احدث المقالات

عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني

"عراقُ الحضاراتِ سَيبقى وطني " مقال بقلم " حسين أكرم غويلي "       أعلم بأن ما سأكتبه لن يُغير شيئاً مم...

19‏/07‏/2019

عودة ما لا يُعقل


الكاتب: عمر سلمان


"عودة ما لا يُعقل"

       تفترض أسطورة المجتمع الإسلامي، التي ترنو التنظيمات الإسلامية بنائها، أن يكون أثماً، أو مؤامرةً، كل ما يتقدم به التمايز الاجتماعي، من العرق إلى القبيلة إلى العشيرة...، (أي نبذ وتحريم ومحاربة كل أشكال التمايز، والأمراض المجتمعية الأخرى واعتبارها أثم قبل أي شيء، ومؤامرة خارجية)، كذلك فإن أصحاب هذه الأسطورة، يرجعون فساد المسؤولين وجورهم إلى غياب التقوى والإيمان السليم، ولهذا فإن الظلم والفساد يمكن أن يزولا بالموعظةِ والنصيحةِ من أعلى المنابر، والإجماع الذي يتحقق في (صمت الأهواء)، كما يرى جان جاك روسو في المجتمع الإسلامي، ينبغي أن يكون هو القاعدة، وسكوت الأهواء وصمتها، هو نتيجة مجاهدة كل فرد لمحاكاة سلوك النبي (ص).
لكن ما يحدث هو العكس تماماً، حيث تطفو هذه الأمراض المجتمعية على السطح، ليس كإثمٍ وإنما كحقيقةٍ مجتمعيةٍ ونفسانيةٍ، وضعف نموذج الدولة في المجتمعات التي يُناضل فيها الإسلاميون لإقامة الدولة الدينية، تجعل السياسة تعمل بالضبط على العصبيات، عصبيات قبلية، عائلية، عشائرية...، إلخ. التي هي سابقة على انبثاق الدولة، أي إعادة إنتاج العصبيات القبلية والطائفية في المجتمعات الحديثة العهد بالتمدن، ذات البُنى المفككة، فالتنظيمات الإسلاموية تنظر إلى التشرذم الاجتماعي والمنافسة الفردية، والأستزبان والربح...، إلخ، كعيوبٍ أو آثامٍ أو مؤامرةٍ غربيةٍ، وهم وفق هذه النظرة يغلقون الباب أمام عقولهم في معرفة أصل المشكلة وحلها والحؤول أمام عودتها إلى المجتمع الجديد، هذه العودة لم تتأتَ من أطلال الماضي القبلي الفلاحي، بل من داخل الحركات الإسلاموية ذاتها؛ ذلك إنها مبنية على أنماطٍ تقليديةٍ من الولاء والعصبية والأستزبان في مجتمع حديث.

      لتبسيط ذلك يمكننا أن نأخذ حزب الإصلاح السلفي في اليمن فهو لا يعدو أكثر من تعبير سياسي عن قبائل حاشدة، وكذلك في السعودية وأغلب دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، لكن ظهور الإسلام السياسي يُموه بشكلٍ عامٍ إعادة تركيب العصبيات وفق نمط جديد، أي مختلف عن النمط الفلاحي، هذه المعضلات لن تستطيع الحركات الإسلامية تجاوزها التي تعزوها إلى مؤامرةٍ غربيةٍ، وكذلك بقية الأمراض الاجتماعية، فإما أن تنكرها أو تعزوها إلى ضعفٍ في الإيمانِ أو يُحيلوها إلى مؤامرةٍ استعمارية؛ ذلك أن أسطورة الوحدة تمنع وعي النزاع والتمايز اللذان سيعاودان الظهور أما في شكلِ عُنفٍ يصعب ضبطه، أو في استيلاء شبكات الأستزبان على الاقتصاد وسلطة الدولة وتطويعها لخدمة مصالح هذه التنظيمات وضمان بقائها واستمرارها على حساب السواد الأعظم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد يُنظر: أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة: نصير مرّوة، الطبعة الثانية، دار الساقي، بيروت، ١٩٩٦م.

#عمر_سلمان
#كُتّاب_سومريون

إقرأ أيضا

عودة ما لا يُعقل
4/ 5
Oleh

اشترك عبر البريد الالكتروني

إشترك في القائمة لدينا وتوصل بجديد المواضيع والقوالب

شاركنا بتعليقك المميز فهو يشجعنا ويساعد على الاستمرار

المقالات الاكثر قراءة