الكاتبة: فاتن مصطفى السامرائي
"سامراء الزهو... سر من رأى حضارتها"
من على يابسة الكرة
الأرضية، انتقالاً للجزء الآسيوي منها، وتحديداً في دولة العراق (120كم) إلى
الشمال من العاصمة بغداد. هنا بالتحديد تقع سامراء المدينة المعروفة على نطاق
عربيٍ؛ حتى يكاد يُعرفُ عنها -ولو القليل- في مختلف بقاع الأرضِ، من قبل المهتمين بالحضارات.
تاريخياً: هي المدينةُ التي شيدها الخليفة العباسي المعتصم بالله، ثم
اتخذها عاصمةً لحكمهِ وسُميتْ في عهده بـ "سر من رأى".
في تلك الأثناء ازدهرت المدينةُ؛ حتى سقوط الدولة العباسية بيد المغول
فَخُرِّبَ منها الكثير كما بغداد إلى أن عادت لازدهارها في حكم الدولة العثمانية،
مع ذلك، عاودت المدينة -سامراء- لِتُضِّلَ طريقها كما الحال في أغلب مدن العراق؛
بسبب تتابع الحروب.
إذا ما تسارعنا في الزمن وعدنا إلى النقطة (الزمكانية) التي
نحن فيها الآن؛ نجد بلدنا يعاني من تراجعٍ اقتصادي، تربوي و فكري؛ جعلهُ يمر
بمرحلةٍ قد تدون لاحقاً باسم "العصور المتأخرة".
لمدينة سامراء حصتها من
هذا التأخر في ظل التقدم الكبير والسريع بالنسبة للعالم؛ لما خلفته مرحلة "داعش"
خاصة، والحرب ضدها. ستقول محتجا: "أن هذه الحرب آذت العراق بصورة عامة، لِمَ خصصتَ
سامراء؟".
اقتصادياً: تعتمد سامراء بشكل غير بسيط على الزراعة، في النواحي التابعة للمدينة، كان نشاط الفلاح والزراعة مزدهراً، إلى أن دمرت على أيادي "داعش"؛ حينما أحتلوا أراضي الفلاحين -مزارعهم- ودورهم. مؤدياً -احتلال داعش- إلى دمار اقتصاد المدينة؛ إذ عانى الفلاح المسكين ما عانى جراء ذلك كما أثر كما أسلفتُ على المدني أيضاً. أظن الإجابة اتضحتْ الآن حول سؤالك.
بالطبع، لا يتوقف اقتصاد المدينة على الزراعة؛ إذا ما توافر جانب
الصناعة تحل الأمور قليلاً. هذا الجانب -الصناعي- في سامراء يغطيه عدة مراكز ذات
فائدة للمدينة، فهناك معمل أدوية سامراء الذي تصنع فيه أغلب الأدوية التي يحتاجها
العراق، كما وتصدر لدول عربية. المصنع تابع للشركةِ العامةِ لصناعةِ الأدوية،
والأخيرةُ عائدةٌ بدورها لوزارة الصناعة والمعادن.
جانب المدينة الصناعي، يضم أيضاً: محطات إنتاج الطاقة الكهربائية: الكهرومائية (المقامة على سدة
سامراء)، محطة ديزلات سامراء، مشروع محطة صلاح الدين الحرارية.
سياحياً: تشتهر سامراء بالمأذنة الملوية التي شيدها الخليفة العباسي
المتوكل (٢٣٧ ه) -كمأذنةٍ- للمسجد الجامع، وتقع في الجهة الغربية للمدينة، وتشتهر
بضريحي الإمامين -العاشر والحادي عشر- علي الهادي والحسن العسكري، والغيبة (التي
اختفى منها الإمام المهدي). كما يوجد فيها مئذنة ملوية مصغرة (أبو دلف)، والشيخ
محمد، وقصر الخليفة المعتصم، وقصر العاشق، وغيرها.
تربوياً: هنالك المراكز التعليمية: الابتدائية، المتوسطة، الإعدادية بفروعها
-الأدبي، العلمي، التجاري، الصناعي والإسلامي- كما أن هناك الدراسة المسائية،
بالإضافة إلى التعليم الجامعي، إذ تحتوي المدينة على جامعة سامراء التي يتوافد
إليها الطلاب والطالبات من مختلف محافظات.
إذا ما ألقيتَ نظرةً حول المدينةِ... ستتعرفُ على أحياء سامراء: الشرطة،
العرموشية (الأولى والثانية)، والقادسية، تشتهر هذه المناطق بوجود السوق (محلات
الكماليات وما شاكلها) كما فيها حلويات الدلوش ذات العرق التاريخي المعروف محلياً،
وحديثاً أنشئ فيها مطعم -العلوي- الذي يمتاز بحديقته الواسعة، يرتاده السكان بكثرة
لتناول الوجبات وأيضاً لإقامة الحفلات. من الأحياء الأخرى الجبيرية (الأولى،
الثانية، والثالثة) يتميز هذا الحي –الجبيرية- بوجود سوق الرشيد الشعبي -سوق مريدي
سابقاً-، حي المعمل، الذي يعرف بوجود معمل صناعة الأدوية فيه. وغيرها من الأحياء.
ضمت منظمة اليونسكو المدينة، إلى قائمة التراث العالمي سنة(٢٠٠٧م)، واليوم
ها قد أُقر قانون سامراء عاصمة العراق للثقافة الإسلامية، ما نأمله حقيقة هو أن
يتم ذلك على أرض الواقع، من حيث الإعمار والنهوض بالمستوى الثقافي، والاقتصادي
للمدينة، تطوير البنى التحتية واستغلال السياحة بما يخدم صالح المدينة وأبنائها،
وليس لصالح جهاتٍ معينةٍ فقط لما لمدينة سامراء من أهمية دينية، اقتصادية وسياحية.
لا تخلو سامراء من الجمال فيغلب طابعها الحضارة القديمة ممزوجة
بالحداثة إضافة إلى كرم وطيب نفوس أهلها.
ختاماً، قال البحتري في بركة قصر الخليفة المتوكل في سامراء -حينما
رآها وأعجب بمنظرها وبجمال الحسناوات هناك- شعراً مدح فيه الخليفة ووصف البركة في
مطلعها بأبياتٍ لا يزال يرددها محبيه وسامعيه يقول في بعضها:
يا من رأى البركة
الحسناء رؤيتها
والآنسات إذا لاحت مغانيها
يحسبها أنها في فضل رتبتها
تعد واحدة والبحر ثانيها
ما بال دجلة كالغيرى تنافسها
في الحسن طوراً، وأطواراً
تباهيها
كما يقول عنها بعض
ساكنيها حينما سألتهم أن يختصروا لي سامراء في بضع كلماتٍ:
- جزءٌ من سعادتي
-سامراء أكبر من أن
تختصر بكلمة
-سامراء جميلةٌ لكن
تحتاج لمزيد من الاهتمام
أهلها طيبونَ
"سامراء الزهو... سر من رأى حضارتها"
4/
5
Oleh
حسين أكرم غويلي
شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار