطائكِ وأسبابًا من جحودي؟ أُمي... كلمة تعطر أنفاسي وتملأ خاطري نوراً وأمنُا، أُمّي... كلمة جمعتْ من كلِّ شيءٍ جماله، ومن كلِّ معنى جلاله، ومن كلِّ وصلٍ وصاله، إنَّها الرحمة والرَّحِم، دعيني أنظر إليكِ لأرى النور الباسم بإشراق نفسكِ، ودعيني أُحلق في السماء بروعة إقبالكِ واستقبالكِ، دعيني أُقبل يديكِ ورأسكِ، يا رائحة الشمس وعفو الظل وبرّ النور، يا باقةَ الحبِّ يا رواءَ الروحِ، يا أبهى عطاءَ الربِّ؛ أسأل الله أن يبارك في عمركِ على الصحة والعافية والطاعة، وأنْ أكونَ لكِ نِعْمَ الولدِ كما أنتِ لي نِعْمَ الأم.

     الأمُّ هي التي تعطي ولا تنتظر أنْ تأخذ مقابل العطاء، هي التي مهما حاولتَ أن تفعل وتقدم لها فلن تستطيع أنْ تَرُدَ جميلها عليكَ ولو بذرةٍ صغيرةٍ، هي سببُ وجودكَ في هذه الحياةِ وسببُ نجاحكَ، تُعطيكَ من دمها وصحتها لتكبر وتنشأ صحيحًا سليمًا... هي عونك في الدنيا وهي التي تدخلك الجنة؛ أنّى للإنسان أنْ يُكابدَ الحياةَ ويُبحر في غِمارِها بغير الأمِ... تقف معه في محنته، وتعينه في شدّته، وتُشاركه همومه، وتُشاطره أفراحه، ولولا الأم لفقدتْ الحياة قدراً كبيراً من لذّتها. الأمُّ هي الروحُ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، هي الشُعاع الذي يمنحنا الأمن والأمان، والعطف والحنان، والأمل والصبر، وتحمينا مِنَ الخطرِ بدفاعها الدائم على مرِّ الليالي والأيام، كم عانتْ من أجلنا وتحملتْ صَرَخاتنا ونحن في المهدِ وكم تحملتْ لحلِ مشكلاتنا ونحن كبارُ، هي التي علمتنا ووهبتنا كلَّ شيءٍ في حياتها دونَ أنْ تنتظر أيَّ مقابلٍ مِنّا... فالكلُّ يتغير! الناس، الأفكار، المفاهيم، إلا الأم، فالأمُّ هي الأمُّ على مر العصور.

     هذه هي الأمُّ التي جلست على عرشِ الدّنيا وبها وبوجودها لا أُبالي أقبلت الدنيا أو أدبرت!، أينعت أم نعت!، فكلُّ مصيبةٍ تَهونُ، وكلُّ همٍ يَزول، فأنا قويٌ جريءٌ، إذا ضاقتْ الدّنيا ووسعني صدرُ أُمي، وإنْ أتعبتني الحياة فعند أُمي الروح والريحان فعندي مفتاح الجنة!، فتوسدتْ الحبَّ وتلحفتْ الحنانَ، وجمعتْ شُتاتي ولممتْ شعثي، هي الأمان هي الحكمة، هي القِرطاس والقلم، هي الكتاب الذي اقرأ فيه أوراقي وأرى فيه تأريخي... تقرأ أسراري وتعرف باطني وتدرك أبعاد نفسي، هذه هي الأمُّ البسيطة من هذا الكون، تغلب عليها العاطفة الحانية، والرقة الهادئة، لها من الجهود والفضائل ما قد يتجاهله ذوو الترف، ممن لهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم قلوب لا يفقهون بها، هي جنديةٌ حيثُ لا جندٍ، وهي حارسةٌ حيثُ لا حرسٍ، لها من قوة الجذبِ ومَلَكة الاستعطاف ما تأخذ به لبَّ الصبي والشرخِ كلَّه، وتملك نياط العاطفة دقّها وجلِّها، وتحل منه محل العضو من الجسدِ، بطنها له وعاء، وثديها له سِقاء، وحجرها له حِواء، إنه ليملك فيها حق الرحمة والحنان، لكمالها ونضجها، وهي أضعف خلق الله إنسانًا، إنَّها مخلوقة تسمى الأم، وما أدراكم ما الأم!
فالحديثُ عن الأمِّ إذن يحتل حيزًا كبيرًا من تفكير الناس، فكان لِزامًا على كل من يهيئ نفسه لخوض مثل هذا الطرح أنْ يكون فكره مشغولاً بها، يفرح لاستقامة أمرها، ويأسى لعوجه، ويتضرّس جاهدًا في الأطروحات المتسللة لَوّآذاً؛ ليميز الخبيث من الطيب، فلا هو يسمع للمتشائمين القانطين، ولا هو في الوقتِ نفسه يلهثُ وراء المتهورين.
وختامًا تحية إجلالٍ وإكرامٍ لكلِّ نساءِ الأرضَ ولكلِّ الأمهاتِ منهنَّ بالتحديد في عيدهن الذي تمنيت أنْ أفي بكلماتي ولو النُزرَ القليلَ من فيضِ عطاء الأُمِ وكلُّ عامٍ وأمهاتنا بألف خيرٍ وأطال الله العمر بهنَّ وأمد الله بهم الخير وألبسهن ثوب الصحة والعافية.


#حسين_أكرم_غويلي
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

إقرأ أيضا

إلى من تحت أقدمها يمر تُراب الجنة
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

4 التعليقات

Tulis التعليقات
avatar
21‏/3‏/2019، 5:14 م

قلم رائع عودنا الإبداع..

تعليق
avatar
21‏/3‏/2019، 5:15 م

قلم رائع عودنا الإبداع..

Obaida essam

تعليق
avatar
21‏/3‏/2019، 5:44 م

شكرًا جزيلًا لتذوقكم النشر، ممتن للغاية، خالص الود والتقدير.

تعليق
avatar
21‏/3‏/2019، 5:45 م

شكرًا جزيلًا لتذوقكم النشر، ممتن للغاية، خالص الود والتقدير.

تعليق

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة