الكاتب: عبد الله ناهض
"دواعي الانسحاب الأميركي من سوريا"
هكذا إذًا ودون
مقدمات، أعلن الرئيس الأميركي (دونالد ترامب)، انسحاب قوات بلاده المتواجدة
على الأراضي السورية في (19/12/2018)، بعد ما عده انتفاء شرط تواجدها ألّا وهو؛
القضاء على تنظيم (داعش)، وهو الشرط الوحيد الذي تواجدت من أجله القوات
الأميركية في سوريا. هذا القرار أثار زوبعة من المواقف المعارضة له، سواءً على
الصعيد الداخلي والذي كان أبرزه استقالة وزير الدفاع الأميركي (جيمس ماتيس)،
إذ عد أن هذا القرار سيؤدي إلى تزعزع ثقة حلفاء بلاده بها في المنطقة العربية،
بسبب ما يرونه من مواقف أميركية تفسر على أنها تخلي عنهم، أما على الصعيد الخارجي
فكان أبرز المتضررين، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية، والتي كانت
هذه الخطوة بمثابة "طعنة في الظهر" بالنسبة لها إذا ما جاز لنا الوصف.
لكن، إذا ما أردنا تفسير أسباب هذا الانسحاب علينا الرجوع قبل كل شيء
إلى الشعار الذي رفعه ترامب وهو "أميركا أولاً"، الذي يلخص به نهج
إدارته، بالتالي فهو ينطلق في أي تحرك على الصعيد الخارجي من هذا الشعار، والذي
أول ما نادى به في سنة(1991)، رئيس تحرير مجلة (Foreign Affairs) (ويليام هايلاند)، إذ يرى أن بلاده إذا ما أرادت بناء نظام
عالمي جديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ((فإن المكان الأول لتحقيق هذا الهدف هو
الداخل عبر "وضع أميركا أولاً"))(1)، وهو ما سار عليه اليمين
القومي الأميركي، الذي يعد ترامب من أنصاره، وعليه فإن أي قرار سيتخذه، سينطلق من
هذه القاعدة، بالتالي يمكن القول إن إعلانه سحب قوات بلاده من سوريا راجع إلى جملة
أسباب داخلية، وخارجية، وهنا سأركز على الجانب الخارجي تحديدًا فهو ما يهمني في
مقالي هذا أكثر من الأسباب الداخلية.
ليس غريبًا أبدًا قرار ترامب هذا على الإطلاق، فإذا ما رجعنا إلى
استراتيجيته للأمن القومي سيتأكد لنا دوافعه التي دعته لهذا الأمر وإن كان بطريقة
غير مباشرة نستشفها من بين ثناياها، فأميركا اليوم ترى أن أبرز المخاطر المحدقة
بها على الصعيد الخارجي، تتمثل في خطرين اثنين هما: خطر الصعود الصيني، وكذلك عودة
روسيا، فإذا كانت الصين منافسها على الصعيد الاقتصادي، وكذلك ما تعده سرقة سافرة
يمارسها التنين الصيني بحق الابتكارات الأميركية، فروسيا منافستها على الصعيد
السياسي، والاستراتيجي، وقد تأكد لها ذلك بعد تدخلها في أوكرانيا وضمها لجزيرة
القرم عام)2015)، وقبلها في جورجيا عام (2008)، فضلاً
عن تدخلها العسكري المباشر في سوريا أيضًا كان في عام(2015)، دعمًا لحليفها (بشار
الأسد)، هذا من غير الجهود الرامية التي تقودها كل من روسيا، والصين، والتي
هدفها الدعوة لإقامة نظام عالمي قائم على التعددية القطبية، لا الأحادية القطبية،
مما يعني تهديدًا حقيقيًا للزعامة الأميركية العالمية، أمام كل هذه المخاطر
بالتأكيد لن تقف الولايات المتحدة الأميركية مكتوفة الأيدي، ولديها العديد من
الأوراق القوية التي يمكن لها استخدامها للحد من تنامي هذه التحديات.
لذلك إن إعلان ترامب انسحاب قواته من سوريا، لم يكن من فراغ، بل هو في
الحقيقة من أجل التفرغ لهذين الخطرين، ولا سيما الخطر الصيني، إذ يريد تركز جهوده
صوب منطقة شرق آسيا، أو ما تسمى بمنطقة بحر الباسفيك، والمحيط الهادئ عمومًا، مع
إعطاء دور أكبر لشركاء وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية في منطقتنا، كتركيا،
والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل، من أجل الاضطلاع بمهمة حلحلة مشكلات الشرق
الأوسط، دون أن تتدخل أميركا بنفسها مباشرة، وما عليها إلا توفير الدعم لهم سواء
سياسيًا، أم عسكريًا، وهذا ما يؤكد عليه ترامب دائمًا، إذ يدعو على الدوام حلفاء
بلاده تحمل المزيد من المسؤوليات، والأعباء الدولية معها، فهي ليست راكبًا مجانيًا.
وكانت أولى خطوات ترامب التصعيدية أتجاه الصين هي: فرض المزيد من
الرسوم الكمركية على البضائع الصينية الداخلة لبلاده، بغية تقليل عجز الميزان
التجاري الذي بين البلدين، والذي تميل كفته لصالح الصين، إذ بلغت قيمة حجم
الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة الأميركية لعام(2017)(505,470) مليار
دولار، بينما الصادرات الأميركية إلى الصين بلغت(129,893) مليار دولار، مما يعني
أن الميزان التجاري بينهما يميل لصالح الصين، بفارقًا كبيرًا مقداره(375,5) مليار
دولار، ووصل حجم تلك الرسوم على الصين التي فرضها ترامب إلى(200) مليار دولار(2)،
كذلك الوقوف ضد ما أسمته الولايات المتحدة الأميركية، السرقة التي تمارسها الصين
بحق ابتكاراتها، إن هذه الأسباب وغيرها، تخفي ورائها حقيقة الخشية الأميركية من
النهوض الصيني السريع واثق الخطوات، فالصين اليوم هي القطب الثاني عالميًا على
المستوى الاقتصادي، وما هي إلا سنوات قلال إذا ما استمرت على هذه الوتيرة، حتى
تصبح في المرتبة الأولى عالميًا اقتصاديًا على الأقل، مما يعني عمليًا إزاحة القطب
الأميركي عن عرينه، الذي تسيده منذ الحرب العالمية الثانية.
لذلك تهدف الولايات المتحدة الأميركية ترشيد أعبائها الدولية، وتحميل
الشركاء والحلفاء المزيد من المسؤوليات للتفرغ للتحديات الدولية الأكثر أهمية من
تواجدها في سوريا، والذي يمكن ملؤه من قبل الحليف التركي، أو حتى الأكراد، بالتالي
لم يبتعد ترامب كثيرًا عن استراتيجية سلفه السابق(باراك أوباما)، والتي أيضًا كانت
تهدف إلى إعطاء الحلفاء المزيد من المسؤوليات الدولية، وربما يعد تدخل حلف شمال
الأطلسي في ليبيا عام(2011) أبرز مثال على ذلك، إذ يعي الأميركان أن العالم أكبر
وأعقد من أن تتكفل بمسؤولياته لوحدها، وتأكد لهم ذلك بعد احتلالهم للعراق في سنة(2003).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): نقلاً عن: يحيى سعيد قاعود-علا عامر الجعب، وثيقة الأمن
القومي الأمريكي (2017) قراءة تحليلية في استراتيجية ترامب، قراءات استراتيجية،
العدد العشرون، السنة العاشرة، مركز التخطيط الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية،
أبريل (2018)، ص92.
(2): غولبين يلدريم: أمريكا تبحث عن خفض العجز التجاري
"الضخم" مع الصين، وكالة الأناضول، 26/6/2018، على الموقع الإلكتروني:
https//:www.aa.com.tr/ar/1186327
#عبد_الله_ناهض
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
دواعي الانسحاب الأميركي من سوريا
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار