احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

17‏/12‏/2017

(مطلوب عشائرين...!)



الكاتبة: آيات عادل اللامي



           (مطلوب عشائرين...!)


       من المؤكد أن قراءة مثل هكذا عنوان مثيرٌ للسخرية بعض الشيء؛ لكني حرصتُ على اختيارهِ حتى أصف إلى القُرّاء مدى الانتشار الواسع لظاهرة الفصل العشائري في العراق...

      هذا البلد العريق، الذي يُعد من أقدم البلدان التي سنت القوانين؛ لتنظيم أمور الناس ومعاملاتهم. هذا البلد الذي لطالما تغنت به الدول، وافتخر به أبناء شعبه. البلد الذي أصبح فيه قانون الدم والمال هو الطاغي على قانون الدولة!.

      ظاهرة "الفصل العشائري" ليست حديثة العهد، بل موجودة منذ القدم، إذ إنها كانت تقتصر على بعض المناطق، التي يسكنها من يعيش الحياة على سجيته، وبعض المناطق الريفية التي تخلو غالباً، من معالم التطور الحضاري، والثقافي، والعلمي، والذي يُعد سبباً رئيسياً ومهماً لنشوء مثل هكذا ظاهرة لا حضارية. لكن؛ ومع مرور الوقت، وانفلات الوضع الأمني، وضعف دفة القانون في وقتنا الحاضر، جعل لهذه الظاهرة صيتاً لاذعاً، وانتشاراً مخيفاً يَكاد يسيطر على أغلب تصرفاتنا اليومية!. إضافة إلى إمرٍ آخرٍ لا يقل أهمية عما ذكرت ألّا وهو (هجرة العقول)، أي نزوح الكثير من أبناء الريف والمناطق التي تعتاش على الموارد الزراعية إلى المدن؛ نتيجة لتدني مستوى الإنتاج الزراعي، وعدم توافر الأموال التي تُسهم في زيادة الإنتاج، فلم يكن لديهم خياراً آخراً سوى الهجرة إلى المدينة؛ لطلب العيش، مما أدى إلى سرعة انتشار هذه الظاهرة بين الملأ، وبكلامي ذلك لا أقصد الانتقاص من أفكار أحد إطلاقاً؛ لكن وكما ذكر الدكتور علي الوردي في كتابه (شخصية الفرد العراقي): "فإن من تربى في مجتمع معين واقتبس منه قيمه، وتقاليده، سيصعب عليه تغيير أفكاره التي نشأ عليها، ومن السخف أيضاً أن نطلب منه ترك أفكاره والإصغاء إلى نصائح الحكماء التي تخالف ما تعود عليه".

      هذا وقد تحول "الفصل العشائري"، من صورته في الدفاع عن المظلوم وأخذ الحق من الظالم، والتوصل إلى صُلحٍ بين الأطرافِ، وإعادة الأمور إلى مسارها المعتاد دون ضررٍ أو قتال، إلى عملية تجارية مثيرة للاهتمام شبهها بعضهم بـ"الأتاوات" التي يفرضها أصحاب النفوذ على أولئك المغلوب على أمرهم، كدلالةٍ على الرضوخ والاستسلام... وهي بكل الأحوال غير خاضعة للقانون.

      تكاد لا تخلو منطقة ما من تلك الجملة "هذا الشيء مطلوب عشائرياً" وهذا بالتأكيد لا يعد من المظاهر الحضارية أو التي تدل على التمدن في بلد يُفترض أن تسيد فيه لغة القانون بدلاً عن لغة الثأر. هذا قد زرع التردد، والخوف، والحذر لدى الكثير قبل الإقدام على فعل أيِّ شيءٍ من الممكن أن يجعلهم طُعماً؛ فيعلقوا في شِباك الفصول. سيما وإن البعض، ومع البطالة المنتشرة بشكلٍ كبيرٍ، أصبح قادراً على أن يسلك أيَّ طريقٍ لكسب المال وإن كان غير مشروع!، فيقع الناس ضحية مكره، وحيلته، معلنين انهزامهم في دولة يحتضر قانونها!.

      يحدث أحياناً أن يتخوف أفراد الشرطة أنفسهم، الذين يفترض بهم حمايتنا، والسهر على خدمتنا، وضمان حقوقنا، محاولين التهرب قدر الإمكان من التزاماتهم المنوطة بهم، والسبب أيضاً يعود للفصل الذي أصبح كالوباء، من الممكن أن يُطالب به أيَّ شخصٍ، وفي أيِّ سِنٍ، وعلى أبسطِ التصرفات!. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة لا حصر لها...
منها: ما أخبرتني به صديقتي التي تعمل مُدرّسة في إحدى الثانويات على إنَّ مُدرسَ مادةٍ ما يخشى تنبيه أو توبيخ أحد الطلاب المُقصرّين تجاه دروسهم اليومية، لكونه قد تم تهديده مُسبقاً بعدم التعرض للطالب وبخلافهِ سيُقاضى عشائرياً!. فكيف نرتقي بالتعليم، ونُنتج جيلاً واعياً، مثابراً، إن كان التعامل مع الأستاذ بهذا الشكل الهمجي! وأودُّ ذكر نقطة أخرى مهمة، وخطيرة جداً على المجتمع ألّا وهي: (التستر على المجرم)، فبعضهم وبعد ارتكابهم جريمة ما كإن تكون قتل، أو سرقة... الخ، يلجؤون إلى إرضاء الُمجنى عليه وذويه عشائرياً بالنقود قبل تقديمهم شكوى، أو رفع دعوى قضائية... مُستغلين بذلك حاجتهم إلى المال... وفي ذلك تستر عليهم، وتشجيعاً لهم، لعدم وجود عقوبات رادعة! فهل لكم أن تتخيلوا أعزاءي مستوى التخلف، والتدني، والاستغلال البشع الذي وصلنا إليه؟.
وهل لكم أن تنظروا إلى فنون النصب، والاحتيال، والسرقة المُبطَنَة؟.

قد لا يقتصر الأمر على أخذ مبلغ من المال فقط، بل قد يتعداه أحياناً إلى:
* القتل العمد، ثأراً للشخص المغدور، وهذا سيُنتج لنا مجرمين لا يكترثون لوجود القانون.
* زواج الفصلية أو "الدية"، (وإن قلَّ هذا النوع من الزواج إلّا إننا لا زلنا نشهد بعض الحالات).

بعد كل ذلك... وبعد كل المساوئ التي تسببها هذه الظاهرة اللاحضارية؛ ينبغي وضع حدٍّ لتلك المهازل، (التي أصبحت ممارستها بمثابة مهنة تجارية يعتش عليها البعض من فاقدي الضمير والأخلاق)، عن طريق:
- تحديد عقوبات صارمة من قبل الدولة، لكل محاولة ابتزاز مادي داخلة ضمن إطار الفصول، بدلاً عن تأطيرها بإطار قانوني وشرعي من شأنه أن يشجع هذا التصرف ويزيد الطين بلّة.
- تفعيل دور القانون؛ ليصبح المأوى الذي يلجأ إليه المظلومين عند الحاجة، دون تخوفهم من عدم الحصول على حقوقهم.
- نشر الوعي الثقافي، والحضاري، والديني، بين الأفراد لمحاولة تحجيم هذه الظاهرة البدائية، ولو بنسبة قليلة من شأنها أن تُسهم في توعية أفراد المجتمع وإزالة غطاء التخلف عنهم.

#آيات_عادل
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات

نبذة مبسطة عن سيرة الكاتب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسم الكامل: آيات عادل اللامي.
الولادة ومحلها: (1992م)/ بغداد.
التحصيل الدراسي: بكالوريوس في القانون/ جامعة بغداد.
الحالة الإجتماعية: متزوجة.
السكن الحالي: بغداد.

إقرأ أيضا

(مطلوب عشائرين...!)
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة