الكاتبة: إيلاف عباس
(طلّقوا الطلاق!)
في خلجان الحياة... سيعثر كل واحد منهم على قوقعته البيضاء؛ لتضمه في جوفها بلمح الشعور، وتأويه من البرد القارس، الصيد الجائر والموج الحاد
كحليّ أثري يقتنيه بحرص وامتنان، كقارب سحري يطفو بروحه فوق الهموم ويأخذ بمجذافه نحو بر الأمان... وعلى ما يسمى بــ(عشّ الزواج).
"ذاك الذي يبنى بِعِيدان الصداقة،
ويجمع بأيادي الرحمة والمحبة والإخلاص.
لكن للأسف الشديد... ربما أنباء غير متوقعة
تقلب عشّهما الهانئ رأساً على عقب، عاصفة هوجاء تهلك سكينتهما، رعد وبرق شديدان
وأمطار حزن لا ترحم، وحوش ضارية تطارد سعادتهما بأنياب شرسة، تجعل عشّهما أرضاً
وتبدد قشّه في الهواء... ليدخلا في كهف مُعتم يدعى بــ(الطلاق).
ظاهرة الطلاق؛ من الظواهر السلبية التي باتت تفتك بمجتمعنا الأسري في الوقت الحاضر، بحالاته العديدة والمتنوعة التي تجول في أروقة المحاكم كل يوم.
فيا ترى ما هي الأسباب الحاضنة لذلك؟ وهل
العلّة بالشريكين أم بما يحيطهما من الوضع المجتمعي العام.
دعونا نلقي نظرة على ذلك...
الطلاق: هو تشريع رباني بغيض إلى الله...
محاولة أخيرة لا يؤخذ بها إلّا بعد فشل المحاولات الأخرى وبصدق تام؛ (فأبغض الحلال
عند الله الطلاق).
غالبية الناس يرمون اللوم على (الاختيار
الخاطئ) عند وقوعه، أو ما يسمى بــ(القسمة والنصيب) تحت شعار البطيخة!، دون البحث
عن الأسباب…
فلنتمحصها قدر الإمكان وعلى ضوء ما يحيط
بنا من تجارب.
متى يكون الاختيار خاطئاً؟ (سؤال لا بدَّ
منه).
كقاعدة عامة؛ يكون الاختيار خاطئاً حينما تكون هنالك فوارق اجتماعية
واقتصادية وثقافية واضحة، تدور حول الفارق الطبقي والفقر والمستوى الفكري لكل
منهما، فليس من المنطق أن تتزوج امرأة من الريف برجل من المدينة، ولا أن تتزوج امرأة
غنية برجل فقير، وامرأة متعلمة برجل أُمّيّ... فهذا من شأنه أن يحدث بينهما فجوة عميقة.
التقارب "الطبقي، المادي، الفكري" أمر مهم للغاية... بل هو كأعمدة ثلاثية رصينة، ترفع بوجودها سقف العلاقة، وتسقطه أرضاً عند الغياب.
ومن جانب آخر هناك أسباب تحدث بعد تمام الزواج لا
يد لأحد فيها، إلا إنها تطرق في عقول البعض فكرة الطلاق بطريق مباشر أو غير مباشر،
وربما تشرع بها على الفور!
(كعقم أحدهما، عسر الحمل أو الإنجاب، زوال
المنصب، أزمة مالية حرجة... الخ) وهنا يتم الانفكاك وببساطة تحت لافتة كبيرة
عنوانها "قلة الصبر وانعدام الحيلة".
وللزواج المبكر وما يحمله من قلة الوعي
وضعف المسؤولية وصعوبة النقاش، دوراً كبيراً في هذا الشرخ. كما أن للمفاهيم
الغربية الدخيلة التي غزت مجتمعنا عبر شاشة التلفاز، والتكنولوجيا الحديثة عموماً
حصة الأسد في ذلك.
فقد باتت المسلسلات المدبلجة إحدى العوامل
المسببة في حدوث النزاعات الزوجية، نتيجة لتصويرها الحياة الزوجية بشكل مثالي لا
تشوبه شائبة؛ علاوةً على محوها الخطوط الحمراء تحت ذريعة الحب الدنس، لتبتدئ سلسلة
الخيانات الزوجية والتي تستقطب عطفنا أحياناً عند المشاهدة! فما بالك بما تتركه من
أثر في بعض النفوس المتزعزعة.
أما مواقع التواصل الاجتماعي فقد باتت
وسيلة للتباعد الاجتماعي بين غالبية الأزواج، كنتيجة طبيعية لعدم تسخيرها بالشكل
السليم بل وجعلها موبئاً للقذارات والخيانات السرية المحرمة وما شابه.
وبعد هذه اللمحة البسيطة عن أسباب الطلاق،
حان الوقت لتجهيز أطواق النجاة العشرة لإنقاذ العلاقة من الغرق:
١- الأخذ بنظر الاعتبار التوافق (الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي) عند اختيار الشريك.
٢- الزواج في السن المناسب.
٣- تسخير التكنولوجيا للفائدة العلمية
والعملية والتواصل النافع.
٤- تنوير العقل قبل القلب بالثقافة الزوجية.
٥- جعل التفاهم حجر الأساس لحل المشاكل
وتجنب تراكمها... فهو خطر لا شعوري ينفجر على حين غفلة.
٦- لا عيب في مراجعة النفس وتصفية الوجدان.
٧- اللجوء إلى أهل العقل والحكمة كمحاولة
ناجحة في تذليل الخلاف.
٨- العناية بجمال الروح والجسد، ومنح الشريك
مساحة خاصة.
٩- (الاحترام والصدق) وجهان لعملة الزواج الناجحة.
١٠- منح الحقوق وإداء الواجبات؛ (قاعدة
أساسية لا تُكسر).
الزواج هو مشروع للانسجام وليس حلبة للصراع!
أما الطلاق فهو كما يقال: "عمل شجاع
متأخر" في حال فشل المشروع سابق الذكر... ولا شك في أنه عمل شجاع لا سيما من
جانب المرأة؛ فالمُطلّقة في مجتمعنا لا كالمُطلّق، يقع على عاتقها الضرر الأكبر من
هذا القرار، بحكم المفاهيم الاجتماعية المشوهة والنظرة السطحية بحقها... ناهيك
عمّا تتعرض له من مضايقات ذكورية تزيد من طينها بلّة، وكأنها عاهرة لا مُطلّقة.
ولا ننسى الضرر الحاصل على الأولاد، فلا شك في أنهم ضحايا أبرياء لحرب الطلاق الطاحنة.
فأيتها المرأة المُطَلَّقة، الشجاعة والمناضلة، المُطْلَقَة وسط هذا الدغل
الشائك... تجنبي التفكير فيما حصل وتابعي السير. وأنت... أيها الرجل المُطلَّق!
كُن رحيماً بها واحتفظ بصندوق أسرارها في بحر كتمانك، فلا تنسَ بأنها كانت زوجتك
في يوم ما.
صحيح أن الطلاق صعب وبغيض عند الله؛ إلا
أنه حلال مُخَيّر، وحلٌ أخير عند صيرورة الزيجة مضرّة بالصحة.
جعل الله قلوب الجميع أكبر وأنقى من أن
تُحل عُقدها بِمِقص الطلاق.
#إيلاف_عباس
#اتحاد_الشباب_العراقي_لكتاب_المقالات
(طلّقوا الطلاق!)
4/
5
Oleh
Unknown
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار