الكاتب: عبد الله
ناهض
"فنزويلا للأمريكيين"
قد يثير هذا العنوان
استفهام القارئ، إذ ماذا يعني "فنزويلا للأمريكيين"؟، باختصار أنني
استوحيته من إحدى المبادئ، التي حكمت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ردحًا من
الزمن، ولا سيما تلك الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، يختصر هذا المبدأ
بكلمتين "أمريكا للأمريكيين"، الذي يرتبط بالرئيس
الأمريكي الأسبق(جيمس مونرو)، والذي تولى الرئاسة طيلة المدة الممتدة
من(1817-1825)، وكانت الحجة من وراءه حماية أمريكا الشمالية، والجنوبية(نصف الكرة
الغربي)، من التدخلات الخارجية الأوربية، حفاظًا على استقلال دولها حسبما يراه
الأمريكان، إلّا أنَّ القضية أكبر من ذلك، إذ تتمثل في تعزيز الهيمنة السياسة،
والاقتصادية، والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية على القارتين، باعتبارهما
مجالًا حيويًا لها، إذ شهدتا عديد التدخلات العسكرية الأمريكية فيهما، تحت مختلف
المبررات، من التدخل في الدومنيكان سنة(1905)، وفي نيكاراغوا سنة(1912)، وهاييتي
سنة(1915)، إلى دعم الانقلابات في دول أمريكا اللاتينية، ولا سيما ضد الحكومات
التي تتبنى توجهات تتعارض مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يوجد أشهر من
دعمها لـ(أوغستو بينوشيه) الدكتاتور التشيلي، ضد الرئيس(سلفادور الليندي) المناهض لها، ذلك في سنة(1973). ابتغيت من هذه المقدمة، الدخول للهدف
الرئيس من المقال وربطه قدر الإمكان مع مبدأ مونرو قدر الإمكان.
تمر فنزويلا منذ مدة؛
بأزمة سياسية، واقتصادية أثرت بشكل كبير على البلاد، وبشكل رئيس على معيشة المواطن
الفنزويلي البسيط، حقيقة تعكسها أرقام التضخم اللامعقولة التي وصلت إلى مليون
بالمائة حسب ما صرح به صندوق النقد الدولي، فضلًا عن الانقسام السياسي الذي وصل
إلى حد إعلان رئيس البرلمان الفنزويلي(خوان جوايدو)، نفس رئيسًا للبلاد من
أمام المتظاهرين المناصرين له، في وقت وجود رئيس شرعي للبلاد وهو(نيكولاس
مادورو)، الذي أعيد انتخابه لفترة رئاسية ثانية مدتها ست سنوات في(20 مايو
2018)، والتي رفضتها المعارضة الفنزويلية مدعية عدم شرعيتها، بسبب عمليات التزوير
الكبيرة التي حصلت فيها حسب رؤيتها، التي رفضها الرئيس مادورو، مما يعني أن
فنزويلا منقسمة بين رئيسين!، وهذا الأمر مشابه نوعًا ما لمّا حصل في ليبيا
سنة(2011)، إذ أعلن في وقتها المجلس الوطني الانتقالي نفسه ممثلًا شرعيًا وحيدًا
للشعب الليبي، في الوقت الذي كان في وجود(معمر القذافي) حاكمًا للبلاد،
والذي أدى فيما بعد إلى تدخل حلف شمال الأطلسي، بطلب من المجلس الوطني الانتقالي،
تحت مبرر حماية العشب الليبي...، فهل يفعل جوايدو كما فعل هذا المجلس في ليبيا؟.
أزمةٌ، لم تبتعد عنها ريشة الرسام الأمريكي، الذي سرعان ما أعلن اعترافه
بجوايدو رئيسًا شرعيًا لفنزويلا، موقفا التي على عداء مع توجهات النظام السياسي
الفنزويلي الذي ما زال يتبنى الاشتراكية كنهج اقتصادي، والمركزية الشديدة في إدارة
البلاد، منذ أيام الرئيس الراحل(هوغو تشافيز)، وهو ما لا يريده الأمريكان،
الذين يريدون بلاد مفتوحة على مصراعيها، من أجل نفاد شركاتها ورجال أعمالها إليها،
وهذا لا يقتصر على فنزويلا فقط بل كل دول العالم، لا سيما وأن الأرض الفنزويلية
تضم في باطنها ما يسيل له اللعاب الأمريكي، وهو الذهب الأسود(النفط)، إذ تبلغ
احتياطيات فنزويلا منه قرابة(300) مليار برميل وهو الأضخم عالميًا، وبحكم موقعها
الجغرافي القريب من الولايات المتحدة الأمريكية، يجعل من الأخيرة لا تتوانى عن
محاولات السيطرة عليها، من أجل ضمان أمدادات الطاقة الفنزويلية، والتحكم بها، لذلك
هي تفرض حصارًا اقتصاديًا شديدًا على فنزويلا من أجل كسر أرادتها المعارضة لها.
في الوقت ذاته، أعلنت كل من روسيا الاتحادية، والصين مساندتها للرئيس
مادورو، حتى أنهما وقفتا بالضد من مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن الدولي، يدين
النظام الفنزويلي، وهم أي الروس والصينيون لديهم أهداف عدة من موقفهم هذا أهمها:
1- الوقوف بوجه الهيمنة الأمريكية.
2- حماية النظام الفنزويلي حليفهم الأبرز في أمريكا اللاتينية.
3- الخشية على حجم المصالح الاقتصادية الروسية، والصينية في فنزويلا،
والخوف من فقدانها إذا ما تمت الإطاحة بمادورو، ومجيء نظام سياسي معارض
لسياساتهما، وهو ما تهدف إليه الولايات المتحدة الأمريكية.
إلّا أنَّ في الوقت ذاته أعلن جوايدو أن المصالح الروسية، والصينية في
بلاده سيتم الحفاظ عليها، إذا ما أصبح رئيسًا فعليًا لفنزويلا، لكن هذا لا يكفي لا
سيما وأنه مدعوم أمريكيًا، وهو أكثر ما يخشاه الروس، والصينيون، في الوقت ذاته ومن
وجهة نظري المتواضعة في الأخير سيخضع الرئيس مادورو لحجم الضغوط المتزايدة على
نظامه سواءً داخليًا أم خارجيًا، ومهما كانت الممانعة التي تبديانها روسيا
الاتحادية، والصين لحماية مادورو، إلّا أنَّ عامل البعد الجغرافي له أثره، فضلًا
عن الدعم الأمريكي اللامحدود للمعارضة الفنزويلية، لا سيما وأن الولايات المتحدة
الأمريكية متمسكة بخيار رحيل الرئيس مادورو، ولا توجد فرصة سانحة أفضل من هذه، حتى
أن رئيسها(دونالد ترامب)، لوح بخيار التدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا!، وهنا
يعود مبدأ(أمريكا للأمريكيين) الذي نوهنا عنه
سابقًا، وقد يكون بدعوة من جوايدو!، تحت مبرر حماية الشعب الفنزويلي كما حصل في
ليبيا، والذي لجأت إليه في العديد من التدخلات العسكرية التي شنتها في
الأمريكيتين، وهو العامل الأخر الذي يعطي لها الأفضلية على حساب روسيا، والصين،
فبعد أن كان هذا المبدأ موجهًا ضد تدخلات القوى الأوربية، أصبح اليوم يستخدم ضد
تدخلات الروس والصينيون، فضلًا عن ذلك فإن دول أمريكا اللاتينية تتماهى بشكلٍ أو بآخر
مع الموقف الأمريكي، لا سيما وأنها وجهت دعوة لفنزويلا بشأن قبولها لمّا أسمتها
بالمساعدات الإنسانية، في اجتماع عقد في العاصمة الأكوادورية(كيتو)، ذلك في شهر
أيلول من العام(2018)، وموقفها هذا يعبر عن خشيتها المتزايدة من تزايد هجرة
الفنزويليين باتجاه بلادهم بحثًا عن العمل والاستقرار، بسبب ما تمر به بلادهم من
أوضاع اقتصادية صعبة، وفي الأخير فإن ما يحصل في فنزويلا، أو في سوريا، أو في مكان
من بلاد العالم، ما هو إلّا صراع من أجل ترسيخ الهيمنة الأمريكية، في الوقت الذي
تقف فيه بالضد من ذلك كل من روسيا الاتحادية، والصين، وهي جزءٌ من المخاض الذي يمر
به النظام الدولي برمته منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في سنة(2003).
#عبد_الله_ناهض
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
فنزويلا للأمريكيين
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار