الكاتب: ناظم علي ناظم
"قُرّاء لا يجيدون القراءة"
في العالم الرقمي
اليوم، صارت القراءة إلكترونية أكثر منها ورقية، وذات محتوى صغير نسبياً، كما هو
حال مواقع العالم الافتراضي. ومصادر المعلومات لم تعد حكراً على الجامعة أو مراكز
البحث، وإنما أضحت متاحة وسهلة الحصول بضغطة زر، تكون أمامك عند الطلب من عالم الإنترنيت.
إن كثافة وتنوع
المواد المقدمة من سمعية، ومرئية، ومقروءة، تفوق أضعاف ما يستوعبه العقل البشري في
مدة محدودة، لذا كان ترتيب الأولويات من الأهم إلى المهم، ضرورة في مسيرة التعلّم،
وهنا أقصد التعلم الذاتي، الذي يكون في بعض وجوهه متعدد الأساليب. فالاستماع أو
مشاهدة "يوتيوبية" هادفة، تحقق الكثير من الفوائد المعرفية، وربما تختصر
لك كتاب معين في ساعة، تستغرق قراءته أسبوعا كاملاً.
إلّا إنه من الصعب القول، أن كل من قرأ صار مدركاً أو فاهماً، وقد
يكون الأمر على العكس من ذلك، حينما تجد كتاباً ما، يمارس عملية "تسطيح"
أو تزييف للوعي الإنساني، حينها يجب التنبه إلى تلك المواد أو الكتب المفخخة! ولا يمكن
أن نبرئ انحيازنا النفسي، في الركون إلى معارف تقليدية، تزيد من اطمئنانا الفكري،
مما قد تحجب عنا حقائق مهمة، ثم نقع في وهم العلم والمعرفة.
على الرغم من انكباب الكثير من الناس على القراءة، إلا إنهم يجهلون
كيفية القراءة المنظمة، ولا بد أن أشرك القرّاء تجربتي الشخصية، ما دمت لم أجد من
تطرّق إلى ذلك من الكتاب قبلي.
علينا أن نفهم بدايةً، أن المعرفة تأتي بالتراكم، والصبر في التحصيل،
وسأركز هنا على الكتاب دون غيره. وتأسيساً على هذا، لا بد أن نقسم هذه المسيرة إلى
ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: أن تكون القراءة بشكل أفقي. بمعنى أن نقرأ كل ما يقع
في أيدينا من كتاب تستهويه أنفسنا. وهذه تستمر ست أعوام، وبمعدل لا يقل عن
ثلاث/أربع ساعات باليوم. ومن المهم أن نعمل على تلخيص ما نقرأه، ونحتفظ به في مكان
معين، للمراجعة بين الحين والآخر. وفي هذا المستوى يمنع اللجوء إلى المختصرات من الكتب،
لأنها قد تجعل عقولنا كسولة، ذات طبيعة متلقية وغير باحثة عن الحقائق بنفسها.
أما المرحلة الثانية: فالقراءة تكون عمودية أكثر منها أفقية. فمثلاً
قد يكون قد وردك أسم عالم النفس "فرويد" في ثنايا كتاب ما، وتتعرّف على
نظريته، إلا أنك في هذه المرحلة عليك أن تقرأ كتبه، وكذا الحال مع فيلسوف أو عالم
آخر، إذ يجب أن تقرأ للمؤسسين الأوائل للعلوم التي بين أيدينا، وتسمى عادة بكتب
"الأصول أو المراجع". وتستغرق هذه عدة أعوام كسابقتها في الأولى، يبقى
أن نذكّر أن شخصاً ما، يميل إلى كتب التأريخ أكثر من الفلسفة، فهنا تكون الأولوية
للأول دون الثاني، علماً أن العلوم الاجتماعية يجب أن تقرأ مجتمعة، فهي تكمل
إحداهما الأخرى، من أجل الحصول على رؤية وحقيقة من جميع الجوانب.
والمرحلة الثالثة: تكون
القراءة لكتب أهل الفكر النقدية، وأصحاب المشاريع النهضوية، كـ "محمد عابد
الجابري"، "أركون"، "طرابيشي"، "نصر حامد أبو
زيد"، "محمد شحرور" ...إلخ. ممن نهل قبل ذلك من المرحلتين آنفة
الذكر.
ويمكننا أن نعد هذه المراحل مستويات، فالمستوى الثالث، ربما يكون
الأكثر عمقاً وتأثيراُ على أفكار الناس. ومما يؤسف له من لدن كثير من الشباب، أنهم
وبدافع حرق المراحل، يسارعون بقراءة كتب المستوى الأخير، ويحدث لهم أدلجا فكرية،
أو غسيل دماغ، لأنهم سيقتنعون بكل ما يتم ذكره تقريباً في ثنايا الكتاب، بسبب:
1- فقرهم العلمي أو المعرفي.
1- فقرهم العلمي أو المعرفي.
2- سعي الكاتب أو المؤلف إلى إقناع المقابل، بكل دليل يؤيد ما يذهب إليه.
تراهم يقفزون من المستوى الأول إلى الثالث، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً!، يكررون ما يقول هؤلاء المفكرين على الناس،
حتى ظن أغلبية القراء أنها من بنات أفكارهم. شاهدت ذلك بنفسي عند كتّاب من جيل
الشباب خصوصاً.
القراءة نهج وفن، وقد فاز من عرف كيف يقرأ.
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
"قُرّاء لا يجيدون القراءة"
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار