الكاتب: عبد الهادي فارس
((المسرح العراقي من القمة إلى
القاع))
لطالما كان المسرح
واجهة للشعوب، ومرآة لمّا تواجهه هذه المجتمعات من أحداث عاكساً الحالة الاجتماعية
والنفسية لتلك الحقبة بدءً من الرومان والإغريق وامتداداً للعصر الحديث، مبيناً
لنا وقائع ومشاهد وصفت بدقة تلك الفترات وما صاحبها من حوادث أثرت على أفراد تلك المجتمعات.
ليس بالإمكان حصر
فترة ظهور المسرح في بلاد الرافدين، حيث إن تاريخه يعود إلى آلاف السنين، لكن يمكن
بالطبع استقصاء بداياته في العصر الحديث، حيث بدأت التوجهات الفعلية نحو المسرح في
نهايات القرن التاسع عشر، عبر مسرحيات مترجمة مثل: مسرحية (الأمير الأسير)،
ومسرحية (لطيف وخوشابا) حتى أقر قانون الجمعيات رسمياً بعد انفصال العراق
عن الحكم العثماني، مما أعطى للمسرح العراقي تواجداً فعلياً على الساحة الفنية
كغيره من الفنون. فلماذا انحدر مستوى
المسرح العراقي إلى هذا الحد؟
بدأ احتضار المسرحية العراقية مباشرةً بعد أحداث الاحتلال في بدايات الألفية الجديدة، فمع محاولة البلاد على التأقلم مع الوضع الراهن، كما هو الحال بعد كل احتلال وولادة بيئة تحث على التجديد، بالإضافة إلى أحداث شتى دعت إلى الوقوف عليها، لأنها ذات أهمية اجتماعية وتاريخية لمّا عاشه المجتمع العراقي في هذه الحقبة، نجد أن الكتاب والفنانين فشلوا فشلاً ذريعاً في تمثيل هذه الوقائع، واتجهوا باتجاه معاكس للتيار ومغاير لطابع الأوضاع الراهنة، ممّا جعل المسرح العراقي أشبه بملهى ليلي رواده عبارة عن شباب طائش لا يعرف للمسرح قيمة ولا أهمية.
من أهم أسباب هذا
الفشل، هو انفتاح البلاد بصورة خاطئة على البلدان الأخرى مما أعطى عقيدة جديدة
تغلغلت في نفوس الفنانين، وهي الكسب ثم الكسب، فلم يعد للسيناريو أهمية ما دامت
الأجور مجزية وتحول المسرح من فن ذي رسالة إنسانية إلى مجرد مهنة للمنفعة والربح
السريع.
لربما يقول البعض إنَّ الأمرَ طبيعيٌ، نظراً لمّا عاشه الفنان في الحقبة السابقة من عوز وحرمان. هنا أحب أنْ أُنوه إنَّ الفنانَ لم يكن وحده يعاني ظروف الحصار أو الفقر، بل كانت مشكلة شعب بأكمله، فهذا ليس بمبرر يعلل ما قام به أولئك الفنانون. والواضح إنَّ بعضَهم قد فقد عامل الوفاء إلى المسرح الذي كرّس حياته من أجله، واضمحلت مشاعر الإخلاص تجاه هذا الفن النبيل، ومن الأسباب الأخرى التي قد تعلل هذا السقوط، هو الذائقة العامة، حيث تغير جمهور الوسط بشكل كبير عن السابق، واستبدل المثقفون بشباب متخبط يبحث عن إشباع غرائزه البدائية ممّا جعلهم فريسة سهلة تجاه شركات الإنتاج التي تبحث عن الربح السريع والوفير، فنلاحظ أنَّ المسرحية الحديثة تتكون من عدة مهرجين، بالإضافة إلى بعض شخصيات السكارى يتسمون بالتفاهة مع عدم وجود نص بالمرة و مجرد اقتباسات وطرفات من صفحات التواصل، بالإضافة إلى راقصتين، وبعض النساء اللواتي أقل ما يمكن تسميتهن عاملات ملاهي ليلية؛ لخلق جو (ترفيهي) للشباب الذي دفع مبالغ مجزية للحضور.
المضحك المبكي، هو إنَّ
هذه المسرحيات لا تترأسها وجوه جديدة بل على العكس، نرى مرتزقة من كبار الفنانين
الذين أساءوا إلى سمعتهم، وأنفسهم، وتاريخهم الحافل قبل الإساءة إلى مجتمعهم وإلى
خشبة المسرح التي طالما احتضنتهم منذ بدايات شبابهم.
على الجانب الآخر، نرى أنَّ الكثيرَ من الفنانين الكبار والأساتذة قد نأوا بأنفسهم عن هذه المهزلة واختاروا إما السفر أو الاعتزال، ولم يشتركوا بهذه الجريمة التي ترتكب بحق العراق وتاريخه وحضارته، فبعد أنْ كانت جنائن بابل المعلقة مظهراً من مظاهر حضارة البلاد فيما مضى، بإمكاننا وبلا فخر تنصيب (بطل المشروب) كأهم مظهر حضاري وموضوعي ميز هذه الحقبة بمسرحها وفنها بصورة عامة.
من ناحية أخرى يتوجب إيجاد حلول لهذه الكارثة التي حلّت على ركن مهم
من أركان الثقافة والحضارة، ممّا يستدعي استبدال هؤلاء الأقزام، ووضع الفنانين
الأصلاء الذين ابتعدوا عن هذه المهزلة في مراكز القيادة، في محاولة لإحياء ما
أندثر والإبقاء على سمعة وسط الفن العراقي من التلطخ بهذه المشاهد التافهة، مع
وجوب زيادة الوعي، وخلق طفرة نوعية لدى المجتمع وأخص بذلك طلاب المدارس والشباب،
من خلال تثقيفهم من خلال المناهج أو وسائل التواصل الحديثة على حقيقة هذا الفن وتاريخه
وأصوله وأهميته البالغة لكتابة تاريخ هذه الحقبة، ونبقى على أمل النهوض بواقعنا
كغريق يتشبث بقشة فلعل تلك القشة تصبح أقوى من ألف حبل والسلام.
#عبد_الهادي_فارس
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
نبذة
مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: عبد الهادي فارس.
الولادة ومحلها: (1996م) بغداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم الكامل: عبد الهادي فارس.
الولادة ومحلها: (1996م) بغداد.
التحصيل
الدراسي: طالب مرحلة رابعة/
هندسة الطائرات/ جامعة بغداد.
الحالة الاجتماعية: غير متزوج.
السكن الحالي: بغداد.
المسرح العراقي من القمة إلى القاع
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار