الكاتب: عمر سلمان
"التوظيف السياسي لمنظمات المجتمع المدني"
بدأت أغلبية الوسائط
السياسية العربية المتكونة من الأحزاب وبعض التنظيمات المهنية الكبرى، والوسائط
الثقافية والإعلامية التقليدية تفقد جزءاً كبيراً ومهماً من مكانتها وشعبيتها أمام
قوة وزخم الحراك المجتمعي العربي أثناء وبعد ما يسمى بـ (ثورات الربيع العربي)،
فلم تعد تمتلك الآليات المادية والمعنوية التي تتيح لها إمكانية مسايرة وضبط
صيرورة التغيير السياسي والاجتماعي داخل مجتمعاتها، وبما يمكنها من فهم ديناميات
التغيير التي تعيشها بلدان (الربيع العربي)، في مقابل نجاح الجمعيات
والجماعات الافتراضية والقوى المدنية في توظيف وسائل الإعلام الاجتماعية في
التفاعل إيجابياً مع الحراك المجتمعي، وتوظيف هذه الوسائط بشكل مكثف، من أجل خلق
مجال عام تتموضع فيه هذه الجمعيات لصدارة المشهد على حساب خصومها التقليديين،
الذين اكتفوا باللحاق المتأخر بركب حراك التغيير.
تحول الفضاء الرقمي
الرحب إلى أداة فعالة للاحتجاج والتنسيق والتعبئة من أجل إرساء ثقافة جديدة للتغير،
قوامها إنهاء ثقافة الزعامة والاستبداد والتطلع نحو ثقافة الحرية والمواطنة، والتي
في سياقها بدأ دور الأحزاب يتراجع وينكمش مقابل بروز تنظيمات مجتمعية لتحل محلها،
تعمل على معالجة مواضيع مختلفة ومتنوعه ومرتكزة بذلك إلى إطار عالمي جديد تحكمه
العولمة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
إذ أضحت دينامية تطور دور الجمعيات واقعاً متجذراً في الحياة اليومية
لعدد من المجتمعات، ويبقى هذا التطور مرتبطاً بطبيعة المهام الموكلة إليها التي
يبدو أن الحكومات في عدد من البلدان، وكذلك المنظمات الدولية تسندها إلى الجمعيات
غير الحكومية لتبرز هذه الأخيرة طرفاً فاعلاً في العالم، فتجد من خلالها الحكومات
والمنظمات الدولية منفذاً لتمرير مواقفها، وهكذا تتخلص من القواعد المعمول بها
والعرف الدبلوماسي بما يفرضه من نواميس وقيود؛ فتعيد بذلك توزيع القوة بأشكال
مبطنة، تحمل ظاهرياً أبعاد تحررية ديمقراطية؛ وبذلك تعمل الدول الغربية على توظيف
هذه الجمعيات سياسياً، والتلاعب بها من خلال تمرير المواقف والاتجاهات؛ ويتم ذلك
عبر التمويل وقوة المال لتفرض هذه الدول النافذة محاور وقضايا اهتمام ولتحجب أخرى
بالضرورة، ومما يزيد من شبهة التوظيف السياسي الغربي لهذه الجمعيات هو الاجتماعات
واللقاءات العلنية في بعض الأحيان بين الحكومات والجمعيات غير الحكومية، وذلك
تنسيقاً للمواقف وتوزيعاً للأدوار، بحكم ما تتمتع به حكومات البلدان الغنية من موارد
مادية وبشرية تعمد إلى اللجوء للجمعيات المحلية في عدد من البلدان النامية لكسبها
بطرق غير مشروعه وتمويل مشاركتها في المحافل الدولية بغرض دعم مواقف تلك الدول.
في تقديرنا إنَّ مفهوم
الجمعية المستقلة أو المحايدة ربما يكون ضرباً من الخيال، وأسطورة، وأمر غير واقعي،
وهو لم يكن كذلك خلال الحرب الباردة، ولا يمكن أن يكون في حاضرنا مع العولمة
ومنطقياً لا يمكن القول بوجود جمعية من دون خلفية سياسية، فالجمعيات يؤسسها أفراد،
ولكل فرد خلفية سياسية حتى وإن كانت تلك الخلفية السياسية غير بارزة أو معلنة، أضف
إلى ذلك سياسات الأنظمة العربية التي صحرت الساحة السياسة، مما دفع إلى لجوء
سياسيين إلى العمل الجمعياتي والحقوقي، لا سيما إذا ما علمنا أيضاً أن الأحزاب
الكبرى في العالم وحتى على المستوى المحلي أصبحت تنشأ حولها شبكة من الجمعيات
تتحرك أغلبها بطريقة مقنعة، ووفق برنامج عمل لا يتم الكشف عنه، كما توظف هذه الأحزاب
الجمعيات لاستقطاب الطاقات البشرية.
وهذه الجمعيات غير الحكومية تتحالف فيما بينها عن طريق شبكاتها الخاصة
وعلاقاتها محلياً، وإقليمياً، ودولياً حتى يتوسع محيط تأثيرها في معالجة الموضوعات
المطروحة، وتمرر مواقفها إلى باقي الأطراف، مكونة بذلك منظومة أممية من جنسيات
مختلفة تتحرك في إطار فضاء عالمي واسع، وتقوم بمهام متعددة ومتنوعه منحتها مشروعية
متجددة أُسست بمقتضاها تحالفاً جمعياتياً كونياً جديداً يسعى إلى إنجاز جملة من
التحركات يأتي في مقدمتها تحقيق تكامل اجتماعي وإنساني، واقتحام فضاءات بقية
الجمعيات والتحالفات لإبراز أفكار جديدة، كما تحتاج إلى آفاق إعلامية واسعة: ككسب
قنوات تلفزيونية، وفضاءات افتراضية جديدة، وضمان تغطية أفضل لنشاط القوى المدنية
المختلفة، وتدعيم مصداقية الأطراف المتحالفة، ومضاعفة أثرها ضمن مجتمعها المحلي
وضمن المجتمع الدولي أيضاً، ولا سيما في حال فتح أبواب الصراع مع السلطة والأحزاب الحاكمة.
في تونس على سبيل المثال أخذت هذه الجمعيات المتحالفة تحصد مواقع متقدمة في
المجتمع التونسي تجسم هذا التحالف عبر عدد من المبادرات من بينها ما أنجزه عدد من
الجمعيات من تحالف حمل اسم ((المجلس الوطني للجمعيات)) الذي سعى جاهداً إلى
ترشيح قوائم ترتبط به بشكل غير مباشر في انتخابات (أكتوبر/ 2014)، ومن بين هذه
المبادرات أيضاً تجمع عدد من الجمعيات لمراقبة الانتخابات التشريعية في تونس في (أكتوبر/
2014)، فقد أصبحت رقماً صعباً في معادلة مستقبل تونس وطرفاً مهماً في الحياة
السياسية للبلاد، وقد ساهمت في كتابة الدستور التونسي عام (2014)، وفي صياغة عدد
من القوانين المهمة، ومراقبة الانتخابات، واستقطاب وتدريب عدد من الشبان على
متابعة سير العملية الانتخابية في تونس، ومستخدمة النظم المعلوماتية والإنترنت في إنجاز
أعمالها، والتعريف ببرامجها، فارضة بذلك وجودها وحضورها ونفوذها، ثم أثر مواقفها
وقراراتها في الأحزاب السياسية المترشحة للانتخابات. على الرغم من المخاطر الآنفة
الذكر إلّا أنَّ لهذه المنظمات جملة من المزايا والوظائف المهمة من بينها: توفير
الخدمات، فقد باتت هذه المنظمات جهاتٍ مهمة لتقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ
برامج التنمية الأخرى كمكمّل للعمل الحكومي، فهي لا تلغي دور الحكومة بقدر ما
تدعمها، وتسد النقص فيها، بفعل ديناميتها في التحرك، لا سيما في المناطق التي يضعف
فيها التواجد الحكومي كما في أوضاع ما بعد انتهاء الصراعات وفي إغاثة ما بعد الكوارث،
والمساهمة في العملية التنموية من خلال تقوية وتمكين المجتمعات المحلية والمساهمة
في رسم السياسات والخطط العامة على المستويين الوطني والمحلي، من خلال اقتراح
البدائل والتفاوض عليها أو التأثير في السياسات العامة لإدراج هذه البدائل فيها،
ولتحقيق أهدافها ، كما تساهم في خلق وتنمية الوعي، وحماية حقوق الإنسان، وتطوير الأطر
القانونية ذات الشأن التي تكفل حقوق الإنسان وتدفع باتجاه التنمية، وكذلك القوانين
التي تضمن شفافية المعلومات والحق في المشاركة. والحق إنَّ وجود منظمات المجتمع
المدني في دولة ما إنَّما يدل على استقرارها وسيادة القانون فيها. إلا أن السؤال
الذي طرحه رئيس الجمعية التونسية لقانون الإنترنت الأستاذ "جوهر الجموسي"
يبقى قائماً؟ وهو: هل بقيَّ معنى لاستقلال المجتمع المدني أمام هذه التشبيك
الجمعياتي؟ وهل بقي معنى للاستقلال أساساً؟".
- منظمات المجتمع المدني تعرفها "أماني قنديل"
بانها: مجمل التنظيمات الاجتماعية التطوعية غير الأرثية وغير الحكومية، التي ترعى
الفرد وتعظم من قدراته على المشاركة في الحياة العامة، وتقع منظمات المجتمع المدني
في مكان وسيط بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الأرثية، إذاً هي تنظيمات اجتماعية
تطوعية تملأ المجال العام بين الدولة والأسرة لتحقيق مصالحها أو منافع اجتماعية
ملتزمة بمعايير وقيم مجتمعها، مشتملة بذلك كل منظمات القاعدة الشعبية غير الحكومية،
وتصنف أنشطة المنظمات غير الحكومية عادة إلى ثلاث مجموعات: الأنشطة الخيرية،
وأنشطة الرعاية الاجتماعية، الأنشطة التي تهدف للمشاركة في تحقيق التنمية، الأنشطة
التي تهدف إلى إعداد السكان وتأهيلهم للقيام بدور إيجابي في عمليات اتخاذ القرارات
على المستوى المحلي والوطني. وبالرغم من مساحات التقاطع بين كل من التنظيم السياسي
والمنظمة الأهلية من حيث السعي نحو تغيير ميزان القوة في المجتمع لصالح فئات
وشرائح بعينها، ومن حيث وجود رؤية وبرنامج عمل متكامل، أو من حيث بعض وسائل
وأساليب العمل، فإن مسألة الحصول على السلطة أو المشاركة فيها تمثل الفرق الرئيسي
بين الاثنين (الأحزاب وباقي منظمات المجتمع المدني).
#عمر_سلمان
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
التوظيف السياسي لمنظمات المجتمع المدني
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار