الكاتب:
عبد الله ناهض
((مشروع
اخونة المنطقة: مراحل الصعود والسقوط))
منذ نهاية العام(2010م) شهدت المنطقة العربية عدة تقلبات أبرزها ما أطلق عليه حينها تسمية "ثورات الربيع العربي"، التي ابتدأت بتونس لتنتقل العدوى بعدها إلى مصر ثم ليبيا وسورية واليمن. التي أدت إلى سقوط قادة، وأنظمة حكم عربية كالنظام التونسي، والمصري، والليبي، واليمني، كانت حتى وقت قريب من سقوطها، يستحيل مجرد التفكير بانها سوف تسقط. في خضم هذه التطورات برز إلى السطح أن جاز الوصف عدة جماعات عربية سياسية ذات مرجعية دينية أبرزها (جماعة الإخوان المسلمين)، التي صعدَّ نجمها السياسي حينئذ ثورات الربيع العربي، لم يتوقف عند هذا الحد بل وصلت إلى سدة السلطة سيما في دولة محورية كمصر، ذلك في عام(2012م)، بالإضافة إلى فوز (حركة النهضة) في تونس بالانتخابات البرلمانية، والدور المؤثر الذي أدته جماعة الإخوان المسلمين الليبية أثناء ما سميت "بالثورة الليبية" ذلك في عام(2011م) وما بعد سقوط القذافي، إضافة إلى دور الحركات الإسلامية في كل من سورية، واليمن، وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس الفلسطينية ذات المرجعية الإخوانية(1).
لم يدم هذا الصعود الذي حظيت به هذه الجماعات وقتاً طويلاً، حتى بدء بالإنحسار وصولاً إلى خسرانها مواقعها في السلطة؛ اذ كانت الضربة الأولى التي تلقها المشروع السياسي ذو المرجعية الدينية في الوطن العربي، هي إنقلاب الجيش المصري بقيادة من كان وزير للدفاع حينها الجنرال (عبدالفتاح السيسي) في منتصف العام (2013م) على الرئيس المصري (محمد مرسي) ذو المرجعية الإخوانية، بعد عام من فوزه بالإنتخابات الرئاسية المصرية، كان السيسي قد تلقى حينها دعماً كبيراً من دول السعودية والإمارات والبحرين، التي لم تخفي خشيتها منذ إنطلاقة الربيع العربي من "الإسلام السياسي السني"؛ الذي ترى فيه خطراً داهماً على أنظمتها السياسية، بالتالي لم تتوانى عن دعم أيَّةِ فرصة تقوض هذا المشروع، وكانت البداية من الدولة المحورية مصر، إضافة إلى ذلك دعم (إسرائيل) للسيسي بالضد من الإخوان، مع معارضة الولايات المتحدة لعملية الإنقلاب، وسوف نوضح في نهاية المقال أسباب المعارضة الأمريكية(2).
أما الضربة الثانية التي تلقها هذا المشروع خسارته الساحقة في الإنتخابات البرلمانية الليبية ذلك في عام(2014م)؛ اذ لم يتحصل حزب العدالة والبناء الليبي "الوجه السياسي لإخوان ليبيا" سوى عشرون مقعداً برلمانياً من اصل مائتين مقعد(3).
الخطر الذي إستدركته حركة النهضة التونسية، مما
بها إلى إطلاق حواراً تونسياً موسعاً مع كل القوى المختلفة معها أبرزها العلمانية،
لتتنازل على إثر ذلك عن رئاستها للحكومة التونسية لصالح تشكيل حكومة إئتلافية تضم
مختلف القوى التونسية؛ ذلك لخشيتها على مستقبلها السياسي في تونس. أدت هذه الضربات
إلى قطع الخط الذي كانت القوى السياسية الإسلامية "السُنِّية"
تنوي رسمه، والذي يمتد من تونس إلى ليبيا ثم مصر وغزة وصولاً إلى سورية إذا ما سقط
الرئيس السوري (بشار الأسد) ونظامه، هذا المشروع لو كتب له النجاح لشكل خطاً
جيوبوليتيكياً مؤثراً في العالم العربي تحت قيادة أنظمة سياسية ذات مرجعية إسلامية
إخوانية إنْ جاز الوصف، يكون نقطة إنطلاق لباقي المناطق العربية سواء دول مجلس
التعاون الستة، أو الأردن، أو الجزائر، أو المملكة المغربية...إلخ، تكون مصر
القائدة لهذا المشروع على إعتبار أنها الدولة التي تضم جماعة الإخوان المسلمين
الأم، فيما تعد ليبيا الممول لهذا المشروع لغناها بالموارد الطبيعية(4).
وبالرجوع إلى سبب معارضة الولايات المتحدة الأمريكية للإنقلاب على (مرسي) من قبل وزير دفاعه حينها (السيسي)، بداية نوضح أن السياسة الأمريكية في عهد رئيسها الأسبق (باراك أوباما)، كانت ترمي إلى دعم ما يسمى الإسلام المعتدل في العالم العربي الذي يؤمن بالديمقراطية على عكس التيارات الإسلامية المتشددة؛ هذا التوجه الأمريكي يرجع إلى كون أن أمريكا تنظر اليها الشعوب العربية على أنها تدعم الحكام المستبدين على حسابها أي-الشعوب-، بالإضافة إلى إعتبار أنها عدوة للدين الإسلامي كما هو متصور لدى غالبية الشعوب العربية. فضلاً عما سببه إحتلالها للعراق من سمعة سيئة على أنها دولة محتلة عكس ما كانت تدعيه من أنها دولة تقف مع حرية الشعوب وتقرير مصيرها. لذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحسن من صورتها لدى الشعوب العربية، بما لا يضر بمصالحها، وهذا يتم عن طريق ضمان وصول جماعات، أو أحزاب سياسية لديها شعبية قوية، وذات مرجعية إسلامية معتدلة؛ ذلك من أجل كسب الجماهير التي هي مسلمة بالضرورة، التي كانت ترى في الأنظمة العربية التي أطاحت بها رياح العربي، ماهي إلّا أداة طيعة بيد الغرب وتقف بالضد من الدين الإسلامي، وفقاً لذلك نشأت علاقة مصلحية بين التيارات الإسلامية السياسية العربية وبين الولايات المتحدة الأمريكية، محورها ضمان يقوم على معادلة دعم الأمريكان للتيارات الإسلامية على راسها جماعة الإخوان المسلمين من أجل وصولها للحكم بناء على أسس ديمقراطية، مقابل ضمانها للمصالح الأمريكية في المنطقة العربية، والعمل على تحسين صورتها لدى الجماهير العربية من قبل هذه الجماعات؛ ذلك لإستمرار الهيمنة الأمريكية وضمان عدم وصول تيارات معادية لها لسدة السلطة، أو بالضد من مصالحها في المنطقة العربية. لذلك كان الموقف الأمريكي معارضاً لانقلاب السيسي على مرسي؛ لما يمثله من مخالفة لمشروعها الجيوسياسي في المنطقة العربية، الذي كان يتمحور حول دعم الإسلام السياسي المعتدل -الإخوان المسلمين تحديداً-. وهذا كان صلب مشروع الربيع العربي، الذي وإنْ كان قد غلف بطابع شعبي، وربما قد يتصدى لنا البعض من مؤيده على أننا مهووسون بالمؤامرة؛ إلّا أنَّ هذه هي حقيقة كل ما جرى منذ نهاية العام (2010م) تحت يافطة الربيع العربي، إلّا أنَّ هذا المشروع تعرض لعدة انتكاسات تمثلت في الخسائر السياسية التي تعرض لها الإخوان المسلمين فيما بعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)فيجي براشاد، الربيع العربي: الشتاء الليبي، ترجمة: منذر محمود
محمد-عبدالفتاح عموره، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2014م.
(2)المصدر
نفسه.
(3)عبدالستار
حتيتة، حروب الميليشيات( ليبيا ما بعد القذافي)، كنوز للنشر والتوزيع، القاهرة،
2015م.
(4)مجموعة
باحثين، التداعيات الجيوسياسية للثورات العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة
السياسات، بيروت، 2014.
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_لمقالات
#عبد_الله_ناهض
نبذة بسيطة عن الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسم الكامل: عبدالله
ناهض عباس.
الولادة ومحلها: (1991م)/ العراق/ محافظة بغداد.
التحصيل الدراسي: طالب ماجستير/ كلية العلوم سياسية/ قسم
العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.
الحالة الإجتماعية: غير متزوج.
السكن الحالي: بغداد.
((مشروع اخونة المنطقة: مراحل الصعود والسقوط))
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار