الكاتب: عبد الله ناهض
«عقدة
النقص الإسرائيلية»
كثيرًا ما تتداول
غالبية الشعوب العربية في أحاديثها اليومية، الأخبار التي تتحدث عن قوة إسرائيل
وعظمتها كما تراه هذه الشعوب قياسًا بها، لا سيما وإنها قد تعرضت لنكسات وخيبات
متوالية منذ قيام هذا الكيان سنة(1948)، أهمها نكسة حزيران(1967) تلك الحرب
الخاطفة التي هزمت فيها(إسرائيل) ثلاثة جيوشٍ عربية(المصري، السوري،
الأردني) في غضون ستة أيامٍ، فقد العرب بوصلتهم بعدها، وضاعوا وتشتتوا،
وأُصيبوا بخيبةِ أملٍ كبيرةٍ، أخرجتهم من سياق الفعل التاريخي فضلاً عن الحاضر وربما
في المستقبل، ليتحولوا إلى مجردِ جماعاتٍ بشريةٍ تنتظر قدرها المحتوم، خائفة من
ذلك البعبع الذي لا يرد ولا يهزم إنه(إسرائيل)، لا بل أصبحت تقف ضد كل من
يحاول المواجهة، باعتبار أن ذلك ضربٌ من ضروبِ الخيالِ والجنونِ، وطريقًا للهلاك،
ولسان حالهم يقول: "نحن ارتضينا لأنفسنا دور المهزوم، الأهم؛ السلامة
والاطمئنان!"، لكن أي سلامة هذه؟، في ظل هذا الخنوع الذي لن يغفره لنا
التاريخ، ولا أجيالنا اللاحقة.
هذا الخوف الساكن في قلوب هذه الشعوب، أفقدهم حتى القدرة على مجرد
التفكير بما تعانيه(إسرائيل) من نقاطِ ضعفٍ، إذ أن هذا الكيان لديه مثالب
كبيرة، أهمها فقدانه للعمق الجغرافي، الذي وصل إلى حد العقدة التي دائمًا ما تشغل
بالَّ مفكريه وسياسييه، وأخذوا بالتفكير حول الكيفية التي يمكن عبرها معالجة هذا
الخلل، لا سيما وأنه محاط بدول ذات مساحات جغرافية شاسعة إذا ما قورنت معه أهمها
مصر التي تصل مساحتها إلى حدود(1,002) مليون كم2، وسوريا التي مساحتها
تصل إلى(185,180) ألف كم2، والأردن الذي مساحته(89,342) كم2،
بينما مساحة لبنان تصل إلى(10,452) ألف كم2، وإذا ما قارنا مجموع هذه
المساحات الذي يصل إلى(1,286,974) مليون كم2، مع مساحة(إسرائيل) التي
تصل إلى(20,770) كم2، تعد لا شيء قياسًا مع مجموع مساحة الدول العربية
المحيطة بإسرائيل، هذا بالنسبة لجواره الإقليمي المباشر، أما بالنسبة للجوار
الإقليمي شبه المباشر، كالعراق الذي تصل مساحته إلى(437,072) ألف كم2،
والمملكة العربية السعودية التي مساحتها تصل إلى(2,149) مليون كم2،
فضلاً عن بقية الدول العربية التي تشكل جميعها مساحة تصل إلى(14) مليون كم2.
بالتالي كيف به المحافظة على أمنه وسط هذه الجغرافية المترامية
الأطراف، والتي يعدها على أنها معادية له، ومستعدة للانقضاض عليه في أي وقت، ما إن
سنحت لها الفرصة، لذلك لا بد من إيجاد الاستراتيجية التي تكفل ضمان وجوده الدائم
في ظل هذه البيئة، الذي هو عبارة عن قطرة في وسط هذا البحر الجغرافي الكبير،
وتتمثل هذه الاستراتيجية بالآتي:
أولًا: ضمان الدعم الدائم لها من قبل القوى الدولية المسيطرة، وأهمها
دعم الولايات المتحدة الأمريكية، حتى إذا ما فكر العرب لوهلة بالهجوم على(إسرائيل)،
سيعلمون أن هنالك دولةً بهذا الحجم والقوة خلفها، بالتالي يمثل هذا الدعم عامل ردع
للعرب.
ثانيًا: العمل على استمرار التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي.
ثالثًا: إجبار العرب على عقد معاهدات للسلام معها، من منطلق ضعف لا
قوة، ولكن! يواجه ندا، ونجحت على هذا الصعيد بعقد ثلاثة معاهدات مع مصر سنة (1978)،
والسلطة الفلسطينية وما سميت حينها باتفاقيات أوسلو في سنة (1993)، وكذلك اتفاقية
وادي عربة مع الأردن في سنة (1994).
رابعًا: ضمان عدم وقوف دول الجوار الإقليمي غير العربي مع العرب،
والمتمثل بـ(تركيا، إيران، أثيوبيا)، والعمل أما على التحالف معها أو
تحييدها على الأقل.
خامسًا: ضرب ومحاربة أي تيار سياسي وفكري عربي وحتى عسكري، يؤمن بفكرة
المواجهة مع(إسرائيل)، انطلاقًا من مبدأ الحرب الوقائية أو الاستباقية،
التي تقض مضاجع كل من تسول له نفسه معاداتها.
سادسًا: استغلال الجانب الدعائي والإعلامي، والعمل على استمرار دعمه
لها لا سيما العالمي؛ من أجل وأد أي توجه إعلامي معادي لها، وكذلك بث الأفكار
والسياسات التي تهدف إليها، أهمها أن فلسطين هي حق تاريخي لإسرائيل، وأن العرب هم
غرباء على هذه الأرض يجب طردهم، وأن الفلسطينيين إرهابيين، وأنها مجرد حملاً وديعاً
وسط هذه الجموع من البرابرة(العرب)، وهذا ما يتم الترويج له بشكل كبير على
مواقع التواصل الاجتماعي.
سابعًا: دعم الأفكار التي تروج للأقليات في العالم العربي، فضلاً عن
دعم الانقسام الطائفي بين العرب أنفسهم، على أنها مضطهدة، وتعاني من ظلم وحيف كبير
من قبل العرب، مما يؤدي إلى خلق فجوة عميقة بينها وبينهم، بالتالي بذر بذور
الانقسام بين أفراد الدول العربية، فبدل أن يقال أن هذا مواطن عراقي، أو سوري، أو
مصري، أو لبناني، سيتحول الأمر إلى أن هذا كردي، أو شيعي، أو سني، أو درزي، أو
علوي...الخ، مما يؤدي إلى القضاء على فكرة أن العرب أمة واحدة ذات كيان يمتد من
المحيط الأطلسي غربًا وحتى الخليج العربي شرقًا، عندها ستذوب إسرائيل وسط هذه
الفئات، وهذا ما يرمي إليه مشروع(الشرق الأوسط) الذي طرحه الرئيس
الإسرائيلي(بيريز).
ثامنًا: وهذا بدوره سيقود إلى تفتيت الدول العربية جغرافيًا، لتتحول
إلى كيانات جغرافية صغيرة، عبارة عن كانتونات متناحرة فيما بينها على الأرض
والموارد، بينما(إسرائيل) تنعم بالأمن والسلام والديمقراطية والقوة وسط هذه
الواحة المريضة.
تاسعًا: القضاء فكرة العداء العربي - الإسرائيلي، وتحويلها باتجاه أعداء
افتراضيين، كإيران كما يروج له اليوم، وكذلك الترويج لفكرة أن العرب أعداء فيما
بينهم، مما يؤدي إلى نسيان أن هنالك عدو أسمه(إسرائيل).
هذا وربما غيره سيؤدي
إلى سد عقدة النقص التي يعاني منها هذا الكيان منذ قيامه، يبقى علينا نحن العرب أن
نعي خطورة هذه الاستراتيجية، وأن نعمل على توعية شعوبنا، لتعي مدى ما يحاك ضدها
خلف الكواليس، ولربما سيقول قائل: يا رجل أن ما ذهبت إليه في مقالك هذا ليس
بالجديد، أقول له: أن هنالك الكثير منا لا يعرف ذلك، وحتى وإن عرفوا فهي معرفة
بسيطة وسطيحة، لا تجعلهم يدركون مدى الخطر المحدق بهم، كذلك أقول لهم: لماذا(إسرائيل)
لا تدخر جهدًا للترويج على الدوام لأفكار عمرها ألآف السنين، فهي تسير وفقًا لنهج
أكذب... أكذب حتى يصدقك الناس، فكيف بنا نحن أصحاب الحق؟، وكما قيل في الأثر إنَّ
الساكتَ عن الحقِ شيطانٌ أخرس والسلام.
#عبد_الله_ناهض
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
عقدة النقص الإسرائيلية
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار