احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

17‏/12‏/2017

"شيزوفرينيا الفكر"



الكاتبة: إيلاف عباس الجبوري




              "شيزوفرينيا الفكر"

                     


      جميعنا نحن بنو آدم، ربّما نقف مع أمرٍ كنا ضده من قبل!، أو نجابههُ بدروع الرفض بعد أن كُنّا معتنقيه في الأمس.

فُوَّهةٌ مزدوجةٌ ومليئةٌ بالثغورِ تسكُب في فضول معرفتنا الكثير من التساؤلات... فيا تُرى هل من المنطق والصواب أنْ أقوم باستبدال بزّتي القديمة ذات الأفكار المطرّزة بواحدةٍ أُخرى تواكب العصر؟ أم إنه عكس ذلك، وهل إنَّ جميعَ التغيّراتِ الفكريةِ تُعزى إلى وجودِ خللٍ ما في ديناميكيةِ العقلِ، أم أن البعض منها بمثابةِ ضوءٍ أخضرٍ ينم عن سلامة الباطن؟

يكفي تساؤلات فأنا أبحثُ عن أجوبةٍ تملأني قناعةً وإكتفاءً... ولكن قبل هذا وذاك، أودُّ أن أنوه إلى نقطةٍ معينةٍ تجرني حبال الأهمية نحوها، ألّا وهي مرونة العقل البشري (ترامبولين الفكر)، تلك التي خلافها سيصبح رأسنا كصفوان أملس لا نفع به ولا عازة. فمرونة الفكر من الأمور الطبيعية المسلم بها لا سيما في العقول الخصبة المُشبعة بالفطنة والذكاء والتحضّر الإيجابي... فلن ينفع كل منا أن يمتطي حصاناً في وقت أضحت فيه السيارات وسيلة للنقل، ولا أن يشدَّ رحاله على ظهرِ ناقةٍ في زمنٍ جاورَ فيه الفولاذ الأبيض غيم السماء. (بعض الأمثلة تُضرب لا تقاس).

ولكن هل يا تُرى ما ذكرتهُ مبرراً كافياً لظاهرةِ الإزدواجيةِ الفكريةِ؟.(*)

قبل الشروع في الأمر... دعوني أرتدي نظارتي ذات الست درجات وأبتلع مضادات الفصام للعقل!، فأنا أخشى العدوى كثيراً.
حسناً إذاً، الوضع آمن الآن.

لنفترض أنّي وبكلِّ صدقٍ وموضوعيةٍ، قلتُ رأيي في موضعِ نقاشٍ، وبعد مرور يومين أو ثلاث تفوهتُ بأمرٍ آخراً يخالف ما صرّحتُ به من قبل.

للوهلةِ الأولى سيوحي لنا الأمر بأننا أمام حالةٍ من حالاتِ الإزدواجية غامضة الملامح... وهذا بدوره يحتمل الصواب أو الخطأ.
لذا سأقوم بمحاولةٍ بسيطةٍ في تحديدِ ماهية الحالة آنفة الذكر في ما يلي.

في بادئ الأمر، كي نخلع بطانة العتمة من رؤيتنا وكي لا نقع ضحية لفخاخ الإزدواج الفكري؛ ينبغي علينا التمييز بين عدة أمور:
أولها: التمحص والتأكد من رصانة بناء الرأي الجديد لدى الشخص. هل تمَّ تشييده بحجرٍ صحيحٍ "عن طريق مطالعة الكتب، تصفح الجرائد، مخالطة الحكماء ومجالسة الناضجين فكرياً"... أم إنه عكس ذلك؟. فإن صحّ ذلك، لا غبار على أمر التغيير بتاتاً، حتى وإنْ كانَ في ليلةٍ وضحاها. وهذا النوع من التغيّر الفكري يختبئ تحت عنوان "تجدد الفكر_مرونة الفكر". ولا يعتبر صاحبه إزدواجي أو متناقضاً إطلاقاً، بل هو ناضج كفاية وذو عقل مرن يرفض قاعدة التحجّر ويتكيف مع القرار الصح والرؤية الأدق. تلك العبارة أُرددها دائماً: (أنا اليوم غير التي كانت في الأمس).

وما علينا التأكد منه ثانياً: هو ثبات شخصية القائل من عدمه. أهو صاحب مبدأ في الحياة؟، أم إنه تائه ومشرد في دهاليز الضياع... ينسى دوماً ما يقول، ويتحدث بلسان عشوائي لا تهمه عواقب الكلام؟. وهذا النوع من الإزدواجية ما هو إلا نتيجة حتمية "لتشتت الفكر".
وثالث ما ينبغي ملاحظته: هو جودة طلاء الفكر. أهو ثابت أمام الجميع؟ أم إنه يتقلب بما يناسب حاجاته ومصالحه الشخصية؟... لنجد أنفسنا حينها أمام نوعٍ آخرٍ من الإزدواجية يسمى "بنفاق الفكر"... نفاق مبطن بمنفعة حمراء فقط لأن زيد من الناس يعلوه مركزاً أو أغنى منه... والخ. (وخير مثال على ذلك أن يقُم سياسي معين بإتباع سياسة الكيل بمكيالين خدمة لنواياه الدسيسة) كالحرباء تماماً، تراهُ يتلوّن بلون العشب الذي يحط عليه، تمهيداً لإصطياد الفريسة (المصلحة الشخصية).

وهناك من إعتاد على ممارسة الإزدواجية في حياته!، لا لمصلحة شخصية ولا نتيجة لضياع أو تشتت فكري... وإنما نتيجة لما تربى عليه أو نسخاً لتصرفات من حوله من أفراد العائلة وغالبية أفراد المجتمع. كمن تراه داخل الوطن كائن فوضوي، يكدّس الأوساخ على الأرصفة؛ وما إن سافر خارجه أصبح عضواً فعّالاً في الحثِّ على النظافةِ. وهذا النوع أرغب بتسميته "بالإزدواجية المكتسبة".
وهناك "إزدواجية طبيعية" كل منا يمارسها في حياته بشكل يومي... فترانا نتحدث مع مدير العمل لا كما نتحدث مع الصديق، وترانا نتحدث مع الأبوين عكس ما نتحدث به مع الإخوة، وهكذا دواليك
.
هنا طبيعة العلاقة وتغيّر شكل الموقف يحتّم علينا تنوّع الإسلوب في الحديث على حسب الأشخاص والمواقف، ولا ضير في ذلك اطلاقاً.

والبعض يتقن فن الإزدواجية عن قلة إنتباه ووعي دون قصد. كمن يُلقن إبنهُ بنبذ الكذب وإلتزام الصدق؛ وما إن دقّ جرس الهاتف خاصته راح مخبراً إبنهُ أن يكذب بشأن وجوده داخل المنزل!. وهذا ما يسمى "بإزدواجية الغفلة"!.

لن أبالغ لو قلت أن ظاهرة الإزدواجية الفكرية تفتك بنفس حاملها وتثقب رصانته من الداخل قبل أن تفتك بنفوس الغير، علاوة على فقدان الثقة!، وما مثال السياسي إلّا خيرَ دليلٍ على ذلك، فإحدى تبعات إزدواجيته الوخيمة فقدان الثقة من عامة الشعب.

أمام هذا الكمّ من التخبّط لا يسعنا القول بوضع طرق علاجية معينة ونحن في مواجهة أمر نفسي يُحس غالباً ولا يُمس... أولى خطوات علاجه تبتدئ من الشخص ذاته ومن ثم مساعدة المجتمع ومن فيه، بالتوعية والتثقيف وزرع الأسس والمبادئ السليمة في نفوس الأفراد ولا سيما الصغار منهم.
أما المنافق فحله الأمثل يكمن في المواجهة بشناعة الفعل... فربما تكون له بمثابة صحوة (من غيبوية النفاق والتملق).
وخالي المبادىء والقيم يمكننا إعانته بتقديم بعض النصائح المفيدة بقراءة كتابٍ ما، أو نصحه بحضور ندوةٍ ثقافيةٍ وغيرها من الأمور التي تسهم بصقل شخصيته وتحديد معالمها بشكل سليم.

تعثّر قلمي وجفّ حبره كثيراً وأنا أحاول إيصال ما يدور في ذهني من صَخَب... علَّ رسالئلي المحددة وصلت إلى محطتها الآمنة بشكلٍ سلس.

تحياتي لجميع الناصعين، تحياتي لبسطاء العيش.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الإزدواجية الفكرية لغة هي مخالفة مبدأ الحياد الفكري.




#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات


نبذة مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسم الكامل: إيلاف عباس الجبوري.
الولادة ومحلها: (1992م)/ بغداد.
التحصيل الدراسي: بكالوريوس في القانون/ جامعة بغداد.
الحالة الإجتماعية: متزوجة.
السكن الحالي: الإمارات العربية المتحدة.

إقرأ أيضا

"شيزوفرينيا الفكر"
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة