الكاتب: مروان عدنان
((العرب والسخرية المتبادلة))
صارَ ملاحظاً
بوضوح، ذلك الانتقال النوعيّ، في إدارة الخصومات والتسقيط المتبادل بين الدول
العربية، بالاعتماد على "البرامج السّاخرة"، أو نستطيع تسميتها
"بالموجّهة"، اشتقاقاً ممّا يطلق على النكتة السياسية في الأساس، بكونها
"فنّ موجّه".
وقد تكاثرتْ مثل هذه البرامج، في الأعوام الأخيرة، إذ تكاد لا تخلو
قناة فضائية، من برنامج ساخر، يتناول الشأن السياسي.
فالإعلامي اللّبناني "نديم قطيش"، يقدّم برنامجه (DNA)، من خلال قناة العربية، وهو مكرّس لانتقاد خصوم السعودية في لبنان، كحزب الله، والمتحالفين معه، من قوى سياسية لبنانية، بينما يقدم لبناني آخر، وهو "نزيه الأحدب"، برنامجه (فوق السلطة)، من خلال قناة الجزيرة، ويتناول بشكل بارز، السخرية من خصوم قطر، والموالين للسعودية في لبنان، كتيار سعد الحريري.
الإعلامي المصري الشابّ "يوسف حسين"، حجز مساحته المؤثرة في الصراع باستخدام "الكوميديا السوداء"، من خلال تقديمه لبرنامج "جو شو" من خلال قناة تلفزيون العربي، وهو برنامج معدّ للسخرية من نظام السيسيّ في مصر، ومن خصوم قطر والإخوان المسلمين، كالسعودية والإمارات.
الإعلامي المصري الشهير "باسم يوسف"، وقبل إيقاف برنامجه "البرنامج"، كان يشكل نواة البرامج الساخرة، عمل من خلال برنامجه، على تقليد الإعلامي الأمريكي الساخر "جون ستيوارت"، وكان لا يقف عند حدّ، بنقده السّاخر واللّاذع، لجهات سياسية عدّة، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، والدعم القطري لهم، والرئيس المعزول محمد مرسي، وحتى مسّ السيسيّ نفسه، عندما كان يخوض حملته الانتخابية، قبل أن يتمّ إيقاف البرنامج إلى غاية اللّحظة.
في العراق، فقد حقّق برنامج "البشير شو"، شعبية ساحقة جداً، بتجاوزه الخطوط الحمراء، وانتقاده اللّاذع للواقع السياسي القائم، ولرموز العملية السياسية، مما أثارَ جدلاً واسعاً، بين ناقدٍ له ومؤيد، حتّى تعرّض البرنامج، لإيقاف عرضه على الفضائيات العراقية، بينما أستمرّ بثّه من خلال القناة (DW) الألمانية.
قبل "البشير شو"، قدّم الكاتب العراقي السّاخر "داوود الفرحان"، برنامج "حوار الطرشان"، أنتقد من خلاله، وعبر أسلوب كوميدي النظام السياسي بكل عوراته وفساده.
تعتبر برامج السخرية
المتبادلة، حالة حضارية، ما دامت النكتة في كلّ الأحوال، تحلّ محلّ الرصاصة، إذ
يجمع الكثير من الباحثين في هذا الميدان، أن للدعابة السياسية (النكتة السياسية
الناقدة) أثراً تصحيحياً بقدرٍ ما، باعتبارها اعتراضاً أو شكوى وضعتْ في قالبٍ
طريف، يسمح لها بالوصول بسرعة إلى سمع الحاكم، غير أن ذلك لا ينفي عنها الأثر التدميري،
والتسقيطي في أحيانٍ كثيرة.
ينسب هذا الفنّ بشكله الحالي، إلى الغرب، حتّى إنّ أشهر برنامج تلفزيوني في فرنسا، يشاهده الجميع، هو بابت شو (PUPPET SHOW) الّذي يسخر من المسؤولين، بمن فيهم رئيس الدولة، كما يذكر ذلك هشام جابر في كتابه "النكتة السياسية عند العرب".
غير أن جذوراً ضاربة في القدم، تسجلها الذاكرة العربية عن الظرف السياسي، وانتقاد السلطة، ابتداءً من كتاب "جمع الجواهر في الملح والنوادر" للحصري القيرواني، مروراً "بالمستظرف" للمرزباني، إلى كتاب "الفافوش في حكم قراقوش" لابن ممّاتي، وكتاب "نوادر جحا"، وليس انتهاءً بمسرح "دريد لحّام" في سوريا، وأحمد رجب بمصر، والصحف الساخرة "كحبزبوز" العراقية، وسائر الكتاب الساخرين المعاصرين.
وليسَ أمراً يسيراً، أن
تنجح في محاربة خصمك بالسّخرية، فالمسألة لا تعتمد على شخصٍ بمفرده غالباً، إنها
تتطلب فريقاً كبيراً من المعدين، ممن يراقبون ويرصدون، هفوات "الهدف"،
قرارات الدولة الخصم، وأحداث المجتمع المرصود، وقرارات ما يسمح بعرضه، وما لا يسمح،
حسب الدولة الراعية، والمال المدفوع، لذا تبقى "السخرية العربية"، محلّ شكّ هي الأخرى، لارتباطها
بالحرية، ومعلوم مستوى "الحرية" في البلاد العربية، رغم القول المأثور
"أن الحرية تولد النكتة، والنكتة تولّد الحرية".
ختاماً، تقول نكتة عربية قديمة:
إن إسرائيل هجمتْ على فلسطين.
وأين العرب؟
يستعدون للهجوم.
على من؟
على العرب طبعاً!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#مروان_عدنان
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
((العرب والسخرية المتبادلة))
4/
5
Oleh
Unknown
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار